أطلقت الولايات المتحدة فى خطاب رئيسها عن «حالة الاتحاد.. 2002» مصطلح «محور الشر» على كل من إيران والعراق وكوريا الشمالية، إلا أنها عجزت لعقدين تاليين عن تطويعهم باستثناء غزوها العراق وتدمير مقدراته فى 2003 فيما عقدت لقاءات قمة من 2017 بين «ترامب- كيم» أسفرت عن تسويات ليست غير مغلقة تمامًا بينهما، أما عن إيران فقد بادرت أميركا أن وقّعت معها فى إطار المجموعة الدولية 5+ 1 الاتفاق النووى منتصف 2015، ومن ثم إلى رفع العقوبات الأميركية عنها، لكن سرعان ما أقدمت واشنطن على تجميد العمل بالاتفاق 2017؛ بهدف تركيز جهودها للتصدى مجددًا لإيران التى سبق أن بادلتها بإطلاق مصطلح «الشيطان الأكبر» على الولايات المتحدة الساعية منذ مطلع التسعينيات (عهد كلينتون) لتطبيق نظريتها عن «الاحتواء المزدوج» بغرض استقطاب كلٍّ من إيران والعراق، وتطويعهما ضمن إستراتيجيتها فى الشرق الأوسط، إلا أن طهران ظلت عصية إلى اليوم عن تطويع واشنطن، وفى معيّتها تل أبيب، وكأن ثلاثتهم أقرب إلى لعبة أشبه بتوزيع الأدوار فيما بينهم على مسرح العمليات فى الشرق الأوسط، ليتقاسموا فيما بينهم الغنيمة العربية قضمةً بعد أخرى، على غرار ما كان من سابق تحالفهم التاريخى الإستراتيجى فى مواجهة المنظومة العربية.. المراد تذويبها ضمن إطار المشروع الأميركى للشرق الأوسط الجديد «الموسع»، الأمر الذى أفصح عنه بلا مواربة الرئيس «أوباما» حين طالب العرب فى حديث صحفى مطول 2016 بـ»اقتسام النفوذ» مع إيران، ذلك قبل سنوات لأن يخلفه فى البيت الأبيض نائبه الأسبق «بايدن 2021»، المُجاهر بصهيونيته، إذ يوضح استعداد بلاده الالتقاء مع إيران فى منتصف الطريق حال أوفت مجددًا بكل التزاماتها بموجب الاتفاق النووى 2015، فيما يصرح وزير الخارجية الجديد «بلينكن» عن تغيير شامل لركائز السياسة الخارجية حيال منطقة الشرق الأوسط، تتمحور بالأساس، بحسبه، على «استئناف الحوار مع إيران والعلاقات مع إسرائيل»، مضيفًا عما سبق ما يتصل بـ«مراجعة الدعم العسكرى لدول الخليج»، الأمر الذى سرعان أن تبيّن صدقيته من خلال قرار الرئيس «بايدن» تجميد صفقات الأسلحة مع دولة الإمارات، بما فيها طائرات f35، وهى رسالة طمأنة أميركية مزدوجة لكل من إيران التى تحتل ثلاث جزر إماراتية، ولإسرائيل التى سبق أن أعربت عن صدمتها إزاء امتلاك جيش عربى (إماراتى) مثل هذه الطائرات بالغة التطور والحداثة، الأمر الذى تشير دلالاته إلى بوادر توافق للترويكا الجديدة- القديمة بين واشنطن وطهران وتل أبيب، ما يتعين معه على عرب الخليج اتخاذ جانب الحذر لعدم الاندفاع فى الهرولة نحو التطبيع مع إسرائيل.. التى يعتبر الاستعانة بها من وجهة نظر خليجية- بغرض مواجهة إيران، كأقرب إلى المستعين على الرمضاء بالنار، وبرعاية أميركية، إذ يصدق مع هذا التحول الدراماتيكى ما سبق أن جاء بمذكرات «كونداليزا رايس» نقلًا عن خافيير بيريز دى كويلار أمين عام الأمم المتحدة الأسبق، قوله عن إيران التى لا يكلّ سعيها للحصول فى نهاية المطاف على مباركة أميركية لدورها الإقليمى، (اانتهى الاقتباس)، إلا أن تباينهما- واشنطن وطهران- لا يزال يتصل بطبيعة الجدل فيما بينهما عمن يبدأ الخطوة الأولى تجاه الآخر، التى سبق لواشنطن أن خَطَتها بالفعل نحو طهران فى يوليو2015 من خلال (الاتفاق النووى- الإفراج عن الأرصدة الإيرانية المجمدة- مطالبة العرب باقتسام النفوذ مع إيران….)، ذلك قبل عودة علاقتيهما إلى المربع الأول فى عهد ترامب 2017/ 2020، إلى أن تجدَّد الجدل مع الإدارة الأميركية الجديدة حول الطرف الذى عليه اتخاذ الخطوة الأولى، بمثابة المفتاح لإدارة العلاقات الثنائية من عدمه، إذ تعلن الحكومة الإيرانية 26 يناير الماضى زيادة إنتاجها من اليورانيوم المخصب بنسبة %20، ما يمثل خطوة للضغط على الإدارة الأميركية التى ردّت على الإعلان الإيرانى.. باستعدادها العمل مجددًا بالاتفاق النووى إذا عادت إيران إلى سابق التزاماتها به، ومن ثم فسوف تسعى واشنطن- بحسبها- إلى بناء «اتفاق أطول وأقوى.. يتناول مسائل أخرى صعبة للغاية»، الأمر الذى سمّته الخارجية الإيرانية «هزيمة الضغوط القصوى التى مارستها إدارة ترامب على إيران»، ما يتعين إزاءها على واشنطن المبادرة بإزالة سابق انتهاك التزاماتها (المجمدة) بالاتفاق النووى، وكذلك بشأن إلغاء العقوبات البنكية والنفطية والتجارية»، إلا أن الأمر فى هذه الحالة قد لا يتعلق فقط بتطبيع العلاقة بين أميركا وإيران دون مشاركة ثالث أضلاع الترويكا التاريخية- إسرائيل- التى سارع رئيس أركانها بانتقاد عزم الرئيس الأميركى التفاوض مع إيران حول الاتفاق النووى، وتحسينه، غير أنه سرعان ما نُقل عن رئيس الحكومة الإسرائيلية فى قوله «إنه غير معنيٍّ لصدام فورى مع الرئيس «بايدن» حول الاتفاق النووى الإيراني»، إلا أن هذا الأمر جارٍ بحثه فى مداولات مغلقة بين المؤسستين العسكرية والدبلوماسية فى البلدين الحليفين، باستثناء مشاركة رئيس الحكومة المتقدم لدخول انتخابات قريبة ربما لا ترغب واشنطن لمساعدته فيها، ما قد يدفع إسرائيل إلى تكليف «رئيس الموساد» إبلاغ إدارة «بايدن» مطالبها (..) بخصوص احتمال عودة واشنطن للاتفاق النووى مع طهران، الأمر الذى قد يعنى بدء مشاورات معمَّقة بين واشنطن وتل أبيب بشأن مساعى إدارة «بايدن» حل المشكلة الإيرانية، ليس بعيدًا تمامًا عن مجرى التوسع الإيرانى الجارى فى العالم العربى الذى سبق له فى سبيل اتقاء مخاطر إيران أن قبِل ابتزازات إدارة ترامب له، ماليًّا وإسرائيليًّا، بلا جدوى، وليبقى السؤال مطروحًا عن مصير أولئك السائرين نيامًا بين الشيطان الأكبر ومحور الشر.
End of current post