القرارات غير التقليدية، تحتاج إلى التعامل معها بمعالجات غير تقيلدية، وإذا كنا قد انتظرنا لسنوات، كي تأتي حكومة راغبة، وقادرة على اتخاذ خطوات حقيقية اصلاحية على الطريق الصحيح، فأنه قد يكون من باب السخف، بل والعته، أن تتعامل وسائل الأعلام الرسمية مع هذه الخطوات، بنفس المنطق وذات الأسلوب، الذين دأبت على استخدامهما مع الحكومات السابقة.
تعودنا أن تأتي وزارة تلو الأخرى، دون أن نشعر بانجازاتها، سوى على صفحات الجرائد ، ترتفع الأسعار ، فيشيد الأعلام الحكومي بالاداء الحكومي.. تزداد البطالة، فتتصاعد حدة الاشادة.. يتباطئ الاقتصاد وتنخفض معدلات النمو، تنتقل الاشادة من المستوى المحلي إلى الصعيد العالمي، عبر ابتسار و فبركة تقارير المؤسسات الدولية. تخفض مؤسسات التقييم تصنيف مصر السيادي، فينتقل الحديث برمته إلى نظرية المؤامرة، أو فى أفضل الأحوال اعتبار هذه التقارير السلبية غير موضوعية، نـظراً لانها اهملت العديد من الأمور الايجابية، أو اعتمدت على أرقام قديمة، وكأن الجديدة أفضل منها!.
للأمانة تتميز الحكومة الحالية مقارنة بحكومات سابقة، بعدد من الأمور الايجابية، منها التجانس بين أعضاءها، وبصفة خاصة وزراء المجموعة الاقتصادية، كما أن سمعة الوزراء الجدد ونزاهتهم، ليست مجالا للشك، وكذلك رصيدهم الناجح، فيما كانو يقومون به من أعمال قبل توليهم مسئولية الوزراء، وما يمتلكونه من خبرات ومنهج للتفكير، يتيح لهم فيما لو أفسح أمامهم المجال، أن يحققوا إنجازات حقيقة على أرض الواقع .
كل ذلك جميل ، لولا وجود مشكلة، تتمثل فى أن تحقيق تقدم ملموس، ينعكس على حياة المواطن العادي والأقتصاد ككل ، مسألة تحتاج الكثير من الوقت، والأخطر العديد من التضحيات، أو بعبارة أخرى يرددها الجميع، ان الاصلاح له تكلفة ينبغى دفعها.
وفي هذا الاطار، أخشى أن تصر وسائل الأعلام الرسمية على الاستمرار في ممارسة أسلوبها الصحفي، «السلس الرشيق» في معالجة كافة الموضوعات، من زاوية الانجاز و التبرير والطبل والتهليل، ذلك أن الأقدام على مزاولة مثل هذه الالعاب الخطرة، التي ربما تناسب المريض في مرحلة التعافى، قد تؤدى إلى نتائج كارثية، إذا ما استخدمت وهو لا يزال على بداية طريق الشفاء، وما يزال بحاجة إلى جرعات ووصفات و تركيبات كيمائية مؤلمة، ومن المؤكد أنه مريض في ظروف كهذه، سيستثيره إلى درجة الانفجار أو الموت كمدا، أن يطالع صحيفة، فيجد من يصر ويؤكد على أنه فى أتم صحة وأفضل حال!.
قد يكون من المفيد للحكومة سياسيا، أن تؤكد أن خطواتها الإصلاحية، ومنها خفض الرسوم الجمركية، تستهدف تحقيق صالح المواطنين، وبصفة خاصة البسطاء منهم، بمنطق أن ذلك الخفض سينعكس على اسعار السلع والخدمات المقدمة لهم، كما أنه من الرائع، أن يحدثنا الوزراء عن كون فتح السوق أمام المنتجات الاجنبية، سيحسن من جودة السلع المحلية في ظل شدة التنافسية، وهو ما نسعى إليه ونتمناه جميعا.
إلا إنني لا استطيع أن أفهم أو أبرر على المستوى الصحفي، إصرار الكثيرين -ولا سيما في الاعلام الرسمي الذي يحرص دائما أن يدعي أنه غير رسمي- على إخفاء الجانب الأخر من الصورة، ويتمثل في انخفاض القدرة التنافسية للكثير من المنتجين، وبالتالي عدم استطاعتهم الصمود إلا في وجود المظلة الحمائية.
ماذا يعنى ذلك؟، أن العديد من الكيانات ستغلق أبوابها، وأن هناك من سيفقدون وظائفهم، وقد ينخفض الطلب لفترة، رغم توافر المعروض من السلع والخدمات، وذلك إلى أن تؤتى الاجراءات الاصلاحية ثمارها مع توجه الاقتصاد للتخصص فى انتاج السلع والخدمات، التى نمتلك فيها مزايا تنافسية حقيقية.
مرة أخرى أرجو إلا يستبق التهليل الاعلامي «الحكومي» -بحجة الدعم والمساندة-، ما يجرى على أرض الواقع حتى لا ينقلب التهليل إلى ما لا يحمد عقباه.
نحن لا نريد للدبة أن تقتل صاحبها، ليس لأننا نخاف أو نبالى بأمر الدبة، وإنما لأننا نعتقد أنه لو فعلت ذلك، فأن صاحبها القادم، -أى حكومة أخرى تأتى بعد ذلك- لن يكون بمقدروه التحرك قيد أنملة على طريق الاصلاح.
حازم شريف
10:00 ص, الأحد, 12 سبتمبر 04
حازم شريف
10:00 ص, الأحد, 12 سبتمبر 04
End of current post