فقدت الدول النامية فى أفريقيا «بطلا» اعتمدت عليه كثيرا فى الحصول على التمويل بأسعار فائدة أرخص مقارنة بتلك المتاحة فى أسواق رأس المال، إذ أقبلت الصين التى تعد أكبر دائن ثنائى لأفريقيا، على خفض التمويل المقدم للمنطقة وسط تعثر فرص نموها.
وبحسب وكالة بلومبرج، يأتى هذا فى الوقت الذى تصعد فيه أسعار الفائدة عالميا وتنكمش السيولة، وهى العوامل التى تسببت بالفعل فى انهيار سندات المقترضين الأفارقة الأكثر عرضة للخطر، مثل غانا وزامبيا، واقتراب عملات مثل الراند الجنوب أفريقى من القيعان التى سادت خلال فترة قريبة من الجائحة.
وبسبب تبدد خيار التمويل من الصين التى تتركز تمويلاتها على مشروعات البنية التحتية طويلة الأجل، باتت الحكومات الأفريقية المترددة مضطرة للجوء إلى صندوق النقد الدولى والبنك الدولى سعيا منها لضبط ميزان مدفوعاتها.
ومن شأن البرامج الاقتصادية الممولة من الصندوق تقييد الاقتراض لأغراض تجارية وإلزام الممولين الصينيين بالجلوس مع الممولين الغربيين على طاولة واحدة لإعادة هيكلة ديون الدول الأفريقية.
وقال كيفين دالى، مدير المحفظة لدى شركة ابردن فى لندن المختصة بمراقبة مراكز سندات زامبيا وأنجولا ونيجيريا:« تدور مخاوفنا من الصين حول رغبتنا فى أن نرى قدرا أكبر من الشفافية والمحاسبية فى التعامل مع هذه القروض».
وأضاف: «عليهم أن ينضموا إلى الممولين الآخرين حتى يتسنى إتاحة إعفاءات من الديون أكثر شمولا» .
العجز عن الوصول إلى أسواق الدين
كانت السندات عالية المخاطر التى أصدرتها الاقتصاديات الصاعدة هى الأكثر سوءا من حيث الأداء عالميا، والكثير منها كان متعثرا حتى قبل الغزو الروسى لأوكرانيا.
وقال محللون لدى بنك جى بى مورجان تشيس إن العجز عن الوصول إلى أسواق الدين وخفض قيمة العملات وتزايد أسعار الطاقة وتكاليف الغذاء يفاقم فى الوقت الراهن التوترات الاجتماعية والسياسية.
وتتداول حاليا العوائد على ديون الدول الأفريقية المقومة بالدولار عند مستويات شوهدت آخر مرة أثناء الأزمة المالية العالمية بعد أن رفع بنك الاحتياطى الفيدرالى أسعار الفائدة فى سبتمبر، وقال إنه سيفعل كل ما بوسعه لإعادة السيطرة على التضخم.
وقفز متوسط العوائد على ديون دول جنوب الصحراء الأفريقية بأكثر من 100 نقطة أساس الأسبوع الماضى ليتداول عند مستوى %14.3.
ومقابل هذا، زاد متوسط عوائد ديون الأسواق الناشئة بنحو 50 نقطة أساس إلى %8.
وعندما تتنحى الصين جانبا، سيكون التوجه صوب أسواق السندات الدولية هو الخيار الوحيد المتاح لإعادة التمويل، لكن هذا الخيار سيكون باهظ التكلفة بالنسبة لبعض الدول.
وقال جيرجلى أورموسى الاستراتيجى لدى سوسيته جنرال إن الصعوبة التى تواجهها الأسواق الصاعدة تتزايد فى إعادة تمويل ديونها مستحقة السداد أو تمويل العجز فى ميزانياتها بسبب قوة الدولار الأمريكى وارتفاع أسعار السلع وارتفاع الفوائد الأمريكية وتطبيق سياسة التشديد الكمى.
أكبر 10 دول أفريقية تتلقى القروض الصينية
وخلال الفترة من 2000 إلى 2020، تصدرت عشرة حكومات أفريقية قائمة الدول المتلقية للقروض الصينية، وهى أنجولا وأثيوبيا وزامبيا وكينيا ومصر ونيجيريا والكاميرون وجنوب أفريقيا وجمهورية الكونغو وغانا، بحسب بيانات من مركز السياسات التنموية العالمية التابع لجامعة بوسطن.
ومن بين هذه الدول، تم تصنيف إثيوبيا بواسطة بنك جى بى مورجان تشيس ضمن الدول ذات المخاطر المرتفعة فى السداد والمهددة بنضوب احتياطياتها من النقد الأجنبى بحلول عام 2023.
وتعد زامبيا متعثرة حاليا فى سداد سندات مقومة باليورو، وتقدمت غانا بطلب إلى صندوق النقد الدولى للحصول على خطة إنقاذ ربما تشتمل على خطة لإعادة هيكلة الديون، بينما تسعى مصر للحصول على قرض جديد.
وتعد الصين هى أكبر دولة دائنة لزامبيا، إذ تسهم بنسبة %75 من القروض الثنائية، كما أنها تشارك فى رئاسة لجنة مختصة بإعادة هيكلة الديون بعد أن أصبحت زامبيا هى أول دولة تتعثر فى سداد ديونها خلال حقبة الجائحة فى أفريقيا عام 2020.
وانتقد الرئيس الزامبى هاكندى هيتشليما تكلفة المشروعات الصينية قبل أن يصل إلى السلطة العام الماضى، وسعى بعدها لإقامة علاقات وثيقة مع دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا.
وينتظر حملة السندات ما تؤول إليه المحادثات الجارية فى زامبيا وإثيوبيا مع الدائنين، لتحديد ما يمكن أن يوافق عليه الدائنون الآخرون مثل الصين.
ويتم النظر إلى هذه المحادثات كحالات تجريبية ربما تيسر على مجموعة العشرين استخلاص نموذج إطارى عام.
وسوف ينصب اهتمام المقترضين على الحصول على معاملة شبيهة من دائنى القطاع الخاص.
وقال تشارلز روبرتسون رئيس الاقتصاديين لدى شركة رينسانس كابتل إنه من سوء الطالع أن يتسبب الدور الكبير للصين فى زيادة صعوبة مفاوضات التعثر فى سداد الديون، مشيرا إلى أن إثيوبيا وزامبيا لا تزالان بعيدتان عن إيحاد حل لمشاكلهما.
تمديد السداد بدلا من خفض أصل الدين
وأضاف أن الصين تتجه نحو تفضيل تمديد آجال السداد، مقابل الامتناع عن خفض أصل الدين، لكن هذا لا يبدو واقعيا فى كل حالة.
وقال روبرتسون إن ابتعاد الصين عن تقديم القروض سيبطئ النمو فى المنطقة ولن يكون مرحبا به من قبل المستثمرين فى الدين.
وخلال السنوات الأولى من تقديم الصين قروض لأفريقيا، كانت نسبة %25 فقط تعانى من خطر التعثر فى سداد الديون، وارتفعت هذه النسبة إلى %60 فى الوقت الراهن.
وكانت كينيا وموزمبيق من بين الدول التى حققت تقدما فيما يتعلق بمفاوضاتها مع صندوق النقد الدولى العام الجارى.
ويتوقع جاك نيل رئيس قسم بحوث تمويل الاقتصاد الكلى لدى أكسفورد إيكونومكس أن البلدان التى تنجح فى الدخول فى مفاوضات أكثر جدية مع صندوق النقد الدولى سيطالها أضرار أقل جراء الابتعاد الصينى عن ساحة التمويل.
وتابع: «لكن الدول التى تعجز عن الاقتراب أكثر من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى وهى محملة بفجوات تمويل كبيرة ستجد صعوبة فى التأقلم بدون التمويل الصينى الرخيص».