يحاول القادة الأوروبيون بيأس اكتشاف طريقة لإخراج صادرات أوكرانيا الغذائية، إذ تعد صادراتها من الحبوب أكبر من صادرات الاتحاد الأوروبي بأكمله، والأسبوع الماضي، قالت روسيا، التي تتهمها الأمم المتحدة بشن حرب على الأمن الغذائي العالمي، إنها ستفتح ممرات بحرية لفتح موانئ مثل أوديسا على البحر الأسود إذا رُفعت العقوبات المفروضة عليها، لكن أوكرانيا قالت إنها متشككة في ذلك بسبب مخاوف أمنية.
تحدي نقل صادرات أوكرانيا الغذائية
التحدي الصعب جعل السياسيين يدرسون كل شيء بدءاً من المرافقة البحرية إلى نقل كل ما هو ممكن براً إلى بحر البلطيق، ويقول المسؤولون في الموانئ وشركات الخدمات اللوجستية وفي القطاع الزراعي الذين أجريت معهم مقابلات في جميع أنحاء المنطقة إنهم ينظرون للخرائط بحثاً عن حلول مثل تحويل النقل البري وإحياء خطوط السكك الحديدية مثل تلك التي تصل إلى غالاتس.
مهمة معقدة
المهمة معقدة بسبب ندرة سائقي الشاحنات وحقيقة أن السوفييت استخدموا مقياس مسار أوسع من المعيار الأوروبي. قال الاتحاد الأوروبي إن ذلك تسبب في تأخيرات تصل إلى 30 يوماً على الحدود بسبب الطرق الحالية نظراً لأنه يجب نقل البضائع إلى عربات قطار متوافقة مع المعيار الأوروبي ما يُزحم البنية التحتية الجمركية.
في الوقت نفسه، تزدحم الموانئ في رومانيا وبولندا بحركة المرور أو تعمل بالفعل بكامل طاقتها في حين أن هناك نقصاً في الموظفين المتخصصين للتعامل مع الزيادة في الطلب، وحتى في ظل وقوف الصادرات الأوكرانية عند نسبة بسيطة مما كانت عليه، يحذر المسؤولون التجاريون من أن الاختناقات ستزداد سوءاً مع بدء بقية أوروبا في حصاد القمح الشهر المقبل.
قال تاراس كاتشكا، نائب وزير التنمية الاقتصادية الأوكراني، في مؤتمر الشهر الجاري: “حجم المشكلة هائل، في الخمسة عشر عاماً الماضية، طورنا بنيتنا التحتية بطريقة لا يمكن استبدالها ببساطة بوجهة أخرى، أو بميناء آخر”.
أوكرانيا هي مورد رئيسي للقمح والذرة والشعير وتتصدر المبيعات العالمية لزيت عباد الشمس، وستتقلص المحاصيل المستقبلية بلا شك بسبب الحرب، لكن لا يزال لديها 20 مليون طن من الحبوب المخزنة من العام الماضي.
تبسيط الترتيبات التجارية
تعمل أوكرانيا على توسيع القدرة التصديرية على حدودها الغربية وتبسيط الترتيبات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، يوم 24 مايو، إن الاتحاد الأوروبي يعمل على إيصال ما هو عالق في أوكرانيا إلى الأسواق العالمية من خلال فتح ممرات تضامن للموانئ الأوروبية بالإضافة إلى تمويل وسائل النقل المختلفة، ويتوقع سفير أوكرانيا في وارسو أن تكون بولندا هي قناة توصيل 80% من الحبوب الأوكرانية.
القول أسهل من الفعل
لكن الناس على الأرض تقول إن القول أسهل من الفعل عندما تنظر إلى الخريطة خاصة فيما يتعلق بشبكة السكك الحديدية.
في سلوفاكيا، نقل منظم حركة البضائع الرئيسي 18 ألف طن من الذرة من أوكرانيا الشهر الماضي عبر 12 قطاراً، وبمشاركة شركات الشحن الخاصة، لكن تكمن المشكلة في أن الشحنات من العربات الأوكرانية ذات العيار العريض تحتاج إلى إعادة تحميلها على العربات ذات الحجم الأوروبي القياسي أو نقل جزء الحاوية إلى عجلات مختلفة.
تمتلك بولندا خط سكة حديد عريض النطاق يبلغ طوله 400 كيلومتر يربط أوكرانيا بمنطقتها الصناعية الجنوبية الغربية سيليزيا، ويستخدم أساساً لنقل منتجات الصلب، وفي الأسابيع الماضية لنقل اللاجئين، وبدأت شركة “بي إل كيه” (PLK SA) المشغلة لشبكة السكك الحديدية الحكومية الاستثمار في تعزيز السعة، وبذلك عكست تركيزها السابق على إنشاء طرق حتى الصين عبر بيلاروسيا.
في أبريل، اتفقت بولندا وأوكرانيا أيضاً على إنشاء شركة شحن مشتركة وتبسيط القواعد الحدودية، لكن نظراً لأن الطرق المؤدية إلى موانئ البلطيق في بولندا مزدحمة بالفعل بجانب نقص العربات، هناك شكوك حول قدرة بولندا على زيادة أحجام الحبوب الأوكرانية إلى ما يزيد كثيراً عن مليوني طن شهرياً في أي وقت قريب، وفي المقابل يُشحن ما بين 5 إلى 6 ملايين طن عبر موانئ البحر الأسود شهرياً، وفقاً لرومان سلاستون، المدير العام للرابطة الأوكرانية للأعمال الزراعية.
تحدي ضخم
يعد خط السكك الحديدية من ريني إلى غالاتس عبر مولدوفا قطعة صغيرة نسبياً من الأحجية، لكنه يوضح مدى ضخامة التحدي.
تعمل شركة “تي تي إس” (TTS)، وهي شركة رومانية تعمل على نهر الدانوب وفي ميناء مدينة كونستانتا، على إزالة الشجيرات والأشجار الصغيرة لفتح الطريق، وقال أيون ستانسيو، نائب الرئيس التنفيذي لـ”تي تي إس”، في مقابلة في 20 مايو: “نحن شركة لوجستية وقمنا بالعديد من الأشياء في هذه الحياة التي تتحدى الطبيعة الجغرافية، والآن ننطلق من نفس المبدأ”.
طريق أسرع
تحرص رومانيا على تحديث ميناء غالاتس لتخفيف الازدحام في مدينة كونستانتا على البحر الأسود، ويتصل غالاتس بخط سكة حديد عريض يتوافق مع النظام الأوكراني وقد يسهل عملية إعادة توجيه الحبوب بشكل أسرع، وقال رئيس الوزراء، نيكولاي سيوكا، الشهر الماضي، إن الحكومة تريد تسريع بناء الجزء المفقود بطول 4.6 كيلومترات وإن العمل سيستغرق ثلاثة أشهر.
مع ذلك، تقول “تي تي إس” إنه يظل من غير الواضح من سيفعل ذلك، وأمضت الشركة شهرين في اختبار الخيارات اللوجستية عبر السكك الحديدية أو الشاحنات، ويشمل الطريق ثلاث دول وثلاثة مشغلين مختلفين للسكك الحديدية. وقال وزير النقل الروماني إنه يأمل في العثور على شركة لبناء الجزء المفقود من المسار الأسبوع الجاري وقد يزور غالاتس مع نظيره الأوكراني.
إمكانات لا يمكن تعويضها
قال الرئيس التنفيذي لشركة “تي تي إس”، بيترو ستيفانوت: “كانت أوكرانيا تصدر 20 مليون طن من المعادن سنوياً وكمية أكبر من الحبوب عبر البحر، لذا فإن الاعتقاد بأنه من الممكن استبدال هذه الإمكانات بالكامل هو حلم، وما نحاول فعله هو مساعدتهم بقدر الإمكان، لكن لا يمكن تعويض ما كان لديهم وما فقدوه”.
تمكنت “تي تي إس” من نقل حوالي 200 ألف طن من الحبوب والمعادن من أوكرانيا في الشهرين الماضيين، ويثق ستيفانوت في إمكانية نقل المزيد مع زيادة كفاءة توجيه الشحنات عبر نهر الدانوب.
ستكون أي زيادة في الإمدادات بالغة الأهمية بعد أن أثارت الحرب في أوكرانيا مخاوف متزايدة من أزمة غذاء، وفي المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، اتهمت فون دير لاين الرئيس فلاديمير بوتين باستخدام “الجوع والحبوب لممارسة السلطة”، وشجبت قصف روسيا لمخازن الحبوب وحصار السفن الأوكرانية المليئة بالقمح في البحر الأسود، وعادة، يُباع ما يناهز ثلاثة أرباع المحاصيل الأوكرانية في الخارج، وهي مُصدِّر رئيسي إلى أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط بالإضافة إلى أوروبا.
يتوقع وزير الزراعة الأوكراني أن ما بين 30 إلى 40 مليون طن أخرى من الحبوب ستكون بحاجة للتصدير بعد موسم الحصاد الصيف الجاري وفي الخريف، رغم أنه من الممكن تخزين الحبوب، فإن المزارعين يحتاجون إلى بيعها للحصول على أموال لزراعة إمدادات عام 2023، بجانب زراعة المحاصيل الشتوية مثل القمح في غضون بضعة أشهر فقط.