سيد بدر- فاطمة إمام
شهدت السنوات الماضية أزمات اقتصادية متتالية، إلا أن من بين المؤشرات التى سارت عكس الاتجاه وارتفعت بشكل كبير، لترتفع من %10 خلال عام 2011 وفقًا لمؤشر «جلوبال فيندكس» الصادر عن البنك الدولى، إلى %33 خلال عام 2017، وذلك بدعم المبادرات التى أطلقها البنك المركزى وأسهمت فى زيادة عدد الحسابات البنكية بالقطاع المصرفى.
ورغم أن بيانات البنك الدولى، تشير إلى وجود فجوة ظاهرة بين الحسابات البنكية للنساء والرجال بنسبة %12، وكذلك بين الأغنياء والفقراء بنسبة %21، فإن التقرير يشيد بميكنة المدفوعات الحكومية وأصحاب المعاشات فى مصر، موضحًا أن %14 من أصحاب المعاشات فى مصر فتحوا حسابات لأول مرة للدخول ضمن المنظومة، كما أن ميكنة حسابات القطاع الخاص قلل من عدد البالغين غير المشمولين ماليًا بنحو الخمس.
الفجوة بين حسابات النساء والرجال %12 وبين الأغنياء والفقراء %21
وكشفت دراسة لاتحاد المصارف العربية أن البنك المركزى المصرى أطلق العديد من المبادرات التى حققت الشمول المالى وزادت من نسبة العملاء ضمن النظام الرسمى فى مصر، وعلى رأسها مبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وكذلك مبادرة التمويل العقارى، وتعليمات فتح الفروع الصغيرة فى المناطق النائية، وقواعد تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول والخدمات البنكية الإلكترونية (الموبايل والإنترنت)، بالإضافة إلى جهود التثقيف المالى التى يقوم بها المعهد المصرفى.
وقال مصرفيون إن الشمول المالى حقق نتائج قوية خلال السنوات الماضية بسبب المبادرات التى أطلقها البنك المركزى وجذبت مئات الآلاف من العملاء الجدد، مؤكدين أن الفترة الحالية تشهد انطلاقة جديدة للشمول المالى تتمثل فى الاهتمام بالخدمات المصرفية الإلكترونية وأدوات التكنولوجيا المالية التى تصل بشكل أسرع وفاعلية أكبر للعملاء.
وأوضحوا أن من أهم هذه الأدوات الخدمات المصرفية بالوكالة التى حصلت شركة «فورى بلس» على أول رخصة لها وهى الشركة التى أسسها بنك مصر والتجارى الدولى وشركة «فورى» للمدفوعات الإلكترونية ومساهمون آخرون، وتوفر فروعا صغيرة تقوم بالنيابة عن البنوك فى تقديم عدد من الخدمات المصرفية لتخفيف الضغط عن فروع البنوك.
وتنبع أهمية الخدمات المصرفية بالوكالة من قدرة هذه الشركات على الانتشار فى المناطق النائية وغير المخدومة ماليًا حيث نشرت شركة «فورى بلس» أكثر من 60 منفذا فى نحو عام، وهو أكبر بكثير من عدد فروع عدد لا بأس به من البنوك، وذلك على عكس الجهود الضخمة التى تقوم بها البنوك لافتتاح فروع جديدة ومتطلبات رأس المال المفروضة عليهم من قبل البنك المركزى.
جدير بالذكر أن «المركزى» كان قد أطلق تعليمات للبنوك لإصدار فروع صغيرة معفية من متطلبات رأس المال فى الربع الأخير من عام 2014، لكن منذ هذه الفترة حتى مارس الماضى لم يضف 38 بنكًا على مستوى القطاع المصرفى سوى 527 فرعًا فقط بمتوسط 13 فرعا لكل بنك، بينما ارتفعت الكثافة المصرفية لتسجل فرعا واحدا لكل 23.3 ألف نسمة مقابل 23.1 ألف نسمة، بسبب الزيادة السكانية المتسارعة.
وكشف مسئول رفيع المستوى لـ «المال» عن أن الخدمات المصرفية المقدمة عبر الوكالات المصرفية فى الوقت الحالى تقتصر على فتح حسابات محفظة الهاتف المحمول، وشحن البطاقات المدفوعة مقدمًا، لافتًا إلى أن الفترة المقبلة ستشهد دخول خدمات جديدة لكنها لاتزال تحت الدراسة من قبل «المركزي».
وأضاف أن هناك شركات جديدة تقدمت للبنك المركزى للحصول على رخصة للخدمات المصرفية بالوكالة بخلاف شركة «فورى بلس» ويعمل «المركزى» على دراستها لإتاحة الفرصة للمزيد من اللاعبين فى السوق.
وقال محمد عكاشة، الرئيس التنفيذى لشركة «فورى» لخدمات الدفع الإلكترونى، إن زيادة نسبة الشمول المالى وارتفاعها لأكثر من %30 غير معبرة لأنه ليس كل من ينضم إلى القطاع المصرفى يكون عميلا نشطا، موضحًا أنه فى دول أخرى يتم تصنيف العملاء حسب درجة استخدامهم للخدمات المصرفية.
وأشار إلى ضرورة زيادة اتجاه البنوك نحو تقديم الخدمات والمنتجات داخل القطاع المصرفى بطريقة إلكترونية وتطوير البنية التكنولوجية، ومنها كود الاستجابة السريع «QR Code»، والذى من شأنه تعويض النقص فى ماكينات الصراف الآلى، لكن لا يغنى ذلك عن ضرورة تعزيز نشر الأخيرة بما يخدم حاملى البطاقات البنكية ويمكنهم من تنفيذ مدفوعاتهم، مشددًا على أن تحقيق ذلك يحول العملاء الذين لديهم حسابات داخل القطاع المصرفى إلى عملاء نشطين.
وأكد أن البنوك قادرة على استيعاب ملايين العملاء داخل القطاع المصرفى ولكن من خلال الخدمات المصرفية المعتمدة على التكنولوجيا مثل مثل «الموبايل بانكنج»، وكود الاستجابة السريع، و«الإنترنت بانكنج»، ومحفظة التيلفون المحمول.
وشدد على أن خدمات الوكالة المصرفية ستقوم بدور مهم فى تقديم كل الخدمات المصرفية بديلا عن القطاع المصرفى، من خلال تقديم منتجات مصرفية مثل فتح حساب المحفظة الذكية، والتسجيل فى محفظة الهاتف المحمول، مضيفا أن سعى «المركزى» لوضع خطط تهدف إلى تعزيز قاعدة الشمول المالى والتعامل بالطرق التكنولوجية الحديثة مثل «الموبايل بانكنج»، والتحول إلى المجتمع اللانقدى، وزيادة الحسابات داخل القطاع المصرفى، وقانون الدفع اللانقدى، أزالت العديد من المعوقات التى كانت تحول دون زيادة نسبة الشمول المالى.
وليد ناجى: إقرار الـ «E-KYC» وإتاحة فتح الحسابات يعظم دور الوكالات المصرفية فى دعمه
فى السياق ذاته، قال وليد ناجى، الخبير المصرفى ورئيس قطاع التجزئة المصرفية بأحد البنوك، إن الوكالات المصرفية تجربة وليدة لا يمكن الحكم عليها فى الوقت الحالى، لكنها بلا شك ستكون أحد الأدوات المهمة التى يلجأ إليها البنوك لزيادة نسبة الشمول المالى.
وأشار إلى أن الخدمات المتاحة فى الفترة الحالية بالوكالات المصرفية، لا يمكن القياس عليها، ولكن مع دخول خدمات جديدة وإتاحة إمكانية فتح الحسابات وتوفير العديد من الخدمات البنكية بالوكالات المصرفية سيكون هذا هو الاختبار الحقيقى لزيادة الاعتماد على هذه الخدمات.
وشدد على ضرورة إقرار آلية التعرف الإلكترونى على العميل حتى تتمكن الوكالات المصرفية من فتح حسابات مصرفية.
عمرو طنطاوى: يحقق الاستقرار الاقتصادى.. والوكالات أداة مهمة لتحقيقه
من ناحيته، قال عمرو طنطاوى، الخبير المصرفى والعضو المنتدب لبنك مصر إيران سابقا، إن اهتمام البنك المركزى بتعميم وتعزيز قاعدة الشمول المالى والمساعدة فى تطوير البنية التكنولوجية لدى القطاع المصرفى والمؤسسات الحكومية، بالإضافة إلى توسيع قاعدة التعامل على الخدمات المصرفية والإلكترونية، ونشر الوعى المالى لدى العملاء داخل الجهاز المصرفى، أدى إلى زيادة نسبة الشمول المالى خلال فترة زمنية قصيرة.
وأضاف أن زيادة نسبة الشمول المالى تحقق الاستقرار المالى والنمو الاقتصادى، فعلى سبيل المثال عند توفير وإتاحة تمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة يعمل ذلك على دعم النمو الاقتصادى، كما يؤثر الشمول المالى على الجانب الاجتماعى من حيث زيادة مستوى معيشة الفقراء ومحدودى الدخل.
وأوضح أن من أهم عوامل زيادة نسبة الشمول المالى تشجيع المنافسة داخل القطاع المصرفى فى تقديم المنتجات الجديدة وتبسيط الإجراءات داخل الفروع وسهولة التعامل وسرعة الخدمات المصرفية عن بعد، وهو ما يسهم فى توسيع قاعدة العملاء ونشر الوعى المصرفى لدى المواطنين، بالإضافة إلى ابتكار منتجات مالية جديدة تعزز فكر الادخار والتأمين ووسائل الدفع، وليس فقط الإقراض والتمويل، مع توفير التدريب للعاملين فى هذا المجال، والتشجيع على المنافسة بين البنوك عن طريق توفير المزيد من الخيارات للعملاء، وتعزيز التنافسية بين البنوك للحفاظ على الخدمات بجودة عالية وبتكاليف معقولة.
وأشار إلى ضرورة تخفيض الرسوم والعمولات غير المبررة المفروضة على العملاء وكذا الخدمات المالية غير المناسبة، لافتًا إلى أن إطلاق البنك المركزى مبادرات التمويل العقارى وشهادات قناة السويس والمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر أدى إلى اجتذاب المزيد من العملاء الجدد، وتعزيز نسبة الشمول المالى.
وفيما يتعلق بالخدمات المصرفية بالوكالة، ذكر «طنطاوى» أنها تقوم بدور مهم فى تقديم بعض الخدمات وزيادة نسبة الشمول المالى، من خلال وضع قواعد وتشريعات هدفها تيسير إجراءات المعاملات المصرفية بكل أشكالها، والموافقة على إتاحة خدمات مالية مبسطة مثل استخدام الهاتف المحمول فى عمليات الدفع الإلكترونية والعمليات المالية الأخرى، علاوة على إبراز أهمية دور الاستعلام الائتمانى وتطوير نظم الدفع.
مسئول ببنك أجنبى: فروع البنوك لن تستطيع تقديم الخدمات لأكثر من 50 مليون مواطن
وأكد مسئول بقطاع التجزئة بأحد البنوك الدولية العاملة فى مصر، أن الخدمات المصرفية بالوكالة ستحقق طفرة على مستوى الوصول لقطاع كبير من العملاء وزيادة نسبة الشمول المالى، لا سيما وأن هناك أكثر من 50 مليون مواطن فى مصر لديهم القدرة على التعامل مع البنوك، وبالتالى فإن فروع البنوك فى الوقت الحالى لن تستطيع استيعاب كل هذه الأعداد.
وأشار إلى أن جهود الشمول المالى فى أى دولة يصحبها توفير العديد من البدائل للبنوك لجذب مزيد من العملاء، فعلى سبيل المثال الخدمات الإلكترونية مثل «الموبايل» و«الإنترنت البنكى» والفروع الإلكترونية، بجانب الوكالات المصرفية التى أثبتت نجاحها فى العديد من دول العالم، موضحًا أن شركات المحمول أثبتت نجاحها على مستوى الخدمات المصرفية بتطبيق خدمة تحويل الأموال من خلال المحمول، وهو ما يعكس فرص النجاح الكبيرة المتاحة للخدمات المصرفية بالوكالة.
وكشفت بيانات البنك الدولى عن أن %52 من إجمالى الرجال البالغين بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مشمولين ماليًا، بينما لاتزال النسبة بين النساء عند %35، لتشكل الفجوة بين الجنسين الأكبر على مستوى المناطق فى العالم، موضحًا أنه بين غير المشمولين ماليًا ينتشر استخدام الموبايل بشكل كبير ليشكل %86 على مستوى الرجال و%75 على مستوى السيدات وبالتالى فإنها تعتبر فرصة لزيادة نسبة الشمول المالى.
ولفت التقرير إلى أن نحو 20 مليونا من البالغين غير البنكيين يتلقون ويرسلون تحويلات مالية بشكل نقدى أو طريقة أخرى بخلاف البنوك، منهم نحو 7 ملايين فى مصر.