مثلما فى مصر قوى للإطفاء فى كل المحافظات يتمتعون باحترام ومحبة كل المواطنين، هناك قوى «للتوليع » فى كل مكان، حتى لحرائق سبق إطفاؤها من عشاق مصر الحقيقيين، ولا يختلف معى أحد فى أن «خبراء إشعال الحرائق » فى كل أنحاء مصر، ومعهم هواة «إعادة الإشعال » يمثلون – بداية – مجموعة من «الكارهين لمصر، ولثورة التحرير » التى حرمتهم من مكاسبهم الحرام التى تركها لهم فساد مبارك يرتعون فيها بغير حساب باعتبارهم من الحواريين والأنصار، ومن ثم جاءت ثورة يناير رافعة شعار «ليقف كل الفساد فى مصر » ، لتقطع أمامهم الطريق الذى نهلوا من أمواله – على حساب فقر المصريين – لسنين طويلة امتلأت خلالها «كروشهم » بالمال الحرام، الذى لم يشبعوا منه أبداً !
والغريب أنه كلما أوشكت الأمور المصرية أن تنضبط، ليعود دوران عجلة الإنتاج التى هى المخرج الوحيد للأزمة المصرية الطاحنة، نفاجأ بفيلق سياسى خرج لنا من تحت الأرض، رافضًا كل خطى الإصلاح، مقدمًا للإصلاح خططًا أخرى تصب فى جيب جماعته فى نهاية المطاف، متصورًا عدم وجود فرق بين جيب الجماعة وخزانة الدولة، ذلك أن «الجيب واحد »!
وعندما تتفق عدة فيالق سياسية على توحيد صفوفها مع وحدة للأهداف والمطلوبات، بعضها مغلف بمصالح مصر، ويتم توقيع اتفاق الجهد والهدف ذلك أمام الصحفيين، نفاجأ بأحد القيادات لفصيل منهم تهدم تصريحاته كل ما اتفقوا عليه داخل القاعة التى كان هو أول الخارجين منها، وبتكرار تلك المواقف الغريبة يثار تساؤل شعبى بلا إجابة : الناس دى عايزة إيه بالظبط؟ فى بلبلة لرأى عام لا يخرج من «نقرة » إلا وينزلق إلى «دحديرة » ، وبينما يكون إخراج هذا الرأى العام من «النُقرة » بفعل فاعل شريف، فإن دفع الرأى العام نفسه إلى «الدحديرة » يكون – برضه – بفعل فاعل، ولكنه فاعل من الفلول، أو مباحث أمن الدولة السابقين والضالعين – بذقونهم الجديدة فى تنكر سلفى المشاركين – فى كل عملية تخريب لجمهود الإصلاح التى يتولاها أناس من عشاق مصر الصالحين، الذين – فى النهاية – سوف ينتصرون لتصل الفلول بعد ذلك ومعهم بقايا أمن الدولة إلى موقع إقامة يليق بهم، وبما فعلوه بمصر – والمصريين طوال حكم مبارك – وهو «حدائق طرة » الذى لا أعتقد أنهم سوف يخرجون منه لغير القبر !
وضمن «التوقح » الذى صبر عليه المجلس العسكرى طويلاً نفاجأ بأحد المرشحين السابقين لرئاسة الجمهورية، والذى سقط بجدارة فى قاع قائمة المرشحين ليفشل مع صحبته فى الوصول إلى «كرسى العرش » يرفع دعوى قضائية ضد ذلك المجلس يطالب فيها بوقف تنفيذ وإلغاء قرار تشكيل مجلس الدفاع الوطنى متهمًا المجلس العسكرى بأنه بهذا القرار قد انتهك – بشكل واضح وصريح – «النظام الديمقراطى » الذى تسير عليه البلاد، ونسى الرجل أن يقول لنا شيئًا عن ذلك «النظام الديمقراطى » ، وهل هو نظام مبارك الذى سقط، أم النظام الذى نحاول جميعًا إقامته لتسير عليه خطى مصر الجديدة، وشملت قائمة الاتهامات أن تشكيل «مجلس الدفاع الوطني » غلبت فيه العناصر العسكرية على العناصر المدنية، حيث افترض – صاحب الدعوى – ألا يضم ذلك المجلس فى عضويته غير «وزير الدفاع » ، مشيرًا إلى اتساع مهام المجلس الذى شكله العسكر التى لا تقتصر على شئون الحرب، وإنما تمتد إلى شئون السياسة الخارجية، ومعها كل ما يخص «الأمن القومى المصرى ».