فى السابع والعشرين من يناير الماضي، وقف الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء، أمام حشد كبير من المستثمرين وممثلى الشركات العالمية العاملة فى مصر، فى افتتاح أعمال الدائرة المستديرة، التى نظمتها مؤسسة الايكونوميست كونفرنسز بالقاهرة، ليعلن بوضوح عن اعتزام البنك المركزي، البدء فى تطبيق آلية الانتربنك الدولارى بعد أسبوعين، وذلك كخطوة على طريق بلوغ هدف استقرار سعر الصرف.
فى الجلسة الصباحية لليوم التالى، كان الحاضرون على موعد مع الدكتور محمود محيى الدين رئيس اللجنة الاقتصادية للحزب الوطني، الذى أعرب عن اعتقاده فى أن الانتربنك الدولاري، لا يزال فى حاجة للمزيد من الوقت، كى يتسنى تطبيقه بنجاح.
بعدها بدقائق خرج الدكتور فاروق العقدة محافظ البنك المركزي، ليدلى بتصريح حول نفس الموضوع، ولكن هذه المرة على طريق ألان جرينسبان محافظ البنك الفيدرالى الأمريكى- وليس على الطريقة المصرية «الهلهلية» المنبسطة المعتادة- قال فيه: سنطبق الانتربنك الدولاري عندما نكون مستعدين لتطبيقه.
وهكذا وضح للمدعوين أن صفة عدم الاستقرار، لا يصح فقط أن يوصف بها سعر صرف الدولار اللعين المراوغ أمام الجنيه وإنما أيضاً الرؤية المشتركة- أو التى يجب أن تكون كذلك- لأضلاع المثلث الثلاثة المسئولين عن تحقيق الاستقرار، وهم الحكومة والحزب ومحافظ البنك المركزى.
والطريف أن محافظ البنك المركزى نفسه كان متأرجحا- غير مستقر- بشأن حضوره المائدة المستديرة من عدمه، فقبل أيام من بدئها، تضمنت أجندة الأعمال اسم المحافظ كمتحدث رئيسى فى الجلسة الخاصة بالسياسات النقدية، ثم ما لبث أن اعتذر عن الحضور، فحل محله نائبه الدكتورر طارق عامر فى الأجندة المعدلة، ثم عاد فقرر الحضور قبل يوم واحد فقط من انطلاق الفعاليات، فسارع المنظمون بإبلاغ المشاركين عبر البريد الإليكتروني، ليفاجئ هؤلاء بمن يخبرهم عقب الجلسة الافتتاحية باعتذاره مرة أخرى، وأخيرا وبعد أن فقدوا الأمل، إذا بهم يجدونه- مضطراً فيما يبدو- أمامهم على المنصة فى الموعد المحدد فى الأجندة الأولية!
ويقتضى الانصاف الاعتراف، بأن الوحيد الذى نجا من السقوط فى حفرة عدم الاستقرار، هو الدكتور يوسف بطرس غالى وزير التجارة الخارجية، إذ أنه بادر بالاعتذار، بمجرد أن تضمنت أجندة الأعمال اسمه كمحاضر رئيسى فى جلسة دفع عجلة التجارة والاستثمار، وبالفعل لم يحضر، إلا أن ذلك لم يشفع له لدى بعض الخبثاء، الذين اعتبروا مسلكه هذا، يمثل نوعاً من عدم الاستقرار، قياساً على سوابقه فى مثل هذه المناسبات، وهو الذى تعود دائماً أن يؤكد مجيئه لينتظره الجميع، ولا يحضر فى موعده أبداً، قد يتأخر ربع أو نصف ساعة، أو ساعة كاملة، أو لا يأتى على الاطلاق، وفى جميع الأحوال لا يكلف نفسه عناء الاعتذار.
والواقع أن من أسعده الحظ- أو أتعسه حسبما ترى- بحضور فاعليات المائدة المستديرة، لا يملك أن يمنع شعوراً جارفاً بعدم الاستقرار من التسلل إلى داخله، وبصفة خاصة تجاه مسألة «استقرار» سعر الصرف.
فعلاوة على فشل ممثلى الحكومة والحزب والبنك المركزى فى الاتفاق على تحديد موعد واقعى لإطلاق آلية الانتربنك الدولارى، وهى مجرد خطوة ضرورية، وليست كافية، لتحقيق الاستقرار فى سعر الصرف، فإنه قد غاب أيضاً تقديم تصورات واضحة بشأن باقى الخطوات والسياسات والآليات والأدوات اللازمة، لتحقيق هذا الهدف، مثل خلق سوق للتعاملات الأجلة، والإجراءات الخاصة بمنع تسرب الموارد الدولارية إلى السوق الموازية، واستخدام أدوات السياسة النقدية وفى مقدمتها سعر الفائدة وعمليات السوق المفتوح لتحجيم الدولرة، ناهيك عن عدم وضوح الرؤية، فيما يتعلق بموعد البدء فى تنفيذ سياسة نقدية قائمة على استهداف التضخم- كما أعلن عن ذلك أكثر من مرة من جانب الحزب والحكومة- تمثل الاطار الحاكم لكل ما سبق.
ومن هنا لم يكن غريباً، أن نجد بعض ممثلى الشركات العالمية العاملة فى مصر، يتهامسون فيما بينهم فى بعض الأمور، التى نخشى ان ذكرناها صراحة أن نتهم بإشاعة عدم الاستقرار، ولذلك نكتفى بذكر واحدة منها، نضعها فى صيغة فزورة لا يحلها سوى المتخصصين تقول: إذا كان معدل التخضم المتوقع فى مصر خلال هذا العام حوالى %12 وفى الولايات المتحدة الأمريكية من 1 إلى 2%، فماذا تتوقع أن يكون الحال في سوق الاستقرار-عفوا سوق الصرف-، مع مطلع العام القادم؟
وبعيداً عن الفازورة السابقة، فإن بعض الإجابات المحددة المتفق عليها، لاسئلة صغيرة جزئية، قد تكون كافية لتهدئة مخاوف بعض المستثمرين.. لعل فى مقدمتها أن تقول لنا الحكومة والحزب والمحافظ فى كلمة رجل واحد: متى يبدأ تطبيق آلية الانتربانك الدولاري؟
حازم شريف
1:08 م, الأحد, 8 فبراير 04
End of current post