خيمت سحب التشاؤم على مستقبل قطاع السياحة بعد تكبده خسائر تراوحت بين 4 و 6 مليارات دولار خلال العامين الماضيين، على خلفية توتر الأوضاع السياسية والأمنية داخل الشارع المصرى، وحذر ممثلو القطاع السياحى من استمرار نزيف الخسائر كنتيجة مباشرة لاستمرار الاعتصامات والتظاهرات داخل الميادين المختلفة، وهو ما يعود إلى عدم قدرة القائمين على إدارة البلاد فى التعامل مع هذه الأزمات، سواء خلال المرحلة الانتقالية التى أدارها المجلس العسكرى أو ما بعد تسلم الرئيس محمد مرسى المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين دفة الحكم.
ويرى عدد من رجال الأعمال والمستثمرين أن حالة الانقسام داخل المجتمع المصرى وصلت إلى ذروتها نتيجة اخفاق الرئيس مرسى فى أن يكون رئيسًا لكل المصريين، وليس لجماعة بعينها، مدللين على ذلك بتشكيل مجلس الشورى الأخير، الذى هيمن عليه تيار الإسلام السياسى بدرجة كبيرة، بالرغم من حالة الغليان التى شهدها الشارع المحلى، قبيل إجراء الاستفتاء على الدستور الذى وضعته جمعية تأسيسية هيمن أيضًا عليها تيار الإسلام السياسى.
وتخوف ممثلو القطاع السياحى من عدم قدرة القيادة السياسية وحكومة الدكتور هشام قنديل فى التعامل مع التظاهرات التى تمت الدعوة إليها لإحياء ذكرى ثورة 25 يناير بثورة جديدة فى مواجهة التيار الإخوانى الحاكم للبلاد، وهو ما قد يزيد من حالة الانفلات الأمنى داخل الشارع المصرى.
أكد عدد كبير من ممثلى القطاع أن منظمى الرحلات العالمية الممثلين لكثير من الجنسيات أعلنوا أنهم لن يغامروا بتنظيم رحلات للسوق المحلية، ناهيك عن التحذيرات التى أكدتها وزارات خارجية بعض الدول من الوجود فى مصر بشكل عام والمناطق الملتهبة فى البلاد بشكل خاص، وذلك لحين الانتهاء من إجراء الانتخابات البرلمانية، حيث وصفها البعض بأنها ستكون الأعنف فى تاريخ مصر.
إلهامى الزيات: لا يمكن لأحد أن يتنبأ بمستقبل القطاع
وقال إلهامى الزيات نائب رئيس الاتحاد العام للغرف السياحية لـ «المال»: لا يمكن لأحد أن يتنبأ بمستقبل القطاع فى ظل المرحلة الضبابية التى تمر بها مصر فى الوقت الحالى، إلا أنه أكد أن تعافى القطاع مرتبط بعودة الأمن مرة أخرى للشارع، ويسود الهدوء داخل الميادين وفى مقدمتها ميدان التحرير.
وأضاف الزيات أن تعافى القطاع يتوقف أيضًا على قدرة القيادة السياسية على التعامل مع التظاهرات التى دعا إليها البعض يوم 25 يناير الحالى، وقال أتمنى ألا تنحرف هذه التظاهرات عن سلميتها ولا تتجاوز إطار الاحتفالات.
وأشار إلى أن العقبة الثانية التى قد تحول دون حدوث انفراجة فى أعداد الوفود السياحية التى تزور مصر، هى وقوع أحداث عنف خلال إجراء الانتخابات البرلمانية، التى من المتوقع أن تكون الأصعب فى تاريخ مصر فى ظل حالة الاستقطاب التى يعانى منها الشارع المصرى فى الوقت الحالى.
وأضاف الزيات أنه فى حال مرور هذين الحدثين بسلام نتوقع أن يتعافى القطاع السياحى خلال شهر نوفمبر المقبل، بحيث تصل أعداد الوفود السياحية إلى 13 مليون سائح بنهاية العام، مقارنة بـ 15 مليون سائح خلال 2010 ، أما السيناريو الثانى والذى نفترض فيه وقوع أعمال عنف فلن تتجاوز أعداد الوفود السياحية 11 مليون سائح، بما يمثل خروجًا جديدًا لـ 800 ألف عامل من القطاع على غرار ما تم العام المنتهى.
وأشاد الزيات باللقاء الذى عقده الاتحاد العام للغرف السياحية فى أول يناير الحالى، مع ممثلى الأحزاب السياسية بمدينة شرم الشيخ، مشيرًا إلى أن هذا اللقاء هدفه الرئيسى نقل صورة حية للعالم بأن الأحزاب الدينية لا تمانع فى وجود السياحة الشاطئية.
وأضاف الزيات أن الاتحاد سيقود خلال الفترة القليلة المقبلة سلسلة من الاجتماعات تضم ممثلى جميع الأحزاب السياسية لوضع إطار توافقى حول الإصلاح الاقتصادى، بحيث يكون بعيدًا عن الخلافات السياسية، قائلاً : أنا رجل أعمال لا يهمنى الصراع السياسى بقدر الحفاظ على صناعة السياحة من الانهيار.
وزارة السياحة تسعى مع مختلف الجهات للتخفيف من الأعباء التى يتحملها ممثلو القطاع
وعلى صعيد متصل، أشاد رئيس الاتحاد العام للغرف السياحية بالجهود التى تقوم بها وزارة السياحة فى الوقت الحالى مع مختلف الجهات المعنية للتخفيف من الأعباء التى يتحملها ممثلو القطاع، منها على سبيل المثال المفاوضات التى تجريها مع وزارة الطيران المدنى لتخفيف تكاليف الرحلات الداخلية وتشغيل خطوط جديدة لبعض المناطق السياحية.
وقال هشام زعزوع، وزير السياحة، إن الوزارة وضعت عددًا من الخطط الاستباقية لضمان الوصول بأعداد الوفود السياحية خلال 2013 إلى 14 مليون سائح، والتعامل مع المشكلات التى من المنتظر أن تواجه القطاع، خاصة فيما يتعلق بتحرير أسعار الطاقة للمنشآت السياحية عبر الإعداد لسلسلة من المشروعات التى تؤهل هذه المنشآت للعمل بالغاز الطبيعى والطاقة المتجددة، بدلاً من المازوت والسولار.
وأكد ناجى عريان، نائب رئيس غرفة المنشآت الفندقية باتحاد الغرف السياحية أن القطاع السياحى لن يتعافى إلا بعد حدوث توافق وطنى حقيقى بين مختلف فئات المجتمع، إلى جانب التزام القوى الحاكمة بعدم اللجوء للعنف بفض الاعتصامات والتظاهرات باعتباره من أهم معايير احترام حقوق الإنسان التى تعد من أبرز العوامل التى تنظر إليها الدول المصدرة للسياحة.
ناجى عريان يستبعد حدوث تعاف خلال الموسم الشتوى الحالى
واستبعد عريان حدوث تعاف خلال الموسم الشتوى الحالى الذى ينتهى فى شهر مارس المقبل، كنتيجة مباشرة لتداعيات الأزمة السياسية التى أحدثها الرئيس محمد مرسى خلال الأشهر القليلة الماضية، كما أن منظمى الرحلات لن يأتوا إلى مصر إلا بعد مرور تظاهرات 25 يناير الحالى، التى دعا إليها العديد من القوى السياسية إلي جانب إجراء انتخابات مجلس النواب والإعلان عن النتيجة قائلاً: اسألنى عن السياحة يوم 26 يناير.
وناشد عريان كلاً من الرئيس محمد مرسى، والدكتور هشام قنديل، رئيس مجلس الوزراء، أن يكونا أكثر توافقًا مع الشارع ككل، وليس مع فصيل سياسى واحد، بحيث نصل إلى مرحلة توافق حقيقى، وشدد على ضرورة وضع برامج جادة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية دون اللجوء إلى زيادة الأعباء المالية التى يتحملها القطاع، مشيرًا إلى ضرورة الإعلان عن المؤشرات الحقيقية للقطاع فلا يعقل أن يعلن الرئيس عن زيادة فى أعداد الوفود السياحية فى الوقت الذى خرج من القطاع أكثر من 800 ألف عامل، وانخفض فيه متوسط إنفاق السائح إلى أقل من 50 دولارًا.
ودعا نائب رئيس غرفة المنشآت السياحية إلى ضرورة التزام مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء بإرسال رسائل طمأنة مستمرة لجميع دول العالم بعدم وجود أى مانع من التعامل مع القطاع السياحى، وقال: لا ننكر تأثير الصورة السلبية التى ترسخت لدى دول العالم الخارجى، نتيجة لصعود تيار الإسلام السياسى للسلطة.
يجب إعطاء مهلة للشركات السياحية المتعثرة لحين تعافى القطاع
وطالب عريان بضرورة قيام هيئة التنمية السياحية التابعة لـ”وزارة السياحة” بإعطاء مهلة للشركات السياحية المتعثرة وعدم اللجوء إلى سحب الأراضى لحين تعافى القطاع السياحى بالكامل.
وانتقد عريان التصريحات الحكومية بشأن أعداد الوفود السياحية التى زارت مصر خلال العام الماضى، والبالغة 11.5 مليون سائح، مشيرًا إلى أن عددًا كبيرًا من هذه الوفود جاء من سوريا وليبيا والسودان، ولا يقيمون بالفنادق ويتم احتسابهم على أنهم وفود سياحية، وفقًا للبيانات الصادرة عن مصلحة الجوازات.
وتساءل عريان هل أعلنت الحكومة صراحة عن الإيرادات التى حققها القطاع خلال 2012 ، ومقارنتها بإيرادات عام 2010 الذى كان يمثل عام الذروة للسياحة إذ تمكن من تحقيق ما يقرب من 12 مليار دولار إيرادات، مقارنة بـ 9 مليارات دولار فى الوقت الحالى.
واتفق معه فى الرأى عمرو صدقى، رئيس لجنة التشريعات بغرفة شركات السياحة والسفر، مؤكدًا أنه لا سبيل لتعافى القطاع خلال العام الجديد دون وجود خطاب سياسى يؤكد أهمية صناعة السياحة كإحدى الدعائم الرئيسية للاقتصاد المحلى، إلى جانب تنظيم مؤتمرات ولقاءات مع منظمى الرحلات العالمية للتأكيد على عدم المساس بالسياحة الشاطئية التى تستحوذ على أكثر من 80% من قوة القطاع فى الوقت الحالى.
وأضاف أن الحكومة يتعين عليها أن تساند قطاع السياحة بشكل غير مباشر من خلال تأجيل تحصيل الضرائب المتأخرة وعدم فرض ضرائب جديدة فى الوقت الحالى إلى جانب تقديم الضمانات الكافية للجهاز المصرفى للموافقة على جدولة المديونيات المستحقة على الشركات المتعثرة.
وبشأن الفترة الزمنية التى قد يحتاجها القطاع للتعافى، قال صدقى إن المؤشرات الأولية تؤكد انهيار الموسم الشتوى بالكامل مدللاً على ذلك بتراجع معدلات الإشغال داخل المنشآت الفندقية ليلة الاحتفال بـ «الكريسماس » ، إذ لم تتجاوز فى أفضل الظروف الـ59%، وتوقع أن يعاود القطاع قدرته مرة أخرى مع نهاية شهر أكتوبر المقبل، فى حال استمرار الأوضاع السياسية والأمنية.
ماجد الجمل: التحديات التى ستواجه الشركات لا تقتصر على تراجع أعداد الوفود السياحية فقط
أما ماجد الجمل، رئيس جمعية مستثمرى طابا فقال، إنه لا مجال لتعافى القطاع السياحى قبل بداية الموسم الصيفى المقبل، معتبرًا أن الأحداث التى شهدتها مصر أواخر العام الماضى، لا تزال تلقى بظلالها على حجم الطلب على المقصد السياحى خلال الموسم الشتوى، الذى يعمل بأقل من نصف طاقته، وفقًا لتقديره، وقال إن التحديات التى ستواجه شركات السياحة خلال العام الجديد لا تقتصر على تراجع أعداد الوفود السياحية فقط، وإنما تمتد لتحديات أخري ستتمثل في اتجاه الحكومة لإلغاء الدعم الموجه لشركات القطاع، خاصة فيما يتعلق بتكاليف الطاقة بعد إعلان وزارة السياحة مؤخرًا عن تحرير أسعار الطاقة للمنشآت السياحية.
وأبدى الجمل تفاؤله بتأكيد وزارة السياحة على حل مشكلات مستثمرى سيناء، خاصة فيما يتعلق بالقرارات الأخيرة التى أصدرها وزير الدفاع بشأن التملك فى سيناء، حيث تم الاتفاق على عدم تطبيق هذه القرارات بأثر رجعى.
وقال محمد أيوب، رئيس شعبة الفنادق العائمة بغرفة الفنادق، إن الوضع السياسى ضبابى للغاية ولا يمكن التنبؤ بما يمكن أن تكون عليه الأوضاع فى صباح الغد، وليس على مستويات بعيدة المدى بالنسبة للقطاع السياحى، بالإضافة إلى أن الوضع فى مصر دائمًا تحت بؤرة الأحداث العالمية، خاصة لحساسية موقع مصر استراتيجيًا فى التجارة العالمية، وهو ما يجعل انتشار الأخبار عن أوضاع مصر سريعًا جدًا عالميًا.
وأكد أيوب أن الإعلام العالمى ينقل الأحداث، كما تحدث فى مصر دون تحريف وتصريحات المسئولين المتضاربة، بالإضافة إلى اختلافها عما يراه المشاهد فى الخارج على الشاشات الحية يدعم وجهة النظر بأن البلاد فوق صفيح ساخن، فطريقة التعامل مع الأحداث لم تختلف إطلاقًا عما كانت عليه قبل سقوط النظام الماضى، والكل يعلم أن من بالخارج يرى الأحداث بدقة أفضل ممن هو بداخلها.
محمد أيوب: حجوزات موسم الشتوى الحالى لن تختلف كثيرًا عن أوضاع السياحة خلال العامين الماضيين
وعن توقعات رئيس شعبة الفنادق العائمة للأوضاع فى العام الجديد قال أيوب : دعنا نتحدث عن الموسم الشتوى الحالى، والذى تنبئ حجوزاته بأنه لن يختلف كثيرًا عن أوضاع السياحة خلال العامين الماضيين، وهو ما ينبئ بكارثة القطاع السياحى وتوقف المزيد من المنشآت.
وأضاف أيوب أن التخوفات الخارجية سببها تخوف الكثيرين من أن تشهد الانتخابات البرلمانية المقبلة أعمال عنف بداية من لحظة صدور قانون الانتخابات الذى قد لا يكون متوافقًا مع أحزاب المعارضة.
وأشار أيوب إلى أن حجوزات موسم الكريسماس ورأس السنة، أكدت أن الموسم الشتوى سيكون متراجعًا عن باقى فترات العام، إذا بلغت نسبة الإشغال فى الأقصر وأسوان البعيدتين 7% وفى القاهرة نحو 12% وهى نسب معدلات كارثية.
ودعا أيوب جميع قطاعات ومؤسسات الدولة إلى دعم القطاع السياحى، خاصة العاملين فى السياسة وقال : إذا لم يدعموا القطاع بالعمل فعلى الأقل بالصمت عن التصريحات والأفعال التى تدفع البلاد إلى الهاوية وقد تكون سببًا فى اشتعال الأوضاع من جديد.
وحول توقعاته لما يمكن أن تكون عليه الأوضاع فى الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، قال أيوب أتمنى أن تمر الأحداث فى ظل أجواء احتفالية وأن تكون هذه الذكرى جاذبة للسياحة فى العام المقبل، وليست طاردة، إلا أنه أشار إلى أنه ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
وقال عماد مرقص، عضو غرفة المنشآت السياحية، إن وضع القطاع السياحى كارثى بكل معنى الكلمة، ولا يمكن أن يتصور أحد ما سيكون عليه القطاع خلال الفترة المقبلة، خاصة أن الأحداث تتوالى بشكل سريع فى شكل عدة ضربات للاستقرار السياسى والأمنى داخل البلاد، مما يزيد من معاناة القطاع.
وأكد مرقص أن نسبة الإشغال لم تتخط حاجز 5% خلال موسم الكريسماس، ورأس السنة، فى إجمالى المنشآت السياحية، مما يدعم النظرات التشاؤمية بشأن مستقبل القطاع، خصوصًا أن منظمى الرحلات العملاقة فى الخارج رفعوا مصر من خططهم السياحية خلال العام الماضى، والسنة الحالية لحين استقرار الأوضاع السياسية.
عماد مرقص: الأوضاع الاقتصادية المتردية تدفع القطاع السياحى إلى مناطق صعبة للغاية
وأوضح مرقص أن الأوضاع الاقتصادية المتردية أيضًا تدفع القطاع السياحى إلى مناطق صعبة للغاية، ففى الوقت الذى خفض فيه عدد كبير من الفنادق والمنشآت الخمس نجوم أسعارها إلى نحو 18 دولارًا بنفس مستويات المنشآت الثلاث نجوم التى اتجهت للإغلاق، وتزامن ذلك مع ارتفاع أسعار الخضراوات والفاكهة والتى تستدعى تعديل قائمة الأسعار برفعها.
وكشف عضو غرفة المنشآت السياحية أن الانخفاض الكبير فى أعداد السائحين ساهم فى تخفيض شركات الطيران لعدد الكراسى المتواجهة إلى مصر من 1800 مقعد أسبوعيًا إلى 300 مقعد فى الوقت التى توقف فيه عدد من خطوط الطيران عن التوجه إلى القاهرة وعلى رأسها الخطوط الكورية، بالإضافة إلى عمل نحو 28 مركبًا سياحيًا فقط من إجمالى 280 مركبًا، وبنسبة إشغال لا تتخطى 7% من إجمالى قوتها التشغيلية وهى التى تغطى تكلفتها فقط للتحرك والعمل.
وأشار مرقص إلى أن تحذيرات الحكومات الأجنبية لرعاياها من الوجود فى مصر خلال العام ونصف العام الماضيين بسبب التهاب الوضع السياسى داخل البلاد يدعم توقعات المنظمين الدوليين بعدم هدوء فى الأوضاع السياسية فى مصر وبالتالى استمرار عدم وجودها على أجندة السياحة العالمية طوال الفترة المقبلة.