الحكومة‭ ‬والحزب‭ ‬والمحافظ‭.. ‬والاستقرار‭!‬

الحكومة‭ ‬والحزب‭ ‬والمحافظ‭.. ‬والاستقرار‭!‬
حازم شريف

حازم شريف

1:08 م, الأحد, 8 فبراير 04

‭‬فى‭ ‬السابع‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬الماضي،‭ ‬وقف‭ ‬الدكتور‭ ‬عاطف‭ ‬عبيد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬أمام‭ ‬حشد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المستثمرين‭ ‬وممثلى‭ ‬الشركات‭ ‬العالمية‭ ‬العاملة‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬فى‭ ‬افتتاح‭ ‬أعمال‭ ‬الدائرة‭ ‬المستديرة،‭ ‬التى‭ ‬نظمتها‭ ‬مؤسسة‭ ‬الايكونوميست‭ ‬كونفرنسز‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬ليعلن‭ ‬بوضوح‭ ‬عن‭ ‬اعتزام‭ ‬البنك‭ ‬المركزي،‭ ‬البدء‭ ‬فى‭ ‬تطبيق‭ ‬آلية‭ ‬الانتربنك‭ ‬الدولارى‭ ‬بعد‭ ‬أسبوعين،‭ ‬وذلك‭ ‬كخطوة‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬بلوغ‭ ‬هدف‭ ‬استقرار‭ ‬سعر‭ ‬الصرف‭.‬
فى‭ ‬الجلسة‭ ‬الصباحية‭ ‬لليوم‭ ‬التالى،‭ ‬كان‭ ‬الحاضرون‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬الدكتور‭ ‬محمود‭ ‬محيى‭ ‬الدين‭ ‬رئيس‭ ‬اللجنة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للحزب‭ ‬الوطني،‭ ‬الذى‭ ‬أعرب‭ ‬عن‭ ‬اعتقاده‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬الانتربنك‭ ‬الدولاري،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬فى‭ ‬حاجة‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬الوقت،‭ ‬كى‭ ‬يتسنى‭ ‬تطبيقه‭ ‬بنجاح‭.‬
بعدها‭ ‬بدقائق‭ ‬خرج‭ ‬الدكتور‭ ‬فاروق‭ ‬العقدة‭ ‬محافظ‭ ‬البنك‭ ‬المركزي،‭ ‬ليدلى‭ ‬بتصريح‭ ‬حول‭ ‬نفس‭ ‬الموضوع،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬ألان‭ ‬جرينسبان‭ ‬محافظ‭ ‬البنك‭ ‬الفيدرالى‭ ‬الأمريكى‭- ‬وليس‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬المصرية‭ ‬‮«‬الهلهلية‮»‬‭ ‬المنبسطة‭ ‬المعتادة‭- ‬قال‭ ‬فيه‭: ‬سنطبق‭ ‬الانتربنك‭ ‬الدولاري‭ ‬عندما‭ ‬نكون‭ ‬مستعدين‭ ‬لتطبيقه‭.‬
وهكذا‭ ‬وضح‭ ‬للمدعوين‭ ‬أن‭ ‬صفة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار،‭ ‬لا‭ ‬يصح‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬يوصف‭ ‬بها‭ ‬سعر‭ ‬صرف‭ ‬الدولار‭ ‬اللعين‭ ‬المراوغ‭ ‬أمام‭ ‬الجنيه‭ ‬وإنما‭ ‬أيضاً‭ ‬الرؤية‭ ‬المشتركة‭- ‬أو‭ ‬التى‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كذلك‭- ‬لأضلاع‭ ‬المثلث‭ ‬الثلاثة‭ ‬المسئولين‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقرار،‭ ‬وهم‭ ‬الحكومة‭ ‬والحزب‭ ‬ومحافظ‭ ‬البنك‭ ‬المركزى‭.‬
والطريف‭ ‬أن‭ ‬محافظ‭ ‬البنك‭ ‬المركزى‭ ‬نفسه‭ ‬كان‭ ‬متأرجحا‭- ‬غير‭ ‬مستقر‭- ‬بشأن‭ ‬حضوره‭ ‬المائدة‭ ‬المستديرة‭ ‬من‭ ‬عدمه،‭ ‬فقبل‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬بدئها،‭ ‬تضمنت‭ ‬أجندة‭ ‬الأعمال‭ ‬اسم‭ ‬المحافظ‭ ‬كمتحدث‭ ‬رئيسى‭ ‬فى‭ ‬الجلسة‭ ‬الخاصة‭ ‬بالسياسات‭ ‬النقدية،‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬لبث‭ ‬أن‭ ‬اعتذر‭ ‬عن‭ ‬الحضور،‭ ‬فحل‭ ‬محله‭ ‬نائبه‭ ‬الدكتورر‭ ‬طارق‭ ‬عامر‭ ‬فى‭ ‬الأجندة‭ ‬المعدلة،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬فقرر‭ ‬الحضور‭ ‬قبل‭ ‬يوم‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬انطلاق‭ ‬الفعاليات،‭ ‬فسارع‭ ‬المنظمون‭ ‬بإبلاغ‭ ‬المشاركين‭ ‬عبر‭ ‬البريد‭ ‬الإليكتروني،‭ ‬ليفاجئ‭ ‬هؤلاء‭ ‬بمن‭ ‬يخبرهم‭ ‬عقب‭ ‬الجلسة‭ ‬الافتتاحية‭ ‬باعتذاره‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وأخيرا‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬فقدوا‭ ‬الأمل،‭ ‬إذا‭ ‬بهم‭ ‬يجدونه‭- ‬مضطراً‭ ‬فيما‭ ‬يبدو‭- ‬أمامهم‭ ‬على‭ ‬المنصة‭ ‬فى‭ ‬الموعد‭ ‬المحدد‭ ‬فى‭ ‬الأجندة‭ ‬الأولية‭!‬
ويقتضى‭ ‬الانصاف‭ ‬الاعتراف،‭ ‬بأن‭ ‬الوحيد‭ ‬الذى‭ ‬نجا‭ ‬من‭ ‬السقوط‭ ‬فى‭ ‬حفرة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار،‭ ‬هو‭ ‬الدكتور‭ ‬يوسف‭ ‬بطرس‭ ‬غالى‭ ‬وزير‭ ‬التجارة‭ ‬الخارجية،‭ ‬إذ‭ ‬أنه‭ ‬بادر‭ ‬بالاعتذار،‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬تضمنت‭ ‬أجندة‭ ‬الأعمال‭ ‬اسمه‭ ‬كمحاضر‭ ‬رئيسى‭ ‬فى‭ ‬جلسة‭ ‬دفع‭ ‬عجلة‭ ‬التجارة‭ ‬والاستثمار،‭ ‬وبالفعل‭ ‬لم‭ ‬يحضر،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يشفع‭ ‬له‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬الخبثاء،‭ ‬الذين‭ ‬اعتبروا‭ ‬مسلكه‭ ‬هذا،‭ ‬يمثل‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار،‭ ‬قياساً‭ ‬على‭ ‬سوابقه‭ ‬فى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المناسبات،‭ ‬وهو‭ ‬الذى‭ ‬تعود‭ ‬دائماً‭ ‬أن‭ ‬يؤكد‭ ‬مجيئه‭ ‬لينتظره‭ ‬الجميع،‭ ‬ولا‭ ‬يحضر‭ ‬فى‭ ‬موعده‭ ‬أبداً،‭ ‬قد‭ ‬يتأخر‭ ‬ربع‭ ‬أو‭ ‬نصف‭ ‬ساعة،‭ ‬أو‭ ‬ساعة‭ ‬كاملة،‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يأتى‭ ‬على‭ ‬الاطلاق،‭ ‬وفى‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال‭ ‬لا‭ ‬يكلف‭ ‬نفسه‭ ‬عناء‭ ‬الاعتذار‭.‬
والواقع‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أسعده‭ ‬الحظ‭- ‬أو‭ ‬أتعسه‭ ‬حسبما‭ ‬ترى‭- ‬بحضور‭ ‬فاعليات‭ ‬المائدة‭ ‬المستديرة،‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬أن‭ ‬يمنع‭ ‬شعوراً‭ ‬جارفاً‭ ‬بعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬من‭ ‬التسلل‭ ‬إلى‭ ‬داخله،‭ ‬وبصفة‭ ‬خاصة‭ ‬تجاه‭ ‬مسألة‭ ‬‮«‬استقرار‮»‬‭ ‬سعر‭ ‬الصرف‭.‬
فعلاوة‭ ‬على‭ ‬فشل‭ ‬ممثلى‭ ‬الحكومة‭ ‬والحزب‭ ‬والبنك‭ ‬المركزى‭ ‬فى‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬موعد‭ ‬واقعى‭ ‬لإطلاق‭ ‬آلية‭ ‬الانتربنك‭ ‬الدولارى،‭ ‬وهى‭ ‬مجرد‭ ‬خطوة‭ ‬ضرورية،‭ ‬وليست‭ ‬كافية،‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬فى‭ ‬سعر‭ ‬الصرف،‭ ‬فإنه‭ ‬قد‭ ‬غاب‭ ‬أيضاً‭ ‬تقديم‭ ‬تصورات‭ ‬واضحة‭ ‬بشأن‭ ‬باقى‭ ‬الخطوات‭ ‬والسياسات‭ ‬والآليات‭ ‬والأدوات‭ ‬اللازمة،‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف،‭ ‬مثل‭ ‬خلق‭ ‬سوق‭ ‬للتعاملات‭ ‬الأجلة،‭ ‬والإجراءات‭ ‬الخاصة‭ ‬بمنع‭ ‬تسرب‭ ‬الموارد‭ ‬الدولارية‭ ‬إلى‭ ‬السوق‭ ‬الموازية،‭ ‬واستخدام‭ ‬أدوات‭ ‬السياسة‭ ‬النقدية‭ ‬وفى‭ ‬مقدمتها‭ ‬سعر‭ ‬الفائدة‭ ‬وعمليات‭ ‬السوق‭ ‬المفتوح‭ ‬لتحجيم‭ ‬الدولرة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬وضوح‭ ‬الرؤية،‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بموعد‭ ‬البدء‭ ‬فى‭ ‬تنفيذ‭ ‬سياسة‭ ‬نقدية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬استهداف‭ ‬التضخم‭- ‬كما‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الحزب‭ ‬والحكومة‭- ‬تمثل‭ ‬الاطار‭ ‬الحاكم‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭.‬
ومن‭ ‬هنا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬غريباً،‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬بعض‭ ‬ممثلى‭ ‬الشركات‭ ‬العالمية‭ ‬العاملة‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬يتهامسون‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬الأمور،‭ ‬التى‭ ‬نخشى‭ ‬ان‭ ‬ذكرناها‭ ‬صراحة‭ ‬أن‭ ‬نتهم‭ ‬بإشاعة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار،‭ ‬ولذلك‭ ‬نكتفى‭ ‬بذكر‭ ‬واحدة‭ ‬منها،‭ ‬نضعها‭ ‬فى‭ ‬صيغة‭ ‬فزورة‭ ‬لا‭ ‬يحلها‭ ‬سوى‭ ‬المتخصصين‭ ‬تقول‭: ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬معدل‭ ‬التخضم‭ ‬المتوقع‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬حوالى‭ %‬12‭ ‬وفى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية من 1 إلى 2%، فماذا تتوقع أن يكون الحال في سوق الاستقرار-عفوا سوق الصرف-، ‬مع‭ ‬مطلع‭ ‬العام‭ ‬القادم؟
وبعيداً‭ ‬عن‭ ‬الفازورة‭ ‬السابقة،‭ ‬فإن‭ ‬بعض‭ ‬الإجابات‭ ‬المحددة‭ ‬المتفق‭ ‬عليها،‭ ‬لاسئلة‭ ‬صغيرة‭ ‬جزئية،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬كافية‭ ‬لتهدئة‭ ‬مخاوف‭ ‬بعض‭ ‬المستثمرين‭.‬‭. ‬لعل‭ ‬فى‭ ‬مقدمتها‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬لنا‭ ‬الحكومة‭ ‬والحزب‭ ‬والمحافظ‭ ‬فى‭ ‬كلمة‭ ‬رجل‭ ‬واحد‭: ‬متى‭ ‬يبدأ‭ ‬تطبيق‭ ‬آلية‭ ‬الانتربانك‭ ‬الدولاري؟