الشركات الناشئة المصرية حائرة بين جمع التمويلات والرغبة في البقاء

إسماعيل: تقليص عدد الموظفين بها قد يوفر %4 فقط من نفقاتها التشغيلية

الشركات الناشئة المصرية حائرة بين جمع التمويلات والرغبة في البقاء
عمر ياسر

عمر ياسر

9:25 ص, الثلاثاء, 14 يونيو 22

مستقبل غامض ورؤى متشائمة سيطرت على آراء مجموعة من مؤسسى ومديرى صناديق الاستثمار ورأسمال المخاطر حول مستقبل الشركات الناشئة المصرية، فى ظل الأوضاع الراهنة التى تشهدها دول العالم على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها من رفع سعر الفائدة على الدولار، وموجة الركود التضخمى التى تضرب جميع القطاعات الاقتصادية.

“المال” طرحت تساؤلًا على خبراء الاستثمار، حول مدى قدرة الشركات الناشئة المصرية التى وصلت إلى العالمية على الصمود والبقاء وتوفيق أوضاعها، لا سيما بعد تجربة شركة “سويفل” لطلب خدمات النقل الجماعى الذكى عبر المحمول الأخيرة، والتى أعلنت تسريحها %32 من حجم موظفيها بهدف ضغط نفقات التشغيل، ما يعادل نحو 400 موظف.

وأكدوا أن أغلب الشركات الناشئة فى مصر أصبحت تتبنى سياسة النمو بأى ثمن استنادًا إلى أحلام وردية، وخطط طموحة قد تبدو زائفة تصطدم بالواقع الصعب اقتصاديًا دون دراسة متأنية لكيفية تحقيق أرباح على الأجل طويل الأمد تضمن من خلالها البقاء والمنافسة وتعزيز وضعها كلاعب جديد فى السوق.

وبحسب تقرير أصدرته مؤسسة “ومضة” لأبحاث ريادة الأعمال، حصدت الشركات الناشئة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال مايو الماضى استثمارات بقيمة 176 مليون دولار عبر 42 صفقة، بانخفاض بلغت نسبته %40 مقارنة بأبريل من العام نفسه، واستحوذت مصر على 80 مليون دولار منها.

إسماعيل: تقليص عدد الموظفين بها قد يوفر %4 فقط من نفقاتها التشغيلية

قال الدكتور خالد إسماعيل، الشريك المؤسس لصندوق هيم إنجلز لرأسمال المخاطر، إن موجة التضخم العالمية التى يشهدها العالم حاليًا، إضافة إلى عدم استقرار سعر صرف الدولار مقابل الجنيه دفعت العديد من الشركات الناشئة خلال الأيام الماضية إلى تسريح عدد غير قليل من موظفيها، والذى يجب أن يكون هو الملاذ الأخير- على حد تعبيره- لذلك يجب على مؤسسيها البحث عن حلول عاجلة ومبتكرة من نوعها للخروج من هذه الأزمة بأقل خسائر ممكنة.

وأوضح “إسماعيل” أن بند الرواتب لدى بعض الشركات الناشئة يستحوذ على %20 من نفقاتها التشغيلية، وهى نسبة تعد ضئيلة للغاية مقارنة بالكيانات الكبرى التى تمثل فيها أجور العاملين نحو %90، بخلاف التكاليف الأخرى مثل مشروعات التطوير وحملات التسويق وبند البعثات الترويجية فى الخارج.

وأكد أن تقليص عدد الموظفين قد يسهم فى توفير %4 فقط من إجمالى نفقات معظم الكيانات الناشئة، مضيفًا أن المستثمرين سواء الملائكيين أو صناديق رأسمال المخاطر ينصحون دائمًا الشركات الناشئة بتقليل مصروفات أقل القطاعات ضررًا على الشركة، مثل عدد المكاتب وتكلفة الإيجارات والسفر للخارج والدعاية.

أبو هند: أغلبها يشهد ضخ Cheap money  رغم تحذيرات المؤسسات المالية

من جانبه، رأى أيمن أبو هند، مدير الاستثمار بشركة Advisable wealth engines  أن الفترة الماضية شهدت ضخ استثمارات كبيرة فى أغلب الشركات الناشئة تحت مسمى الأموال الرخيصة Cheap money  ، أى الأموال التى يمكن اقتراضها بسعر منخفض، رغم التحذيرات المستمرة من خطورة ذلك من قبل المؤسسات المالية المتخصصة، لافتًا إلى أن ارتفاع سعر الفائدة على الدولار عالميًا ساهم فى زيادة عدد  صناديق الاستثمار ورأسمال المخاطر التى تقوم بإقراض الكيانات الناشئة من أرباحها، وجعل الأخيرة مطالبة بتحقيق ربحية سريعا وسداد ما تم اقتراضه بفائدة أعلى.

وأكد “أبو هند” أن حركة الاكتتابات العامة للشركات الناشئة فى أسواق المال العالمية ورواج عمليات الاستحواذات SPAC’S ذات الأغراض الخاصة حملت الشركات الناشئة عبء تعيين أعداد كبيرة من الموظفين، وأصبحت تتكالب على استقطاب أفضل الكوادر البشرية داخل فريق عملها دون الالتفات إلى أزمة الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها التى تسببت فى انخفاض هوامش ربحيتها.

وأوضح أن آلية تسريح العمالة وتقليل النفقات التشغيلية على قطاعات بعينها ما هى إلا إجراءات تستهدف من خلالها الشركات زيادة ربحيتها وتعزيز رغبتها فى الصمود والبقاء، متوقعًا أن تستمر الشركات الناشئة فىى تبنى موجة الاستغناء عن العمالة لمدة عام على الأقل.

عبد الغفار: تحتاج إلى تغيير نماذج أعمالها وتقليل الفجوة بين إيراداتها ومصروفاتها

ولفت الدكتور هشام عبد الغفار، مؤسس مجموعة  مينا جوروس الاستثمارية، إلى أن عمل الشركات الناشئة يرتكز على النمو عبر جمع التمويلات التى تمنح مؤسسيها القدرة على اختراق أسواق جديدة أو تنفيذ استحواذات على أخرى قائمة، لافتًا إلى أن أزمة الركود التضخمى التى أصابت أسواق العالم ساهمت فى خلق نظرة تشاؤمية للغاية لدى المستثمرين.

ورأى “عبد الغفار” أن النموذج الصائب فى تأسيس الشركات الناشئة يقوم على استهداف الربحية على المدى الزمنى البعيد لفترة تصل إلى 10 سنوات، على غرار نموذج شركتى أمازون لخدمات التجارة الإلكترونية وأوبر لطلب خدمات النقل الذكى عبر المحمول، مشيرًا إلى أن الشركات الناشئة بحاجة إلى تغيير نماذج أعمالها، أو العمل على تقليل الفجوة بين المصروفات والإيرادات مؤقتًا لحين التعافى من تأثيرات الأزمة الحالية.

وتابع قائلًا: يجب على الشركات الناشئة حاليًا تبنى استراتيجية الانغلاق التام للخروج من أزمة نقص التمويلات، وتتضمن حزمة إجراءات استثنائية منها خفض ميزانية الدعاية وعدم التوسع فى أسواق جديدة، إضافة إلى تقليل النفقات التى ليس لها علاقة مباشرة بأعمال الشركة مثل نفقات السفر، علاوة عن الاستغناء عن أى عمالة تم تعيينها لخدمة مشروعات توسعية بعينها، مضيفًا أن إجراء الاستغناء عن العمالة موجود بكبرى الشركات مثل: تسلا لصناعة السيارات الكهربائية التى تمتلك تقييمًا يعد من بين الأكبر فى العالم.

واقترح “عبد الغفار” أن تلعب الدولة المصرية دورا كبيرا فى مساندة الشركات الناشئة لتجاوز الأزمة الراهنة دون تكبد خسائر فادحة، من خلال السماح للصناديق السيادية والمؤسسات الحكومية الكبرى بتمويلها.

القاضى: معظمها ينتهج سياسة النمو بأى ثمن.. ويجب عليها تحسين إدارة رؤوس أموالها

بينما أوضح طارق القاضى، الشريك المؤسس لصندوق إليكس إنجلز للاستثمار الملائكى، أن الفترة القادمة ستكون الأصعب اقتصاديًا على جميع الشركات بمختلف أحجامها، سواء كبيرة أو ناشئة، منوهًا أن الشركات الناشئة تنتهج حاليًا سياسة النمو بأى ثمن Grow at any cost من خلال تنفيذ صفقات استحواذات كبيرة الحجم، سواء على شركات أو عملاء، والسعى وراء طموح التوسعات فى أكثر من دولة دون التفكير بعمق فى كيفية تحقيق أرباح.

وقال “القاضي” إن الشركات الناشئة يجب عليها أن تحسن إدارة رؤوس أموالها، وتعمل وفق مبدأ التخطيط الجيد لتفادى تكبد الخسائر أو على أقل تقدير الخروج من الأزمة بأقل خسائر، متابعًا بأن هناك دراسات اقتصادية حالية تفيد انخفاض حجم الاستثمارات أقل من المتوقع إلى جانب حرصها الزائد فى تمويل أى مشروعات سواء الفترة الحالية او القادمة.  

ولفت الدكتور عصام الجوهرى، عضو الهيئة الاستشارية بمعهد التخطيط القومى، إلى وجود نوعين من الشركات الناشئة على الساحة حاليًا، أولهما يستهدف النمو التدريجى وتحقيق ربحية على المدى الزمنى البعيد، بينما يعتمد النوع الآخر على تنفيذ على عمليات تخارجات أو الاستحواذات من أجل الصمود بالأسواق.

واعتبر “الجوهري” أن النوع الأول هى شركات تمتلك نموذج أعمال ثابتًا، وتعمل على تطوير خدمات على أرض الواقع وتعتمد على مبدأ توظيف عاملين لديها حسب الحاجة، الأمر الذى ينعكس على تطوير مهارات موظفيها ويسهم فى رفع كفاءتهم.

واستطرد قائلا: يتمثل النوع الثانى من الشركات فى زيادة حجم الأعمال، وتعيين مزيد من الموظفين من أجل الحصول على تمويلات فقط، منوها بأن مؤسسى تلك الكيانات يحققون أرباحًا من خلال تداول أسهمها فى البورصة وليس من طرح خدمات، بدليل ما قامت به شركة تسلا منذ أيام من تسريح عدد من العاملين لديها أيضًا.

وأكد أن الشركات الناشئة التى لا تحمل على كاهلها عبء الديون بالديون، ولا تقوم بتوظيف عمالة زائدة على الحد ستنجو من الأزمة الاقتصادية الحالية بأقل الخسائر الممكنة.