الجامعة‭ ‬الأهلية‭ ‬الشعبية‭!‬

الجامعة‭ ‬الأهلية‭ ‬الشعبية‭!‬
حازم شريف

حازم شريف

2:33 م, الأحد, 11 يناير 04

منذ‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬طفلا‭ ‬صغيرا،‭ ‬ونحن‭ ‬نسمع‭ ‬ونقرأ‭ ‬جميعاً‭ ‬عن‭ ‬قضية‭ ‬إصلاح‭ ‬التعليم،‭ ‬لا‭ ‬فرق‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬ينتمى‭ ‬إلى‭ ‬جيلى‭- ‬جيل‭ ‬الوسط‭- ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬أجيال‭ ‬أخرى‭ ‬سابقة‭ ‬أو‭ ‬لاحقة،‭ ‬بل‭ ‬ولأجيال‭ ‬أخرى‭ ‬ولت،‭ ‬وربما‭ ‬لأجيال‭ ‬قادمة‭ ‬لم‭ ‬تولد‭ ‬بعد‭.‬
نظام‭ ‬وراء‭ ‬نظام،‭ ‬وحكومات‭ ‬تلو‭ ‬حكومات،‭ ‬ووزير‭ ‬يخلف‭ ‬وزيراً،‭ ‬والكل‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬إصلاح‭ ‬منظومة‭ ‬التعليم،‭ ‬وهى‭ ‬منظومة‭ ‬تعانى‭ ‬من‭ ‬خلل،‭ ‬باتت‭ ‬عناصره‭ ‬الأساسية‭ ‬معروفة‭ ‬للقاصى‭ ‬والدانى،‭ ‬وتتلخص‭ ‬فى‭:‬
‭- ‬تعليم‭ ‬أساسى‭ ‬يعجز‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬المهارات‭ ‬الأساسية‭ ‬للتلاميذ‭.‬
‭- ‬تعليم‭ ‬جامعى‭ ‬يكتظ‭ ‬بمئات‭ ‬الألوف‭ ‬من‭ ‬المريدين،‭ ‬الذين‭ ‬يتخرجون‭ ‬فيه‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬دخلوا‭ ‬إليه،‭ ‬لينضموا‭ ‬لجحافل‭ ‬جيش‭ ‬العاطلين‭ ‬والموظفين‭.‬
‭- ‬نظام‭ ‬تعليمى‭ ‬يفتقر‭ ‬ككل‭ ‬إلى‭ ‬التوافق‭ ‬مع‭ ‬احتياجات‭ ‬خطط‭ ‬التنمية‭ ‬الحقيقية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الورقية، التي ‬تضعها‭ ‬الحكومات‭ ‬للمجتمع‭.‬
‬لا‭ ‬جديد‭ ‬إذن‭ ‬تحت‭ ‬الشمس‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬المضمون،‭ ‬إنما‭ ‬كل‭ ‬الجديد،‭ ‬يتجلى‭ ‬فقط‭ ‬دائماً‭ ‬فى‭ ‬الشكل‭ ‬مع‭ ‬تغير‭ ‬التوجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬لأخري،‭ ‬فإذا‭ ‬جاءت‭ ‬الاشتراكية‭ ‬صارت‭ ‬‮«‬المجانية‮»شعارا و وسيلة للاصلاح، واذا ذهبت باتت “المجانية”‬‭ ‬نفسها‭ ‬عدوة‭ ‬الإصلاح،‭ ‬والتعليم‭ ‬‮«‬المدفوع‮»‬‭- ‬إن‭ ‬جاز‭ ‬التعبير‭- ‬هو‭ ‬الحل،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الشعارات‭ ‬السياسية‭ ‬الزاعقة،‭ ‬التى‭ ‬تختصر‭ ‬المشكلات‭ ‬والقضايا‭ ‬والحلول‭ ‬فى‭ ‬مفردة‭ ‬واحدة‭ ‬أو‭ ‬اثنتين‭ ‬على‭ ‬الأكثر،‭ ‬لكسب‭ ‬الجماهير‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬تغييب‭ ‬العقول‭.‬
وفى‭ ‬إطار‭ ‬شعار‭ ‬التعليم‭ ‬المدفوع‭ ‬هو‭ ‬الحل،‭ ‬وافق‭ ‬مجلس‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭ ‬مؤخراً‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭ ‬الأهلية،‭ ‬وذلك‭ ‬فى‭ ‬جلسة‭ ‬حضرها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الدكتور‭ ‬عاطف‭ ‬عبيد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬والدكتور‭ ‬فتحى‭ ‬سرور‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬اشعب،‭ ‬أى‭ ‬بمباركة‭ ‬رسمية‭ ‬من‭ ‬السلطتين‭ ‬التنفيذية‭ ‬والتشريعية‭.‬
والفكرة‭ ‬كما‭ ‬جاءت‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الدكتور‭ ‬نجيب‭ ‬الهلالى‭ ‬رئيس‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭ ‬فى‭ ‬حواره‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬الماضى‭ ‬لجريدة‭ ‬الأخبار،‭ ‬تتلخص‭ ‬فى‭ ‬إنشاء‭ ‬جامعة‭ ‬جديدة،‭ ‬تقدم‭ ‬تعليما‭ ‬متميزا،‭ ‬ينتج‭ ‬خريجين‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬المجتمعين‭ ‬المحلى‭ ‬والدولي،‭ ‬وعلى‭ ‬التفكير‭ ‬الإبداعى‭ ‬والعمل‭ ‬بروح‭ ‬الفريق،‭ ‬وتحمل‭ ‬مسئولية‭ ‬الاسهام‭ ‬فى‭ ‬التغيير‭ ‬إلى‭ ‬الأفضل،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تمويل‭ ‬هذه‭ ‬الجامعة‭ ‬من‭ ‬تبرعات‭ ‬القطاع‭ ‬الأهلى،‭ ‬ويمكن‭ ‬للحكومة‭ ‬أن‭ ‬تساهم‭ ‬بجزء‭ ‬والمواطنون‭ ‬وطبقات‭ ‬الشعب،‭ ‬وتكون‭ ‬الدراسة‭ ‬بالمصروفات‭ ‬الفعلية،‭ ‬والتى‭ ‬قدرها‭ ‬رئيس‭ ‬الجامعة،‭ ‬بما‭ ‬يتراوح‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬تسعة‭ ‬إلى‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف‭ ‬جنيه،‭ ‬للطالب‭ ‬فى‭ ‬العام‭ ‬الدراسى‭ ‬الواحد‭.‬
باختصار‭ ‬تعليم‭ ‬متميز‭ ‬للطلبة‭ ‬المتميزين، حيث ‭ ‬سيتم‭ ‬وضع‭ ‬معايير،‭ ‬لضمان‭ ‬اختيار‭ ‬الطلبة‭ ‬المتميزين‭ ‬مهاريا،‭ ‬بشرط‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬دفع‭ ‬المصروفات‭.‬
لكن‭ ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬الطلبة‭ ‬النابهين‭ ‬غير‭ ‬القادرين‭ ‬على‭ ‬الدفع؟
سيتعين‭ ‬عليهم‭ ‬بالتأكيد‭- ‬والإجابة‭ ‬لنا‭- ‬الالتحاق‭ ‬بالتعليم‭ ‬الجامعى‭ ‬الحكومى‭ ‬المجانى،‭ ‬الذى‭ ‬اعترف‭ ‬الدكتور‭ ‬الهلالى‭ ‬ضمنيا،‭ ‬بأنه‭ ‬يقتل‭ ‬الإبداع‭ ‬والابتكار،‭ ‬ويعانى‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬آفاق‭ ‬التعليم‭ ‬الحكومى‭ ‬المجانى‭ ‬فى‭ ‬مراحله‭ ‬المختلفة،‭ ‬وإلا‭ ‬فما‭ ‬هى‭ ‬الحاجة‭ ‬لإنشاء‭ ‬الجامعة‭ ‬الأهلية؟
هل‭ ‬هذا‭ ‬فى‭ ‬صالح‭ ‬المجتمع؟
بالطبع‭ ‬لا،‭ ‬فعلاوة‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يحرمه‭- ‬المجتمع‭- ‬من‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬عناصر،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ضمن‭ ‬الطليعة،‭ ‬التى‭ ‬تقود‭ ‬حركة‭ ‬التغيير‭ ‬إلى‭ ‬الأفضل‭- ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬رئيس‭ ‬الجامعة‭- ‬لو‭ ‬تم‭ ‬توفير‭ ‬الظروف‭ ‬التعليمية‭ ‬والمعرفية‭ ‬الموضوعية‭ ‬المواتية‭ ‬لصقلها…‭ ‬فإنه‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬يضمن‭ ‬مسبقا‭ ‬وضعهم‭ ‬فى‭ ‬خانة‭ ‬الأعداء‭- ‬وسيكون‭ ‬لهم‭ ‬كل‭ ‬الحق‭- ‬وهم‭ ‬يرون‭ ‬زملاءهم‭ ‬من‭ ‬الطلاب‭ ‬المتميزين‭ ‬القادرين‭ ‬فى‭ ‬الجامعة‭ ‬الأهلية،‭ ‬ومن‭ ‬القادرين‭ ‬غير‭ ‬المتميزين‭ ‬فى‭ ‬الجامعات‭ ‬الخاصة،‭ ‬ينعمون‭ ‬ببيئة‭ ‬ومضمون‭ ‬تعليميين‭ ‬ومعرفيين‭ ‬أرقى‭ ‬وأفضل‭.‬
ولسنا‭ ‬بالطبع‭ ‬من‭ ‬المطالبين‭ ‬بإبقاء‭ ‬الوضع‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬الآن،‭ ‬ولا‭ ‬بضرورة‭ ‬الإصلاح‭ ‬الشامل‭ ‬للتعليم‭ ‬فى‭ ‬مراحله‭ ‬المختلفة‭ ‬الأساسى‭ ‬والفنى‭ ‬والجامعي،‭ ‬لأننا‭ ‬لا‭ ‬ننفق،‭ ‬ولا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬ننفق‭ ‬على‭ ‬التعليم،‭ ‬كما‭ ‬ينفق‭ ‬الآخرون‭ %‬4.05-‭ ‬من‭ ‬الدخل‭ ‬القومى‭ ‬الاجمالى‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬مقابل‭ %‬9.27‭ ‬فى‭ ‬السعودية‭ ‬و‭%‬5.2‭ ‬و‭%‬7.82و‭%‬19.5‭ ‬فى‭ ‬الأردن‭ ‬وتونس‭ ‬والمغرب‭ ‬على‭ ‬التوالى‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭.‬
وإنما‭ ‬إذا‭ ‬كنا‭ ‬بصدد‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬إصلاح‭ ‬جزئى‭ ‬للتعليم‭ ‬الجامعي،‭ ‬بهدف‭ ‬خلق‭ ‬شريحة‭ ‬من‭ ‬الخريجين‭ ‬المبدعين،‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬الموارد،‭ ‬وتوظيف‭ ‬فائض‭ ‬أكبر‭ ‬تدريجياً‭ ‬يصب‭ ‬فى‭ ‬عملية‭ ‬إصلاح‭ ‬تعليمى‭ ‬شامل،‭ ‬فإنه‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬السخف،‭ ‬أن‭ ‬نستبعد‭ ‬أعداداً‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬النابهين،‭ ‬لعدم‭ ‬ملاءتهم‭ ‬المالية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عما‭ ‬يمثله‭ ‬ذلك‭- ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الأخلاقى‭ ‬والمبدئى‭- ‬من‭ ‬تمييز‭ ‬طبقى‭ ‬عنصرى‭ ‬إن‭ ‬جاز‭ ‬التعبير‭.‬
ويبقى‭ ‬فى‭ ‬صدرى‭ ‬سؤال‭ ‬اتوجه‭ ‬به‭ ‬لرئيس‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬هؤلاء‭ ‬المواطنون‭ ‬وتلك‭ ‬الطبقات‭ ‬الشعبية،‭ ‬التى‭ ‬سيختارون‭ ‬تطوعاً‭ ‬التبرع‭ ‬لجامعة،‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬فى‭ ‬مقدور‭ ‬أبنائها‭ ‬الاقتراب‭ ‬منها‭ ‬بالأساس؟