على مدى سبعة عقود خلت، تمر العلاقات بين مصر وليبيا بمنحنيات حادة تهدد الأمن القومى للدولتين المتاخمتين، فى أقله منذ تزامن الاستقلال الليبى 1951.. مع إلغاء مصر معاهدة 36، تخلصا من عهود استعمارية، حسمت لحقب متتالية من التاريخ على وضعيتهما الجيواستراتيجية المتفردة، سلماً وحرباً، كونهما بمثابة «الوصلة» مع منطقة الشمال الأفريقى الإسلامى من ناحية، وما بين دول الساحل (المتوسطى) والصحراء (الكبرى) من ناحية، إلى ما يحتويه البَلَدان من ثروات نفطية، فعلية وواعدة، إلى أن شهدت نهاية الستينيات..
تبنى مصر الثورة الليبية سبتمبر 1969، على طريق العمل لتطوير «ميثاق طرابلس» إلى وحدة اندماجية»، بينهما، قبل أن تنكسر النصال على النصال منتصف السبعينيات بسب الغيرة الدبلوماسية بين قيادتى البلدين، لم يؤد استئنافها مطلع القرن الجديد نحو محو كل رواسبها القديمة، إلى أن اندلعت فوضيات الربيع العربى فى 2011، لحساب منظمات الإسلام السياسى فى البلدين، لا تزال تقاوم رغم انكساراتهما من أجل البقاء، سواء فى مصر أو غرب ليبيا حول طرابلس العاصمة، التى تمثل احتمالات تورط الجيش المصرى لتحريرها من ميليشيات حكومة «الوفاق».. إلى ما من شأنه الدفع بالأخيرة إلى تشكيل حلف عسكرى ضد مصر.. من خلال طلب مساعدة خمس دول (صديقة).. لصد هجوم تعززه إلى جانب مصر.. كل من الإمارات وروسيا.. بالتشارك مع الجيش الوطنى الليبى.
إلى ذلك، يعكس التدخل الروسى- تحديداً المثير لقلق واشنطن، رسالة إلى أنقرة التى أبرمت بدورها مؤخراً اتفاقاً أمنياً مع «طرابلس» يتيح للقوات التركية التدخل فى مسار الحرب، تحمل فى مضمونها موقفاً استباقياً من موسكو.. يعارض إرسال قوات تركية إلى ليبيا، الأمر الذى ربما وراء استهداف مقاتلات (مجهولة) لمواقع عسكرية تستخدم لتخزين أسلحة تركية، وضد سواحل ليبية، ترسو بها سفن تحمل أعتدة ومساعدات لوجستية من تركيا، ما يشعل سجالاً روسياً – تركياً حول «مرتزقة».
ربما تعود جذوره إلى الثأر الذى تحمله موسكو لتدخل قوات الناتو على غير رغبتها فى ليبيا 2011، ذلك فيما يقوم الجيش الليبى بتحذير أى دولة تحاول منعه من السيطرة على طرابلس، أو عند التصدى لغزو تركى محتمل بالقوة، ربما عن طريق «مصراتة» التى بها مقاتلون من صفوف «داعش» تعمل على فتح الطريق أمام توغل تركيا للانضمام إلى خلايا الإخوان فى طرابلس، التى تمثل منذ منتصف الستينيات نبتة شيطانية من آحاد المدانين جنائياً من إخوان مصر الهاربين إلى ليبيا زمن «عبد الناصر».. الذى توقع – حسب قوله فى -1967 أن يجىء الهجوم على مصر آنئذ من جهة الغرب، إلا أنه أتى حينها من الشرق، حيث يقف الجيش المصرى حالياً منذ 2013 فى مواجهة الإرهاب فى سيناء، فإذ بالإرهاب الإقليمى والدولى الذى يأتيه اليوم.. بطريقة معاكسة لما جرى من نحو نصف قرن- من جهة الغرب.