من لا إصلاح على الإطلاق إلى إصلاحات بالكوم، من نقطة اللا خصخصة إلى مرحلة كل شيء يمكن بيعه سوف يباع، من حمائية باتت تخنقنا لمصلحة مجموعة من المنتفعين إلى توجه واضح لتحرير التجارة، وإطلاق حرية المنافسة لصالح الصانع الحقيقي، قبل أن يكون في مصلحة المستهلك.
من نقطة الصفر-بل وتحت الصفر- إلى أعلى درجة فى ترمومتر القياس، وقد نكون في حاجة الآن إلى ترمومتر جديد حديث، يستطيع مقياسه أن يذهب بنا إلى أقصى مدى.
ومن عبيد وخطاب والغمراوي ووالي.. إلى نظيف ورشيد ومحي الدين والمغربى وجو- بعد التعديل- ودرويش وطارق وزياد وسامح.. وربما هيثم وتامر أيضاً فى القريب العاجل.
فجأة اندلع الزلزال، عندما جاءت هذه الحكومة قبل عدة أسابيع، تفاءل البعض، آخرون شاب تفاؤلهم الحذر، وغالبية استمرت لحالها مكتبئة، دون أن تعير الضجة المصاحبة للقادمين الجدد أي اهتمام.
القرار الأول زاد المكتئبين اكتئاباً، وحول المتفائلين إلى الحذر، والحذرين إلى مكتئبين، وذلك بعد أن صدرت تعليمات للبنوك بطرح أوعية ادخارية جديدة بالجنيه، رفعت بها أسعار الفائدة على الودائع إلى 12%، زايدت بعض البنوك لترفعها إلى أكثر من 13%، وتساءل الكثيرون- وكان لهم كل الحق- أهكذا ستشجع الحكومة الاستثمار؟.
في الأعمال القتالية والسيمفونيات الموسيقية الكلاسيكية، تحتاج إلى حركة تمهيدية، قبل أن تبدأ مرحلة الهجوم، وهو ما يبدو أنه ينطبق أيضاً على حكومة الإصلاح، فبعد هذا القرار التمهيدي، الذى استقطب مليارات من السيولة المحلية، انهمرت فجأة ضربات الإصلاح.
ثلاثى وزراء المالية والصناعة والتجارة يعلنون معاً قرار إصلاح التعريفة الجمركية، ويتعهدون بالإصلاح الضريبى خلال أيام، تغييرات جذرية في الوجوه في مكاتب الوزراء والشركات والجهات والهيئات التابعة لهم، استحداث كيانات ولجان ومجالس، والتخلص بحسم من الكوادر والقيادات غير القادرة على مواكبة الأحداث.
تغيرت خريطة الأنباء، وصارت الوكالات والمواقع الإخبارية والصحف والمجلات، تحمل كل يوم تقريباً عنواناً على الأقل، يحمل قصة اندماج أو استحواذ أو طرح للبيع، وعرض مستمر من الارتفاعات القياسية فى البورصة.
ومن الواضح أن الزلزال لم ينته بعد، بل إنه مرشح أن يبلغ أوجه هذا الأسبوع، مع انعقاد المؤتمر السنوى للحزب الوطني، الذى ينتظر أن تعلن فيه المزيد من الإصلاحات، الأمر الجيد أن الإصلاح لم يأت عبر مجموعة من الإجراءات المنفصلة المتباعدة، و إنما تجسد في حزمة من الإجراءات واضحة الترابط، وبرتم أسرع مما توقعه الجميع.
إصلاح مباغت، لم يعط الفرصة لأحد، أن يتملص منه، أو يدور حوله، أو يحشد قواه لمقاومته، وصار لزاماً على الجميع أن يتكيفوا معه، وأن يعيدوا صياغة أفكارهم ومشروعاتهم وأسلوب حياتهم، وفقاً للمعطيات الجديدة.
تحركت المياه الراكدة، وأصبح الكل سعداء، المعارضون قبل المؤيدون، إذ كيف تواجه خصماً هلامياً غير محدد المعالم، كما كان الوضع قبل قدوم الحكومة الجديدة.
حكومات متعاقبة زايدت على الجميع في شتى الاتجاهات، فلا يستطيع خصمها أن يمسك عليها شيء، لأنها في نهاية الأمر قابعة في مكانها، فقط تخرج منها تصريحات تارة صوب اليمين، وتارة أخرى نحو اليسار، حكومات حاولت أن ترضي جميع الأذواق، فبارت بضاعتها فى كافة الأسواق.
الآن لدينا حكومة واضحة المعالم محددة الاتجاه متسقة إلى حد كبير الأقوال والأفعال.. فمرحباً أخيراً بمعركة الإصلاح.