قال الدكتور محمود شاهين، مدير عام مركز التنبؤات والتحاليل والإنذار المبكر فى هيئة الأرصاد الجوية، إن الخريف هو فصل السيول فى مصر ومن سماته التقلبات الجوية إذ تنخفض درجات الحرارة بشكل ملحوظ وتسقط الأمطار الرعدية مما يؤدى إلى تكون السيول على سيناء وسلاسل جبال البحر الأحمر وجنوب البلاد.
وأضاف – فى حواره لـ«المال»- أن النصف الثانى من فصل الخريف تصبح فيه الظواهر الجوية أكثر عنفا، إذ تنخفض درجات الحرارة فى الساعات المتأخرة من الليل لتصل إلى 16 درجة للصغرى بعدما كانت تصل إلى 21. وطالب المواطنين بمتابعة النشرات الجوية خلال الفترة الحالية خاصة وأننا على مشارف تغيير نوعية الملابس بسبب طبيعة هذا الفصل ولدخول الشتاء.
الظواهر الجوية تصبح أكثر عنفا فى النصف الثانى من الفصل الحالى
ولفت إلى أن فصل الخريف بدأ هذا العام فى موعده الجغرافى والمناخى فى نفس اليوم، مشيرا إلى أنه من المقرر انتهاؤه يوم 20 ديسمبر المقبل.
وأشار إلى أن الظواهر الجوية الحرجة التى شهدتها مصر مؤخرا، مثلما حدث فى 11 أكتوبر 2021 من الممكن أن تتكرر خلال النصف الثانى من فصل الخريف.
وكانت مناطق متفرقة من البلاد من بينها القاهرة شهدت يوم 11 أكتوبرالحالى وحتى صباح اليوم التالى، أمطارا خفيفة مصحوبة بالرعد والبرق.
وعن توقعاته لفصل الشتاء المقبل، قال «شاهين» إنه من المتوقع أن يشهد المزيد من الانخفاض فى درجات الحرارة، وتكون للشبورة المائية الكثيفة صباحًا، مع ظهور للسحب المنخفضة والمتوسطة على أغلب المحافظات، بالإضافة إلى وجود فرص لسقوط الأمطار المتوسطة إلى الغزيرة فى بعض الحالات.
وأكد أنه حتى الآن لم ترصد هيئة الأرصاد الجوية أى حالات جوية عنيفة وفى حال وجدت يتم رصدها قبل موعد الحدوث بحوالى 10 أيام، من خلال دراسة صور الأقمار الصناعية وخرائط توزيعات الضغط إذ تتميز الأخيرة بأنها أكثر دقة فى تحديد الحالة الجوية ومدى قوتها.
وتوقع أن تتراوح معدلات درجات الحرارة خلال فصل الشتاء القادم مابين 16 إلى 18 درجة عظمى فى السواحل الشمالية، ومن 18 إلى 19 درجة فى القاهرة والوجه البحرى خلال فترات النهار.
«الصغرى» المتوقعة فى الشتاء تصل إلى 4 فى بعض المناطق
ونوه بأن درجات الحرارة تسجل تراجعا ملحوظا خلال فترات الليل فى فصل الشتاء، إذ تسجل أقل درجة حرارة متوقعة من 8 إلى 9 درجات للصغرى، بخلاف الانخفاض الجليدى فى سانت كاترين حيث تسجل درجات الحرارة من 2 إلى 3 درجات تحت الصفر وتمتد إلى وسط سيناء.
وصول الحرارة فى القاهرة إلى «صفر» غير وارد
وتابع أما الصحراء الغربية فتتراوح درجات الحرارة من 3 إلى 4 درجات للصغرى، ووادى الجمال تصل إلى 3 و4 درجات للصغرى.
ونفى أن تصل درجة الحرارة الصغرى فى القاهرة إلى الصفر خلال الشتاء القادم، مؤكدا أن أغلب ما يثار على وسائل السوشيال ميديا غير صحيح علميا، وغير وارد.
نتعرض إلى منخفضات جوية متعمقة وأمطار غزيرة
وشدد على أن البلاد لن تتعرض إلى الأعاصير حيث إنها تتمركز فقط فى المحيطات، بينما تتعرض المدن المصرية إلى كتل هوائية باردة خلال فترات متقطعة من الشتاء، وتصل تلك المنخفضات إلى البحر المتوسط كمنخفض جوى متعمق بشكل كبير.
وأضاف أن المنخفضات الجوية التى تحدث على سواحل البحر المتوسط تصبح قوية ومتعمقة بشكل كبير وتقل فيها قيمة الضغط الجوى ويتزامن معها وجود منخفض جوى فى طبقات الجو العليا، يساعد على تعمق مثل هذه المنخفضات الموجودة على البحر المتوسط مما يؤدى إلى حالة من عدم الاستقرار للطقس وتسقط أمطار غزيرة.
وأكد أن سرعة الرياح خلال فترة المنخفض الجوى تكون مرتفعة ولكنها لن تصل إلى نفس سرعة الرياح المتواجدة فى الأعاصير بالمحيطات، لافتا إلى أن ما تعرضت له البلاد من أمطار غزيرة فى مارس 2020، يسمى منخفض جوى متعمق مع فروق فى الحرارة فى طبقات الجو العليا.
ولفت إلى أن هيئة الأرصاد الجوية ومركز الاستشعار عن بعد يعتمد على الصور اللحظية القادمة من الأقمار الصناعية والتى يصل عددها إلى قمرين يوفران صورا لحظية كل 5 دقائق وأخرى كل 15 دقيقة.
وأوضح أن الأقمار الصناعية ترسل تلك الصور لرصد حالة الطقس ونوعية السحب إضافة إلى صور متخصصة عن حركة الأتربة وكثافتها ومدى ارتفاع تلك الأتربة فى طبقات الجو العليا وصورة للغلاف الجوى.
وتابع إن تلك الأقمار الصناعية توفر الدقة وتقدم الرصد الواقعى الغلاف الجوى، لافتا إلى أنها تقدم أيضا صورة خاصة بالسحب وحجم تراكمها ونوعية تلك السحب وكمية التبخر، للمساعدة فى التوقع بحجم الأمطار.
وأضاف أن تلك الأقمار الصناعية تتميز بتوفير سلسلة من صور الطقس والظواهر الجوية بشكل مدقق، تتيح لخبراء الأرصاد الجوية تعقب التغيرات المتنامية فى حالة الطقس المتقلبة والعنيفة.
وعن تداعيات التغيرات المناخية على مصر، يرى “شاهين” أن مصر تتميز بحالة من الاستقرار بسبب وجود البحرين الأحمر والمتوسط، إذ يسهم البحر الأحمر فى الحد من العواصف الترابية التى تتعرض لها شبه الجزيرة العربية وتمنع دخولها إلى مصر.
وأوضح أن البحر المتوسط يقوم بدور حائط الصد أمام الانخفاضات الكبيرة فى درجات الحرارة التى تتعرض لها دول أوروبا، وتركيا وقبرص وهو ما يمنع تعرض البلاد لها وتسهم فى امتصاص تلك الانخفاضات.
وأشار إلى أن مصر تأثرت مثلها مثل باقى دول العالم بالتغيرات المناخية ولكن تعد الأقل تأثرا خلال تلك الفترة.
وأضاف أن التغيرات المناخية تعتبر حديث العالم أجمع خلال الفترة الحالية نظراً لأن كل الدول متأثرة بشكل كبير بالتغيرات المناخية والاحتباس الحرارى بسبب الظواهر الجامحة، بما فيهم الدول الصناعية الكبرى والتى تعتبر السبب الرئيسى فى وجود ظاهرة الاحتباس الحرارى.
وتابع إن التغيرات المناخية لا تحدث إلا بسبب ظاهرة الاحتباس والتى تظهر نتيجة تكون الغازات الدفيئة فى الغلاف الجوى واستخدام دول العالم للوقود الأحفورى فى مجال الصناعة، موضحا أنه على رأس تلك الغازات غاز ثانى أكسيد الكربون وهو من العوامل الرئيسية فى ظاهرة الاحتباس.
وأكد أن الاستخدام المفرط فى الأسباب والمسببات للاحتباس يؤدى إلى انعكاس انبعاثات الحرارة لتعود إلى الأرض بدلا من خروجها، موضحا أن أشعة الشمس تسقط على الأرض لتسخينها ثم ترتد الأشعة مرة أخرى ولكنها تكون مصحوبة بالغازات، حيث تعيق الأخيرة أشعة الشمس عن الخروج خارج الغلاف الجوى وبالتالى ترتد مرة أخرى إلى سطح الأرض.
تداعيات ارتفاع الحرارة 1.5 درجة ستؤدى لارتفاع المياه بالمحيطات مترا فى 2100
وأضاف أن هذا الأمر ينتج عنه ارتفاع فى درجات الحرارة خاصة درجة حرارة المحيطات، مشيرا إلى أنه وفقا لآخر تقرير صدر عن الهيئة الحكومية المعنية بالتغيرت المناخية والتابعة للأمم المتحدة فإنه من المتوقع ارتفاع درجات الحرارة بنحو 1.5 درجة بحلول عام 2030 بدلاً من 2050 مؤكدا أن هذا الارتفاع أقلق المنظمة لما ينتج عنه من كوارث.
الصين وأمريكا والهند أبرز الدول المتسببة فى ظاهرة الاحتباس الحرارى
وأوضح “شاهين” حجم تداعيات ارتفاع درجات الحرارة 1.5 درجة عالميا على الكوكب بسبب التلوث، والتى سوف تؤدى إلى مشاكل كبيرة منها زيادة عنف الأعاصير فى المحيطات، وارتفاع المسطحات المائية فى المحيطات بمعدل متر بحلول عام 2100.
ولفت إلى أن أبرز الدول المتسببة فى ظاهر الاحتباس الحرارة هى، الصين، وأمريكا، والهند وروسيا.
وأكد أن مصطلح حالة الطقس العادية المعترف بها “حار جاف صيفا دفئ ممطر شتاء” من الممكن أن يعود مرة أخرى.
ونوه إلى أن هناك تقارير تتوقع أنه فى حال تم الاهتمام بخفض الانبعاثات والاهتمام بالمناخ والحد من الغازات الدفيئة التى تؤثر على طبقة الغلاف الجوى، من الممكن أن يعود الطقس لطبيعته فى عام 2100 وتبدأ الأجواء فى الاستقرار والعودة للطقس المعروف.
وبسؤاله عن الظواهر الجوية العنيفة التى يحتمل أن تشهدها مصر بسبب التغيرات المناخية، قال إنه أصبحنا نرى نوبات طقس جامحة خلال الفترة الأخيرة مصاحب لها ظواهر جوية حرجة وعنيفة إلى حد ما فعلى سبيل المثال، كان فصل الصيف لهذا العام مختلفا تماما عن فصول الصيف فى الأعوام الماضية.
وتابع إن معدلات درجات الحرارة فى فصل الصيف كانت لا تزيد عن 38 درجة، ولكن فصل الصيف الماضى سجلت القاهرة أكثر من 42 درجة ولأكثر من مرة كانت تصل إلى 43 درجة.
ولفت إلى أن ارتفاع نسبة الرطوبة يزيد من الإحساس بحرارة الطقس، منوها بأن نسبة الرطوبة ترتفع فى فصلى الخريف والشتاء، ولكنها تتوزع على عمود الهواء فتبدأ فى تكوين السحب الممطرة فى بعض الأوقات، بينما فى فصل الصيف تكون الرطوبة حبيسة فى طبقة قريبة جدا من سطح الأرض.
فى سياق مواز، قال «شاهين» إن العالم العربى احتفل فى سبتمبر الماضى باليوم العربى للأرصاد الجوية بعنوان «معا نواجه الطقس المتطرف» وقد تم اختيار هذا الشعار ترسيخا وتأكيدا لضرورة تعاون كل دول العالم لمواجهة التغيرات المناخية التى يشهدها ويتأثر بها العالم أجمع وما أدت إليه من نوبات طقس جامحة وظواهر جوية حرجة.
وتابع إن تلك الخطوة تأتى كبداية على تواجد الدول العربية على مسار الدول المتقدمة للحد والتكيف مع آثار التغيرات المناخية وخفض معدلات التلوث والانبعثات، ومواكبة العالم للشعور بأهمية البيئة والحفاظ عليها لاستمرار الحياة على الكوكب.
وأكد أن دخول مصر الحزام المدارى غير مؤثر فى الشتاء وإنما يرتفع فى فصل الصيف، ويعرف الحزام المدارى بأنه خط وهمى متعرج ينشأ بالقرب من خط الاستواء، ويكون موازيا له، ويتقدم شمال خط الاستواء فى فترة الصيف بسبب حركة الشمس، يساهم فى ارتفاع درجات الحرارة.
وأوضح أن تأثير الحزام المدارى يتمثل فى تساقط أمطار غزيرة على جنوب البلاد وترتفع معه كميات من السحب على مناطق من أقصى الجنوب وسلاسل البحر الأحمر تصل إلى حد السيول، مشيرا إلى أنه يكون فى مرحلة تذبذب خلال فصل الخريف وهو الأمر الذى يؤدى إلى حالة من عدم استقرار الطقس.
وأشار إلى أن ذلك يحدث بسبب انفصال المنخفض الهندى والمنخفض السودانى والذى استمر خلال فصل الصيف، لافتا إلى أن تلك المنخفضات لن ترى لها تأثير خلال فصل الشتاء مع تعرض البلاد إلى منخفضات جوية باردة قادمة من الغرب إلى الشرق.
وأضاف أن الكتل الهوائية الباردة تزيد فى فصل الشتاء مقارنة مع فصل الخريف، خاصة النصف الأول من الخريف، وتتكون مع تلك المنخفضات حالة من عدم الاستقرار لحالة الطقس.
وعن الفترة الزمنية للتنبؤ الجوى، قال إن التغيرات المناخية أدت إلى عدم القدرة على التنبؤ بالفصول قبل موعدها بفترة زمنية كبيرة، مشيرا إلى أنه كلما زادت فترة التنبؤ كلما قلت مصداقيتها.
وأضاف أن التنبؤ بحالة الطقس لمدة شهر على سبيل المثال لا تتجاوز دقتها نسبة الـ %40 وبالتالى التنبؤات الفصلية يتم التعرف على ملامحها قبل موعد دخول الفصل بحوالى من 15 إلى 20 يوما.
فى سياق متصل، قال إن هناك لجنة حاليا مكونة من علماء وخبراء الأرصاد الجوية وجامعة القاهرة لدراسة تأثير التغيرات المناخية على مصر بهدف تغيير وصف طقس مصر فى المناهج التعليمية.