ركزت الحكومة المصرية، جهودها نحو الاعتماد على الطاقة النظيفة خلال السنوات المقبلة، واستغلال الموقع الجغرافى، لاسيما المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لتكون مركزًا إقليميا للطاقة الخضراء، ورفع تنافسية قناة السويس عبر خدمات مراكز التموين لسفن الخطوط والشركات الملاحية.
واستطاعت خلال الفترة الماضية إبرام مذكرات تفاهم بقيمة 10 مليارات دولار، مع تحالفات عالمية لتنفيذ حزمة مشروعات الهيدروجين الأخضر فى منطقة السخنة باعتبارها الموقع الأفضل لهذه النوعية من المشروعات.
ووفقًا لإحصائيات نشرتها بلومبرغ، فإن مجموع مشروعات إنتاج واستخدام الهيدروجين الأخضر فى الدول العربية وصلت إلى 38 مشروعًا حتى نهاية الربع الأول من عام 2022.
وتمتلك مصر 5 مشروعات للهيدروجين الأخضر، بينما لدى الإمارات 4 مشروعات، كذلك تمتلك عُمان 5 مشروعات، فى حين لدى السعودية 3 مشروعات للهيدروجين الأخضر.
«المال» استطلعت فى تقريرها، أهم الصعوبات ومعوقات تنفيذ المشروعات المعلنة، وأسباب تركيزها فى منطقة السخنة دون غيرها، فضلًا عن العوائد المتوقع تحقيقها فى الفترة المقبلة.
فى البداية، أكد مصدر مسؤول بالهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، أن كافة مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر، سيتم إقامتها فى منطقة السخنة، نظرًا لوجود مساحة مناسبة تغطى متطلبات تلك المشاريع، إلى جانب قربها من البحر الأحمر، خاصة أن المياه مصدر رئيسى لإنتاج الهيدروجين الأخضر، فضلًا عن هناك قرب الشبكة القومية للكهرباء.
وأشار إلى أن دول العالم كسفت جهودها لتقليل تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر، لافتًا إلى أن التجارب الحالية تشير إلى أن تكلفة إنتاج كيلو الهيدروجين بأوروبا وصلت لـ12 يورو، وانخفض تدريجيًّا بعد إجراء تجارب أخرى إلى 8 يورو، ومحاولات كثيرة للوصول كيلو جرام الهيدروجين إلى 3 يورو، حتى يتم تحقيق الجدوى الاقتصادية كاملة.
وذكر أنه يستهدف أن تصل تكلفة إنتاج الكيلو جرام فى مصر إلى 2.5 يورو، خاصة أن الهيئة الاقتصادية تستهدف توطين تكنولوجيا تلك المشروعات، بالتزامن مع توجه عدد من الخطوط الملاحية تحويل سفنها للعمل بالوقود الأخضر.
وأشار إلى أن الهيئة استطاعت على مدار الفترة الماضية من توقيع عدد من الاتفاقيات مع كبرى الشركات العالمية الرائدة فى مجال الطاقة النظيفة، لإنشاء مجمعات صناعية لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
كما ضمت قائمة الشركات التى وقعت الهيئة الاقتصادية مذكرات واتفاقية مبدئية، ضمت شركات، توتال وإنارة كابيتال، وإيميا باور، وميرسك، واى دى إف، وسكاتك، ومصدر بالتعاون مع حسن علام للمرافق، ومن المتوقع أن يتم إبرام اتفاقيات ومذكرات تفاهم أخرى على هامش فى قمة المناخ COP 27 التى ستعقد فى مدينة شرم الشيخ خلال نوفمبر المقبل.
فى سياق متصل، قال أحمد طارق، مدير التسويق بالخط الملاحى اليابانى «ONE» ، إن الخطوط العالمية تتجه حاليًا لاستخدام الهيدروجين الأخضر والغاز المسال كوقود بحرى للسفن، خاصة أن التعامل حاليًّا مع الغاز الطبيعى المسال بمثابة وقود مرحلة انتقالية.
ولفت إلى أنه عام 2015 أصدر البرلمان الأوروبي بعض القواعد الجديدة لرصد ومتابعة انبعاثات ثانى أكسيد الكربون من السفن التى تأتى إلى موانئ الاتحاد، كما أن المنظمة البحرية أصدرت القرار رقم 278 لسنة 2016 لرصد ومتابعة انبعاثات ثانى أكسيد الكربون من السفن، وأقرت المنظمه بأنه سوف يتم تفعيل قراراتها بالنسبة لرصد ومتابعة الانبعاثات الكربونية من السفن حمولات 5000 فأكثر.
وإنتاج الهيدروجين الأخضر يتم عند القيام بفصل المياه عن طريق التحليل الكهربائى، والذى يستلزم تمرير تيار كهربائى خلالها، وبذلك تنفصل المياه إلى هيدروجين وأكسجين، وبعدها يتم استخراج الهيدروجين من المياه، كما ينطلق الأكسجين فى الهواء.
وقال الدكتور محمد على، المستشار الأسبق لوزير النقل، إن التقارير الدولية، تشير إلى أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ستكون عاصمة الهيدروجين الأخضر للعالم خلال الفترة القادمة، إذا تم تكثيف وتسريع خطوات الاتفاقيات التى تم إبرامها لبدء الإنتاج باعتبارها طاقة رخيصة ونظيفة.
ولفت إلى أن عدم استكمال البنية التحتية فى شرق بورسعيد، دفعت الهيئة الاقتصادية لإنشاء هذه النوعية من المشروعات بمنطقة السخنة باعتبارها الأقرب للقاهرة والأسواق أفريقيا وجنوب شرق أسيا، ونظرا لتميزها بنية تحتية قوية.
وكشف عن مجموعة من التحديات تواجه عملية إنتاج الهيدروجين واستخدامه كوقود للسفن أبرزها، احتياجه إلى محولات كهربائية وتكنولوجيا خارجية، فضلًا عن أن عمليات النقل والتخزين تتطلب ضغوطًا ودرجات حرارة عالية، واشتراطات دقيقة.
وتابع: لكى يصبح الهيدروجين قادرًا على المنافسة يجب أن ينخفض سعر الكيلوجرام الواحد إلى 2 دولار، ويمكن الوصول إلى 1 دولار كجم بحلول عام 2050، وبهذه الأسعار يمكن للهيدروجين الأخضر أن ينافس الغاز الطبيعى.
من جانبه، توقع الدكتور محمد الصياد، رئيس مجلس إدارة شركة أطلس للملاحة، زيادة الاستثمارات فى مجال الهيدروجين الأخضر فى مصر فى الفترة المقبلة، نظرا لأن السفن العابرة من المجرى الملاحى ستحتاج إلى طاقة مستمرة ونظيفة، فى ظل تزايد مطالب المنظمات الدولية لاستخدام وقود منخفض الكربون ونسبة الكبريت.
ولفت إلى أن السفن التى تزيد أعمارها عن عشرين عامًا، ستصبح ملزمة بتطبيق تعليمات المنظمات الدولية، وأمام ملاك تلك الوحدات البحرية خيارين: هما تنفيذ الشروط البيئية للطاقة المستخدمة فى التشغيل، أو بيعها، وشراء جديد وفقًا للمعايير.
أحمد سلطان: المنطقة الاقتصادية تستحوذ على نصيب الأسد من القائمة
إلى ذلك قال الدكتور أحمد سلطان، نائب رئيس لجنة الطاقة بنقابة المهندسين والمتخصص فى شؤون النفط والطاقة، إن مصر تمتلك مقومات طبيعية وإمكانيات بشرية، لافتًا إلى أن سعة مشروعات الهيدروجين الأخضر فى مصر تصل إلى حوالى 11.62جيجاواط، أى ما يُعادل أكثر من حوالى 1.57 مليون طن؛ وذلك يضع السوق المصرية فى المراتب الأولى عالميًا، بعد أستراليا وبالتوازى مع موريتانيا.
وأوضح سلطان أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، تستحوذ على أكثر من حوالى %80 من مشروعات الهيدروجين الأخضر، ووفقًا للمعلن سيتم قريبًا منح الموافقات النهائية لإقامة أول محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر من النفايات.
وأضاف سلطان أن مصر بدأت خطوات فعلية للدخول فى مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، إذ تم تشكيل لجنة وزارية للبحث فى جميع البدائل الممكنة لتوليد الهيدروجين الأخضر، والاستعانة بالتجارب الدولية فى هذا المجال لاستخدامه فى المستقبل القريب.
وأوضح أن وزارت الكهرباء والبترول والبيئة، بالاشتراك مع صندوق مصر السيادى أعدت دراسة جدوى لتدشين مشروعات الطاقة المستخلصة من الهيدروجين الأخضر باستثمارات مبدئية تصل إلى 4 مليارات دولار.
ولفت إلى أن الموانئ تُعَدّ شريكًا رئيسيًّا فى كافة العقود التى أبرمتها الدولة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، ومنها اتفاق التعاون الذى تم توقيعه فى مارس عام 2021 بين شركة أبوقير لإدارة وإنشاء الموانئ وتحالف شركات بلجيكى مع القابضة لكهرباء مصر، القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» ويستهدف تطوير مشروع متكامل لإنتاج ومعالجة وتداول وتجارة الهيدروجين الأخضر.
على صعيد متصل، قال عبدالخالق عياد، رئيس لجنة الطاقة والبيئة بمجلس الشيوخ، إن مصر تأخرت كثيرًا فى نشاط تموين السفن بالوقود عمومًا سواء النظيف أو التقليدى، مما دعا دول عديدة مجاورة فى حوض المتوسط مثل «المغرب، واليونان، وعلى البحر الأحمر» أن تصبح مراكز لتموين السفن العابرة من المجرى الملاحى، ولم تعد بحاجة للتمويل من السوق المحلية بسبب الأسعار التنافسية والتسهيلات التى تقدمها هذه الدول للنشاط.
وتابع: ميناء بورسعيد ليست مكانا استراتيجيا لرسو السفن لتلقى احتياجاتها من الوقود، كما أن أكبر معدلات لتموين السفن القادمة من أوروبا سيكون بالمغرب أو اليونان، بالنسبة للناقلات، باستثناء السفن المترددة على الموانئ المصرية، والتى يمكن إمدادها بالطاقة، لكن فى النهاية لن تتجاوز معدلاتها السنوية 800 ألف طن.