السياسة الخارجية والأنظمة السياسية 2

توفيق اكليمندوس

10:49 ص, الأحد, 17 مارس 19

توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

10:49 ص, الأحد, 17 مارس 19

فى وجداننا مقولات حول عقلانية السياسة الخارجية وعلاقتها بطبيعة النظام السياسى، ونفترض أن النظم الديمقراطية – لا سيما تلك التى تتمتع بمؤسسات راسخة- أكثر قدرة على انتهاج سياسة عقلانية من الأنظمة السلطوية لا سيما أنظمة الفرد الواحد التى لا يوجد فيها مؤسسات.

ويضاف إلى هذا مجموعة مقولات تذهب المذهب نفسه، أولا الدول الديمقراطية تتمتع بثقافة احترام القانون والاتفاقيات والمعاهدات وتتمسك عامة بنظام دولى قائم على قواعد قانونية، على عكس الدول السلطوية أو الاستبدادية التى لا تفهم إلا لغة القوة. وثانيا الدول الديمقراطية مستقرة أو على الأقل أكثر استقراراً من الدول السلطوية والاستبدادية، ولديها قدرة كبيرة على استيعاب الهزات. ويترتب على كل ذلك أنه يجب – إن واجهنا يوماً واقعاً تتساوى فيه قوة الصين وقوة الولايات المتحدة. ووضعا نضطر فيه إلى الاختيار بين أحدهما- أن ننحاز إلى الولايات المتحدة- أو إلى أوروبا.

إلا أن سؤالين يفرضان أنفسهما- هل تلك الفرضيات صحيحة؟ وهل يجب أن نعير اهتماما لطبيعة النظام وقابليته للاستقرار عندما نرسم سياستنا الخارجية؟

فى الواقع تحتاج ثنائية عقلانية السياسة الخارجية الديمقراطية وثباتها النسبى مقابل تقلب السياسة الخارجية للنظم السلطوية وخضوعها لأهواء الحاكم- إلى مراجعة، فإن الذى قام بغزو العراق دولة ديمقراطية. وأى قراءة لمذكرات أى دبلوماسى غربى كفيلة بإقناع القارئ بأن العقلانية تغيب كثيرا.

وموضوع عقلانية القرار قُتل بحثاً، ولا أريد أن أغرق القارئ فى تفاصيل النقاش العلمى. ولكن الخلاصة هى أن إمكانية نجاح عملية البحث عن الحل الأمثل وحساب المكسب والخسارة متوقفة على توافر عناصر لا تجتمع إلا فى القليل النادر. معلومات دقيقة وكاملة. تقييم صحيح وتفسير موفق لها. وقت كاف لبحث البدائل بحيادية. القدرة على أخذ كل العوامل فى الاعتبار فى عالم يزداد تعقيداً وعلى التنبؤ برد فعل كل الأطراف المعنية – أى إلمام المشاركين فى اتخاذ القرار بالبدائل المطروحة أمام كل طرف وبقدرات وبثقافة وبالتكوين النفسى لكل منهم.

وعقلانية القرار تفترض أن حساب المكسب والخسارة ممكن. وفى الواقع هو فى أحوال كثيرة مستحيل. أسوق مثالاً واحداً: هل من مصلحة الولايات المتحدة نجاح مشروع الوحدة الأوروبية ومشروع الجيش الأوروبى الموحد أم عليها أن تعمل جاهدة على إفشالهما؟ للردَّين وجاهة… نعم لأنها تحتاج إلى حليف قوى يشترك معها فى القيم والتصورات. حليف يعتمد عليه وقادر على الدفاع عن نفسه مما يسمح لها بالتفرغ لمواجهة الصين. لا لأن تشرذم الدول الأوروبية وعجزها العسكرى المزمن يكرس تبعيتها للولايات المتحدة ويسمح لواشنطن بابتزاز الكل ويفرض على الدول الأوروبية نوعا من التسابق فيما بينها لنيل الرضا الأمريكى.

وعلى فرض أن الدولة حددت هدفاً واحداً عقلانيًا مجمع عليه. ما الأسلوب الأمثل لتحقيقه؟ المملكة المتحدة قررت تقوية موقفها فى مفاوضات البريكزيت بالسعى إلى بث الفرقة فى صفوف الاتحاد الأوروبى، وآتت مناوراتها بنتائج عكسية وقوَّت وحدة الصف ضدها.

من ناحية أخرى أثبتت الدراسات أن القرار الذى شارك فى صنعه مجموعة ليس محصنًا ضد الأخطاء الجسيمة. أوضح الأمثلة على هذا تأتينا من الولايات المتحدة، إن اشترك كل المشاركون فى التوجهات الأيديولوجية لن يشككوا فى صحة فرضياتهم، وسيحاول كل مشارك إثبات إخلاصه التام للتوجه، وإن شعر بتأييد الغالبية لقرارٍ ما، قد يخشى مشارك انتقاده حتى لا يتم التشكيك فى ولائه وإن مثل كل مشارك توجهًا ومصالح بيروقراطية، أى إن اشترك فى صنع القرار أفراد متنوعو المشارب والمصالح، هناك احتمال قوى أن القرار سيكون حلا وسطا لا الحل الأمثل.

  • أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية