السياسة الخارجية والأنظمة السياسية

توفيق اكليمندوس

10:42 ص, الأحد, 10 مارس 19

توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

10:42 ص, الأحد, 10 مارس 19

سؤال ظل يراودنى لم يكن أبدا فى محله… ولكنه قد يصبح ملحا فى العقد القادم…. ما هو الأفضل لمصر… التعامل مع والاعتماد على دول ذات أنظمة ديمقراطية أم تفضيل الدول ذات الأنظمة السلطوية؟

السؤال لم يكن أبدا فى محله لأسباب متعددة… من ناحية فرضت الجغرافيا علينا اهتمامات وأحيانا التزامات لا حصر لها… نحن لم نختار دول الجوار والمجال الحيوى، هناك دولة بعيدة نسبيا وهى أثيوبيا قد تستطيع أن تقطع شرايين الحياة، وهناك إسرائيل التى تنتهج سياسات يمكن أن توصف بالقلقة والمقلقة، وعلينا التعامل مع الدول العربية والأفريقية والأوروبية سواء كانت ديمقراطية أم لا ولا نملك ترف تجاهلها.

ومن ناحية أخرى لدينا مطالب واحتياجات محددة، فنحن دولة قوية وتمتلك مفاتيح القوة، نحن دولة أمة لها وزن سكانى معتبر وهذا يقوى موقفها التفاوضى، ولديها جيش قوى لا مثيل له فى المنطقة باستثناء جيش اسرائيل ولديها طبقات وسطى حريصة على تعليم أولادها وتعرف إلى حد ما العالم الخارجى، وتملك أدوات تأثير وأدوات سلطة ناعمة وتقاليد ومدارس موروثة فى الأجهزة السيادية، ولكننا أيضا دولة ضعيفة، معدلات الزيادة سكانية مريعة والتعامل معها يلتهم موارد كثيرة، نحن لا ننتج تكنولوجيا ولا علم، إى أننا فى حالة تبعية تكنولوجية مثيرة للقلق وفى حاجة ملحة إلى استثمارات وقروض بشروط معقولة وبالتالى سنعطى الأولوية لمن يراعى مصالحنا مهما كانت طبيعة نظام حكمه.

ومن ناحية ثالثة ومن منظورنا نحن نستطيع أن نقسم آخر ٥٥ سنة إلى نوعين من المراحل… مرحلة أو مراحل كان عدم الانحياز فيها خيارا ممكنا – وبالتالى نملك خيار عدم الاختيار، ومراحل لم نكن مخيرين فيها، إما لأننا نحتاج بوضوح إلى طرف ما – فى السبعينات والثمانيات الولايات المتحدة كانت تمتلك دون غيرها مفاتيح الحل السياسى والتكنولوجيا المتقدمة، وإما لأن هناك قوة عظمى لا منافس لها فرضت هيمنتها على العالم كله – الولايات المتحدة فى التسعينات وفى العقد الأول من الألفية الجديدة.

لست من أنصار الاستخفاف بالولايات المتحدة وبقدرتها المذهلة على النهوض بعد الكبوة والعودة بقوة، ولكن هناك احتمال قوى أن يعود النظام الدولى المتعدد الأقطاب مع الصعود الصينى وتفاقم أزمات المجتمع الغربى وتردى أداء نخبه السياسية، ولا نعلم فى الحقيقة إن كان النظام الصينى أحسن حالا، ولا نعلم إن كان الخيار الطبيعى –عدم الانحياز- سيظل متاحا دائما، ما نعلمه مصدر حيرة… وهو أن الصين أكثر سخاء وأنها فى طريقها إلى سد الفجوة التكنولوجية وأن الدول الغربية مطالبها كثيرة ومتنوعة وما تقدمه على أهميته مشروط وتؤثر فيه إلى حد ما تقلبات رأيها العام وأن خطابها سخيف. وفى المقابل القواسم الثقافية المشتركة مع الدول الغربية أكبر وأكثر متانة ونملك أدوات ضغط وتأثير عليها لا يستهان بها وتاريخا طويلا من التعامل معها، ونعرفها إلى حد ما. والمسافة بيننا وبينهم ليست كبيرة.

هناك رد تقليدى… يرى من ناحية أن الديمقراطية تبنى مؤسسات عقلانية تجيد حساب المكسب والخسارة وتهتم بمصالح شعوبها وتنتهج سياسات يمكن توقعها وتجيد رسم تحالفات ولا ترى فى الحروب إلا حلا كريها يجب تفاديه بقدر الإمكان، وأن وجود محاسبة شعبية وقضائية وسياسية يمنع المغامرات… وفى المقابل الأنظمة السلطوية تخضع فيها السياسة الخارجية لأهواء الحاكم الذى لا يستمع إلى النصح ولا يحاسب ولا بعير لحياة وسلامة مواطنين أى اهتمام وتعميه الرغبة فى بناء مجد شخصى الخ.

هل هذا الرأى سليم؟ أقول إجمالا أن القضية تحتاج إلى نقاش أكثر عمقا وأعود إليها الأسبوع المقبل.

  • أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية