Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

السودان بين الثورة القاصرة .. أو الانقلاب كضرورة

السودان بين الثورة القاصرة .. أو الانقلاب كضرورة
شريف عطية

شريف عطية

6:51 ص, الثلاثاء, 2 يوليو 19

فى ظاهرة سوسيولوجية نادرة، تندلع ثلاث ثورات لجماهير الشعب السودانى على امتداد نحو نصف قرن من تاريخ هذه البلاد سيئة الحظ، استثناء عن بقية الشعوب العربية فى حالة استرخاء ثورى شبه دائم، وإذ تعجز الانتفاضات التكرارية السودانية عن بلوغ أهدافها، يصبح الانقلاب العسكرى – كبديل – ضرورة سياسية لمحاولة استكمال الثورة المعاقة لأسباب تتصل بتناقضات سودانية خاصة.. ما بين الإسلام واللاإسلام وبين العروبة واللاعروبة، وما بين الوفرة والتصحر.. إلخ، ما يشكل مع غيره من الأسباب علاقة طردية مثيرة بين كل من المؤسسة الحزبية.. والعسكرية، السودانيتين، إلا أن الانقلاب الأخير فى يونيو 1989 جاء مختلفا عن سابقيه، فى 1958 (الفريق عبود)، وفى 1968 (العقيد نميرى) من حيث مشاركة الحركة الإسلامية حركة الجيش فيما سميت حينئذ «ثورة الإنقاذ» – البشير / الترابى – ورغم انفصالهما (حكومياً) فى النصف الثانى من التسعينيات.. إلا أن النهج الإسلامى، وأدبياته، ظل يصوغ طبيعة نظام الحكم لثلاثين عاماً متصلة، كانت الأكثر ارتباكا فى تاريخ السودان السياسى منذ استقلاله عن بريطانيا 1956، من حيث (على سبيل المثال) استضافته للإرهاب الدولى وقادته- كارلوس – بن لادن، إلى محاولة اغتيال الرئيس المصرى، 1995، وعن الحرب فى دارفور غرب البلاد 2004، إلى انفصال جنوب السودان عن شمالها 2011، فيما الاضطرابات تعم بقية الأقاليم والولايات السودانية، كما شارف الاقتصاد حافة الانهيار فى السنوات الأخيرة (إذ فرغت ماكينات الصرف الآلى من الأوراق المالية)، وما إلى ذلك من أسباب أذنت بسقوط نظام البشير إثر احتجاجات جماهيرية من مطلع العام 2019، وليواجه السودان مجدداً فراغا ثلاثيا فى السلطة، ما بين قوى الثورة، والمؤسسة العسكرية، والتيار الإسلامى الذى يدافع عن بقاء نفوذه (المحلى والإقليمى) حتى الموت، وفيما يتناوب الشعب السودانى نوازع أطياف سياسية مختلفة من ناحية، فقد اضطلع المجلس العسكرى بدور تاريخى فى عزل البشير، يرى لنفسه الحق فى مباشرة الفترة الانتقالية المقترحة، إلى آخر التباينات فى الآراء والمواقف داخل مكونات تضم كيانات إسلامية وسياسية وعسكرية، تغذيها تدخلات لمصالح إقليمة ودولية، كانت موضوع أربعة مؤتمرات دولية بشأن السودان الذى يمثل «أفريقيا مصغرة» ثبت عمليا امتداده (الأممى) لحركات العنف والغلوّ فى المنطقة، وفى لاستقرار العالم، ما يتطلب موقفاً توافقيا يحافظ على الثورة الجديدة ويدرأ عنها الفتن، ولأن يخلق الدستور «المرتقب» قدراً أكبر من الدمج السياسى فى إطار مشروع ديمقراطى للسودان.

إلى ذلك، يقف السودان عند مفترق طرق أفريقيا والشرق الأوسط، ولكونه مصدراً لغياب الأمن أو تأكيده فى سائر أرجاء المنطقة، بما فى ذلك منطقة الصحراء الكبرى الأفريقية، وما بين دول الساحل (المتوسطية) والصحراء جنوبى غربىّ مصر.. فيما يعرف بالمثلث الذهبى الذى يضمها مع ليبيا والسودان، إذ يتصدى ثلاثتهم لحروب مختلفة، بالوكالة أو الإرهاب أو الحرب النفسية، لذلك كان من الحتمى لمصر، وبوصفها الرئيسة الدورية للمنظمة الأفريقية، المشاركة الفعالة لصياغة وتقديم مقترحاً جديداً 27 يونيو الجارى حول الفترة الانتقالية السودانية عبر الوسيطين الأفريقى والإ ثيوبى، ذلك وسط استمرار المواجهة بين المجلس العسكرى الحاكم والمحتجين الذى يطالبونه بتسليم السلطة لمدنيين، إذ ربما تحدد المفاوضات بينهما بشأن مضمون المقترح الجديد طبيعة المرحلة الانتقالية.. التى تجىء بعد 30 عاماً من الحكم الاستبدادى لما سميت – ثورة الإنقاذ الإسلامية-، ذلك بتقديم الاقتراح بتشكيل هيئة انتقالية للجانبين 7+7+1 (يختاره الطرفان معا (تحالف الحرية والتغيير مع المجلس العسكرى) ولمدة ثلاثة سنوات، فيما يتناوبا الرئاسة لثمانية أشهر لكل منهما، مع وقف التصعيد والتصعيد المضاد، للحيلولة دون وصول المبادرة الأفريقية الإثيوبية إلى طريق مسدود لا يسفر عن استكمال السودان ثورته الثالثة – بعد لأى دام لنحو نصف قرن – خضع خلالها لعسكريين ليس بعضهم غير أسوأ المدنيين، وانفلاتا بالسودان من تلك الدائرة الجهنمية شبه الدائمة بين جناحى العسكريين والحزبيين، كلاهما مرّ، لا تفوق كفاءته صنوه الآخر كثيرا.