أكد الرئيس التونسي قيس سعيد الأحد، أنه القائد الأعلى للقوات العسكرية وللقوات المسلحة المدنية ولكل الأجهزة الأمنية، وذلك في موقف من شأنه تعميق صراع الصلاحيات بينه وبين رئيس الحكومة هشام المشيشي، لاسيما فيما يتعلق بصلاحيات إدارة وزارة الداخلية.
صراع الرئيس التونسي مع البرلمان
وقال سعيد في كلمة ألقاها الأحد خلال حفل أقيم بقصر قرطاج الرئاسي بمناسبة الذكرى 65 لعيد قوات الأمن الداخلي بحضور هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، انه “جاء في الدستور التونسي لسنة 2014 أن رئيس الجمهورية يتولى القيادة العليا للقوات المسلحة، ثم تعلمون أن رئيس الجمهورية هو الذي يتولى التعيينات والاعفاءات في الوظائف العليا العسكرية والدبلوماسية والمتعلقة بالأمن القومي بعد استشارة رئيس الحكومة”.
وأضاف “تُضبط هذه الوظائف العليا بقانون، ولم يُفرق القانون فالقوات المسلحة هي القوات المسلحة العسكرية والقوات المسلحة الأمنية، ورئيس الدولة هو القائد الاعلى للقوات المسلحة بما في ذلك القوات المسلحة المدنية”.
وتشهد تونس منذ عدة أشهر صراعا بين الرئيس قيس سعيد، ورئيس الحكومة هشام المشيشي، حول جملة من المسائل، وخاصة منها إدارة وزارة الداخلية، ومن هو المسؤول الأول عن قواتها المسلحة من أجهزة امن وحرس وطني (الدرك).
عزل وزير الداخلية
وبدأ هذا الصراع منذ إقدام رئيس الحكومة في الرابع من يناير الماضي، على إقالة وزير الداخلية توفيق شرف الدين المحسوب سياسيا على الرئيس قيس سعيد، وتولي رئيس الحكومة إدارة هذه الوزارة بالنيابة.
ويتمسك رئيس الحكومة بصلاحيات تعيين كبار الضباط والموظفين في هذه الوزارة، وهو ما يرفضه الرئيس قيس سعيد الذي يرى أن الدستور نص على أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تشمل أيضا الوحدات الأمنية، وبالتالي هو الذي تعود إليه أحقية التعيينات والترقيات في هذه الوزارة.
وتابع الرئيس قيس سعيد في كلمته “لقد وضعوا النص الذي وضعوه في سنة 2015 والذي يتعلق بالوظائف المخولة لرئيس الجمهورية…هذا النص غير دستوري والمنطق الدستوري والترتيب التفاضلي للقانون يقتضي تغليب الدستور، حسب القانون الصادر سنة 1982”.
وأضاف “لا يذهب البعض بمن يتوهم أو يحاول الايهام بأن في هذا التأويل نزعة او حنين للماضي بل بالعكس يجب ان تكون القوات المسلحة في خدمة الشعب واسوة في تطبيق القانون على الجميع دون استثناء لا بالمال ولا بالعلاقات من الخارج ولا بالمصاهرة ولا بالنسب”.
رئيس الحكومة يعترض
وأثار هذا الموقف حفيظة رئيس الحكومة هشام المشيشي الذي لم يتردد في القول في تصريحات للصحفيين، إن تصريحات قيس سعيد بأن الدستور التونسي ينص على أن رئيس الجمهورية هو الذي يتولى القيادة العليا للقوات المسلحة دون تفريق، أي العسكرية والمدنية وكل الاسلاك التي وردت في القانون المتعلق بالقوات المسلحة المدنية الصادر سنة 1982، “خارجة عن السياق ولا موجب لها”.
وأضاف “نحن اليوم بحاجة إلى خطاب يمنح التونسيين الثقة ويجمعهم في هذا الظرف الصعب، ولا موجب اليوم للدخول في قراءات وصفها بـ “الشاذة والفردية” للنص الدستوري، وهو ما يحيلنا على أولوية قصوى وهي ارساء محكمة دستورية التي هي الهيكل الوحيد والمؤسسة الوحيدة للبت في هذه المسائل”.
وفيما تابع المشيشي قائلا ان “البلاد تعيش سياقا اقتصاديا واجتماعيا وصحيا صعبا، وتحتاج إلى خطاب يجمع التونسيين وليس لنا الوقت الآن لإضاعته في مثل هذا التحليل الدستوري”، انتقد الحبيب خضر، مقرر الدستور التونسي لسنة 2014، ما جاء على لسان الرئيس قيس سعيد من تأكيد على أنه هو الذي يتولى القيادة العليا للقوات المسلحة دون تفريق.
هجوم على الرئيس قيس سعيد
واستغرب خضر في تدوينة نشرها مساء اليوم في صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ما وصفه بـ “المنطق الغريب” الذي اعتمده الرئيس قيس سعيد من خلال الإعتماد على قانون قديم يعود لسنة 1982 كحجة في فهم الدستور، واعتبار قانون جديد صادر في العام 2015 مخالف للدستور ولا قيمة له”.
وأكد في هذا السياق، أن دستور البلاد الذي تم إعتماده في العام 2014 “يميز بين القوات المسلحة وقوات الأمن الداخلي في الفصل 17 فيكون كل سعي لاعتبار القيادة العليا للقوات المسلحة شاملة للأمن الداخلي خرقا آخر للدستور”، على حد قوله.
وبالتوازي، ذهب محمد القوماني، النائب البرلماني والقيادي بحركة النهضة، إلى القول في تدوينة نشرها مساء اليوم على ‘فيسبوك’، إن خطاب الرئيس سعيد “يكشف أكثر من أي وقت مضى شراهته لحكم فردي، وهو يضع كل ثقله من أجل تعطيل مسار المحكمة الدستورية”، على حد تعبيره.
خرق إضافي للدستور
أما رضا بالحاج المدير التنفيذي لحزب الأمل، فقد إعتبر أن ما جاء في خطاب الرئيس قيس سعيد يُعد كلاما خطيرا، وهو خرق إضافي للدستور”، لافتا في تدوينة عبر فيسبوك نشرها مساء اليوم، إلى أنه “لا يمكن لرئيس الدولة أن يخرق الدستور، وإذا أراد تغييره فيمكن له إقتراح مشروع قانون لتغييره أو تنقيحه طبقا لأحكام الفصل 62 من الدستور.. فهذا هو المنطق الدستوري ومنطق الدولة، وخلاف ذلك يُعتبر خرقا للدستور وتعطيل لمؤسسات الدولة”.
وبالتوازي، إتهم منذر الونيسي، عضو مجلس شورى حركة النهضة، الرئيس قيس سعيد بـ “مواصلة التعدي على الدستور، والإساءة إلى مؤسسات الدولة”، مُعتبرا في تدوينة فيسبوكية أن رئيس الجمهورية “يضغط بشكل غير مقبول، ويريد وضع يده على المؤسسة الأمنية والديوانية وإفتكاك صلاحيات رئيس الحكومة بشكل غير دستوري، وإهانته وإهانة رئيس البرلمان في كل محفل”.
وتعيش تونس منذ عدة أشهر على وقع أزمة سياسية حادة سببها صراع على الصلاحيات بين الرئيس قيس سعيد، ورئيس الحكومة من جهة، والرئيس قيس سعيد، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي من جهة ثانية.
يشار إلى أن هذه المادة نقلا عن وكالة شينخوا الصينية بموجب اتفاق لتبادل المحتوى مع جريدة المال.