منذ إن كان كل منا طفلا صغيرا، ونحن نسمع ونقرأ جميعاً عن قضية إصلاح التعليم، لا فرق فى ذلك بين من كان ينتمى إلى جيلى- جيل الوسط- أو إلى أجيال أخرى سابقة أو لاحقة، بل ولأجيال أخرى ولت، وربما لأجيال قادمة لم تولد بعد.
نظام وراء نظام، وحكومات تلو حكومات، ووزير يخلف وزيراً، والكل يتحدث عن ضرورة إصلاح منظومة التعليم، وهى منظومة تعانى من خلل، باتت عناصره الأساسية معروفة للقاصى والدانى، وتتلخص فى:
- تعليم أساسى يعجز عن توفير الحد الأدنى من المهارات الأساسية للتلاميذ.
- تعليم جامعى يكتظ بمئات الألوف من المريدين، الذين يتخرجون فيه تماما كما دخلوا إليه، لينضموا لجحافل جيش العاطلين والموظفين.
- نظام تعليمى يفتقر ككل إلى التوافق مع احتياجات خطط التنمية الحقيقية أو حتى الورقية، التي تضعها الحكومات للمجتمع.
لا جديد إذن تحت الشمس من ناحية المضمون، إنما كل الجديد، يتجلى فقط دائماً فى الشكل مع تغير التوجهات الرسمية من مرحلة لأخري، فإذا جاءت الاشتراكية صارت «المجانية»شعارا و وسيلة للاصلاح، واذا ذهبت باتت “المجانية” نفسها عدوة الإصلاح، والتعليم «المدفوع»- إن جاز التعبير- هو الحل، وذلك على غرار الشعارات السياسية الزاعقة، التى تختصر المشكلات والقضايا والحلول فى مفردة واحدة أو اثنتين على الأكثر، لكسب الجماهير فى ظل تغييب العقول.
وفى إطار شعار التعليم المدفوع هو الحل، وافق مجلس جامعة القاهرة مؤخراً من حيث المبدأ على إنشاء جامعة القاهرة الأهلية، وذلك فى جلسة حضرها كل من الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء والدكتور فتحى سرور رئيس مجلس اشعب، أى بمباركة رسمية من السلطتين التنفيذية والتشريعية.
والفكرة كما جاءت على لسان الدكتور نجيب الهلالى رئيس جامعة القاهرة فى حواره يوم الخميس الماضى لجريدة الأخبار، تتلخص فى إنشاء جامعة جديدة، تقدم تعليما متميزا، ينتج خريجين قادرين على التفاعل مع المجتمعين المحلى والدولي، وعلى التفكير الإبداعى والعمل بروح الفريق، وتحمل مسئولية الاسهام فى التغيير إلى الأفضل، على أن يتم تمويل هذه الجامعة من تبرعات القطاع الأهلى، ويمكن للحكومة أن تساهم بجزء والمواطنون وطبقات الشعب، وتكون الدراسة بالمصروفات الفعلية، والتى قدرها رئيس الجامعة، بما يتراوح ما بين تسعة إلى عشرة آلاف جنيه، للطالب فى العام الدراسى الواحد.
باختصار تعليم متميز للطلبة المتميزين، حيث سيتم وضع معايير، لضمان اختيار الطلبة المتميزين مهاريا، بشرط أن يكونوا قادرين على دفع المصروفات.
لكن ماذا عن الطلبة النابهين غير القادرين على الدفع؟
سيتعين عليهم بالتأكيد- والإجابة لنا- الالتحاق بالتعليم الجامعى الحكومى المجانى، الذى اعترف الدكتور الهلالى ضمنيا، بأنه يقتل الإبداع والابتكار، ويعانى من كل آفاق التعليم الحكومى المجانى فى مراحله المختلفة، وإلا فما هى الحاجة لإنشاء الجامعة الأهلية؟
هل هذا فى صالح المجتمع؟
بالطبع لا، فعلاوة على أنه يحرمه- المجتمع- من الاستفادة من عناصر، كان من الممكن لها أن تكون ضمن الطليعة، التى تقود حركة التغيير إلى الأفضل- على حد تعبير رئيس الجامعة- لو تم توفير الظروف التعليمية والمعرفية الموضوعية المواتية لصقلها… فإنه بدلا من ذلك، يضمن مسبقا وضعهم فى خانة الأعداء- وسيكون لهم كل الحق- وهم يرون زملاءهم من الطلاب المتميزين القادرين فى الجامعة الأهلية، ومن القادرين غير المتميزين فى الجامعات الخاصة، ينعمون ببيئة ومضمون تعليميين ومعرفيين أرقى وأفضل.
ولسنا بالطبع من المطالبين بإبقاء الوضع على ما هو عليه الآن، ولا بضرورة الإصلاح الشامل للتعليم فى مراحله المختلفة الأساسى والفنى والجامعي، لأننا لا ننفق، ولا نستطيع أن ننفق على التعليم، كما ينفق الآخرون %4.05- من الدخل القومى الاجمالى فى مصر مقابل %9.27 فى السعودية و%5.2 و%7.82و%19.5 فى الأردن وتونس والمغرب على التوالى على سبيل المثال.
وإنما إذا كنا بصدد الحديث عن إصلاح جزئى للتعليم الجامعي، بهدف خلق شريحة من الخريجين المبدعين، قادرة على تنمية الموارد، وتوظيف فائض أكبر تدريجياً يصب فى عملية إصلاح تعليمى شامل، فإنه سيكون من قبيل السخف، أن نستبعد أعداداً كبيرة من النابهين، لعدم ملاءتهم المالية، ناهيك عما يمثله ذلك- على المستوى الأخلاقى والمبدئى- من تمييز طبقى عنصرى إن جاز التعبير.
ويبقى فى صدرى سؤال اتوجه به لرئيس جامعة القاهرة، وهو من هم هؤلاء المواطنون وتلك الطبقات الشعبية، التى سيختارون تطوعاً التبرع لجامعة، لن يكون فى مقدور أبنائها الاقتراب منها بالأساس؟
حازم شريف
2:33 م, الأحد, 11 يناير 04
حازم شريف
2:33 م, الأحد, 11 يناير 04
End of current post