تبقى تركيا التى تحولت من دولة «الخلافة» إلى «الجمهورية» منذ العام 1924، النموذج العلمانى- لا يزال- الذى تتطلع للاقتداء به.. العديد من الشعوب والنظم السياسية على امتداد المنطقة العربية.. من قبل أن يؤسس حزب العدالة والتنمية منذ اعتلائه الحكم فى 2002 نموذجاً آخر ما بين العلمانية والإسلام المعتدل… تجاوبت معه- لأسبابها- أوساط غربية وفى داخل الإقليم- كما عززته على المستوى المحلى والدولى سياسات مالية عامة ونقدية حصيفة.. أكدت الثقة فى الاقتصاد التركى، الأمر الذى شجع أنقرة للسعى أن تتبوأ مكانة القوة الكبرى الإقليمية لربما يؤهلها للتحول إلى «قوة عالمية» تملأ الفراغ فى الشرق الأوسط «الموسع»- لنفسها وبالنيابة عن وكلائها الدوليين- ولتتمكن حتى عامين سابقين من بسط نفوذها الدبلوماسى فى إقليم الخلافة العثمانية الآفلة- تحت مظنة أن الإمبراطوريات لا تموت ولا تنقضى، إلا أن طموحاتها طالت لأبعد من ذراعها فى وقت محدود.. لتنزلق من ثم مقارباتها الناجحة متعددة الأوجه على وقع تداعيات «الربيع العربي» منذ 2011،، وتحديداً فى سوريا وتونس ومصر، حيث شجعتها نجاحاتها السريعة أول الأمر على تقديم نفسها بوصفها «الأخ الأكبر» لحركات الإسلام السياسى على اختلاف مشاربها.. ونصيرًا للإسلام السنى فى الداخل التركى وفى الخارج، ذلك قبل أن «تتناقض سياستها الخارجية مؤخراً لجهة التحالف مع كل من روسيا وإيران، ربما على حساب السنّية العربية، وليتزامن هذا التحالف المفاجئ مع تقارب من إسرائيل، وفى التخفف من الطابع الإسلامى فى سياستها الخارجية والداخلية بسيان.. الأمر الذى تتردد أصداؤه فى أوساط ناخبى حزب «العدالة والتنمية» وناشطيه ممن لا يرحبون بطىّ التضامن الإسلامى والإرث العثمانى بضربة واحدة، بما قد يلف بالغموض دور تركيا فى المنطقة المشرّع على احتمالات عديدة، ليس أقلها مجاهرة أوساط التشدد الإسلامى بدعم «داعش»، فيما تشير الأنباء الواردة من تركيا إلى تجدد السجال بين العلمانيين والإسلاميين بشكل أقلق للمرة الأولى حكومة الحزب الحاكم، وحيث بلغت بالطرف الإسلامى حد المجاهرة بدعم عمليات يشنها تنظيميًا «داعش» و«القاعدة» فى تركيا والعالم، ما دعا الحكومة إلى اتخاذ تدابير ضد استخدام مواقع التواصل الاجتماعى العاطفة مع عمليات الإرهاب.. والتى كانت إلى وقت قريب سابق من أهم داعميها سياسياً.
إلى ذلك، تتراءى رسائل (موثقة) من تركيا إلى مصر تتضمن معلومات عن الإرهاب فى سيناء أو القادمين لها عبر المنافذ الشرعية (..)، كما تفيد التحليلات أن تركيا اليوم فى خطر.. بلا جيش (فاعل).. شاغله الهوسى ضد الحركة الانفصالية الكردية، وبلا شرطة حقيقية شاغلها الهوسى مطاردة أتباع جماعة (جولن) المتهمة بتدبير الانقلاب الفاشل يوليو الماضى، ذلك فيما يمرح الإرهابيون فى الأراضى التركية بعدما لجأوا إليها بعد هزائمهم فى سوريا والعراق.. ليفاجأوا بتغير البوصلة نحو مواجهة الإسلام الراديكالى الذى مازالت مصادر تمويله مفتوحة (..).. وترفض القبول بدفوع الحزب الحاكم عن وقوعه تحت ضغوط النفوذ الروسى المتغلغل فى الأراضى التركية.. فضلاً عن تداعيات التوتر التركى- الأوروبى.. كما بالنسبة للتقاطع التركى- الإيرانى فى العراق، ذلك فيما تتواجد قوات أجنبية، «أميركية- الناتو- أوكران- روس وأيضاً إسرائيليين،- تجعل من الجيش التركى العريق من مجرد أقلية قليلة الحيلة- ما لم يقدم على القيام بخطوة مفاجئة- يتوقعها المراقبون- تقلب الموازين رأساً على عقب، إذ دون ذلك تبقى تركيا كالبطة العرجاء.. فى خطر مقيم- تتلقى- للمفارقة- ضربات خليفة «داعش».. ضد «أحلام إحياء الخلافة العثمانية».