من أرض المعارك إلى الفضاء الإلكترونى، هكذا انتقل الصراع بين موسكو وكييف على خلفية الغزو الروسى لأوكرانيا، فالصراع لم يعد عسكريًا بل بات يحمل أبعادًا سيبرانية، وانتقل مسرح العمليات من إدارة الأنظمة الدفاعية على أرض الواقع إلى شن هجمات إلكترونية كان أخرها أول أمس عبر أختراق الموقع الرسمى للكرملين.
فضحايا الحروب الإلكترونية لا يتساقطون نتيجة تبادل إطلاق النيران، بل تنتهى حياتهم داخل غرف الطوارئ ومراكز العمليات التى تنقطع عنها خدمات الكهرباء، بسبب تعطل شبكات الاتصالات الطبية أو أعمال عنف وشغب أو هجمات فيروسية تضرب المستشفيات.
بدأ الهجوم الإلكترونى الروسى على أوكرانيا فعلًا فى 14 يناير الماضى، ما أدى إلى تعطيل عدة مواقع للحكومة الأوكرانية، منها موقع وزارة الخارجية مع ترك رسالة تهديد واضحة مفادها: أيها الأوكرانيون.. أصبحت جميع المعلومات المتعلقة بكم علنية.. خافوا وتوقعوا الأسوأ.. إنه ماضيكم وحاضركم ومستقبلكم.
وحذر مركز التنسيق الوطنى الروسى لحوادث الكمبيوتر (NCCC) من خطر زيادة هجمات القراصنة على موارد المعلومات الروسية، بما فى ذلك البنية التحتية للمعلومات الحيوية.
وجاء فى بيان المركز: “يمكن أن تهدف الهجمات إلى تعطيل عمل موارد وخدمات المعلومات الهامة لأغراض سياسية، ونشر مواد مضللة فى الفضاء المعلوماتى الروسى لتشكيل صورة سلبية عن روسيا فى نظر المجتمع الدولى.
وتابع: ترى لجنة تنسيق مكافحة الإرهاب أن أى فشل فى تشغيل مرافق CII لسبب مجهول، يجب اعتباره أولًا وقبل كل شيء نتيجة هجوم سيبرانى، وإبلاغ لجنة تنسيق المنظمات غير الحكومية باتخاذ التدابير المضادة فى الوقت المناسب.
«عبد الباسط»: قديمة الأزل.. و«كييف» طلبت يد العون من وحدات الأمن السيبرانى الكورية الجنوبية
وقال محمد عبد الباسط، المؤسس والرئيس التنفيذى لشركة SEEKURITY لحلول أمن المعلومات، إن الحرب الإلكترونية بين روسيا وأوكرانيا قديمة الأزل، بغض النظر عن عدم تكافؤ الفرص بين البلدين، ولكنها نشطت بصورة كبيرة قبيل بدء الغزو الروسى للأراضى الأوكرانية، موضحًا أن روسيا بدأت تحذر من هجوم إلكترونى على شبكة بنيتها التحتية مع وجود حسابات تزعم بتسريب عناوين إيميلات رسمية لقادة الجيش الروسى.
وأكد “عبد الباسط” أن الساعات الماضية شهدت أيضًا تداول بعض التقارير غير الرسمية تزعم تسريب بيانات بعض المواقع الحكومية فى أوكرانيا، وطرحها على dark web، علاوة على قيام مجموعة كبيرة من الهاكرز مجهولى الهوية anonymous شنوا هجمات إلكترونية على مواقع روسية معروفة مثل وكالة الأخبار الروسية RT.
وألمح إلى أن أوكرانيا بدأت تطلب يد العون من وحدات الأمن السيبرانى الكورية الجنوبية لمواجهة الاجتياح الروسى العنيف، مشيرًا إلى صعوبة التكهن بتحديد الفائز فى هذه الحرب، مع تحمل جميع الأطراف خسائر بسبب وجود نقاط ضعف لدى كل طرف على حدة.
وتابع أن كل دول العالم، بما فى ذلك أمريكا، تتعرض إلى هجمات سيبرانية، قائلًا: ليس بالضرورة أن تمتلك أقوى دولة عكسرية جيشًا سيبرانيًا مماثلًا فمعطيات الحرب الإلكترونية تختلف تمامًا عن العمليات العسكرية البرية، خاصة أن الفضاء السيبرانى ليس له حدود.
وبحسب وكالة رويترز، طلبت حكومة أوكرانيا متطوعين من الهاكرز المحليين للمساعدة فى حماية البنية التحتية الحيوية والقيام بمهام تجسس إلكترونى ضد القوات الروسية.
ورأى أن الحرب الإلكترونية الدائرة بين روسيا وأوكرانيا قد لا ترتب أى أوضاع جديدة بقدر كونها أداة نفسية للتأثير على الشعوب، من خلال نشر أخبار كاذبة عن اختراق مواقع إلكترونية تابعة لخصم وزرع برامج خبيثة على أجهزة ذوى نفوذ وتسريب معلومات حساسة تحت مفهوم «الجهاد الإلكترونى».
يشار إلى أن مجموعة Cooming Project لفيروسات الفيدية أعلنت عبر حسابها الخاص على منصة «تيلجرام» عن دعمها الكامل لروسيا فى حالة تعرضها لأى هجوم سيبرانى محتمل، رغم أنها أعلنت فى وقت سابق عن توقف عملياتها رسميًا خلال أكتوبر الماضى.
«نبيل»: موسكو شنت هجومًا على وزارة الدفاع والبنوك
وأوضح «نبيل» أن الهجمات السيبرانية أصبحت تحقق أهدافًا تفوق الهجمات العسكرية، لما لها من نتائج تنعكس على شل حركة مؤسسات الدولة، موضحًا أن الصين وروسيا وأمريكا وإيران تأتى ضمن أقوى الدول التى تنتهج طريق الهجمات السيبرانية.
وشدد على ضرورة العمل على تأسيس أنظمة حماية قوية يتم بموجبها صد الهجمات السيبرانية التى تتعرض لها الدول، لما لها من آثار سلبية وخيمة على مؤسسات الدولة، لافتًا إلى أن من ضمن أشهر الهجمات السيبرانية التى تعرضت لها الدول كانت هجمات أستونيا فى عام 2006 ، والهجمة الأمريكية التى شنتها الولايات المتحدة على منظومة الدفاع الجوى الإيرانى ردًا على استهداف ناقلة أمام السواحل الإماراتية.
«زكى»: «العنكبوتية» لا ترتبط بالغزو المباشر
وأضاف الدكتور يسرى زكى، خبير أمن المعلومات، أن الهجمات السيبرانية التى تشهدها المنطقة فى الوقت الراهن ليست حديثة العهد، موضحًا أن الهجمات الإلكترونية بين الدول أضحت أمرًا واقعًا تنتهجه الدول على نظيراتها لما لها من آثار فعالة.
ولفت إلى أن الهجوم السيبرانى الذى شنته روسيا مؤخرًا على أوكرانيا ليس هو الأول من نوعه فى تاريخ روسيا، مشيرًا إلى أن سجل روسيا يحمل العديد من الهجمات السيبرانية.
وأضاف أن الحروب السيبرانية لم تصبح مرتبطة بمبدأ الحروب المباشرة، موضحًا أنها أصبحت أحد أشهر الأمثلة فى الهجوم السيبرانى ما تقوم به الولايات المتحدة على الصين، متوقعًا أن تستمر وتيرة الهجمات السيبرانية فى الارتفاع بين الدول بغض النظر عن وجود حرب مباشرة على أرض الواقع.
وقال وزير الاتصالات الأوكرانى، ميخايلو فيودوروف فى تصريحات سابقة، إن بلاده تتعرض لهجمات إلكترونية مستمرة وبلا توقف، منوهًا بأن مهاجمين مجهولين أصابوا مئات أجهزة الكمبيوتر ببرامج ضارة مدمرة، بعضها فى لاتفيا وليتوانيا المجاورتين.
«حنفى»: روسيا بيئة خصبة لـ«cyber attack»
وأضاف أحمد حنفى، الرئيس التنفيذى لشركة ديجيتال بلانتس لحلول أمن المعلومات، أن الحروب الإلكترونية باتت حلًا بديلًا أكثر فاعلية عن الحروب المباشرة، موضحًا أن التطور التكنولوجى الذى يشهده العالم أسهم بشكل كبير فى زيادة حدة وتيرة الهجمات الإلكترونية، الأمر الذى يستلزم على الدول تأمين بياناتها قبل الشروع فى مشروعات التحول الرقمى.
وتابع «حنفى» قائلًا إن الهجوم الذى شنته روسيا مؤخرًا على مطار أوكلاند فى أوكرانيا لن يكون الأخير من نوعه، موضحًا أن روسيا تحمل سجلًا حافلًا الهجمات السيبرانية، وأهمها هجمات 2017، والتى اتهمت روسيا فيها بشكل مباشر من قبل رئيس وزراء بريطانيا.
وتابع أن روسيا تعد من كبرى الدول التى تعمل على انتهاج سياسة شن الهجمات السيبرانية، وفى ذات الوقت تقدم للعالم برامج الحماية ومنها Kaspersky المضاد للفيروسات وهو ما يراه «حنفى» مشابهًا لفكرة منح الداء والدواء على حد وصفه، فضلًا عن وجود عدد من العصابات المختصة فى الهجمات السيبرانية بشكل كبير فى روسيا.
وتوقع «حنفى» أن تزيد وتيرة الحروب السيبرانية بين الدول، بالتزامن مع التقدم التكنولوجى خلال الأعوام المقبلة، مرجعًا ذلك إلى انخفاض تكاليفها، فضلًا عن إمكانية وصولها لأهداف أكثر سرعة أقل، منوهًا بأن الدب الروسى يعد بيئة خصبة للهجمات السيبرانية.