ظهر فى الأيام الأخيرة فيلم وثائقى عن الأرمن، وكان العرض الأول فى مهرجان الفاهرة السينمائى الدولى الذى أقيم فى الأوبرا منذ شهر بالتقريب، يظهر الفيلم المذابح التى راح ضحيتها حوالى مليون ونصف المليون من الأرمن فى سنة 1915، ما يعادل ثلث الشعب الأرمنى فى ذاك الوقت، إبان الحرب العالمية الأولى، وقد أخرجوا عنوة من إسطنبول ودفنوا فى الصحراء أحياء، إنه عنوان بالخط العريض فى إهانة للآدمية والإنسانية والاضطهاد والعنف يعد من أشرس المعارك على مر التاريخ.
الحزين أن هذه المذابح لم تنقطع على مر التاريخ إلى عصرنا الحديث هذا، وقد هاجر إلى مصر فى حينها حوالى 30 ألف أرمنى، والمهم في الموضوع هو الإبادة البشرية، والظاهر أنه العودة إلى الهمجية.
إن التاريخ يعيد نفسه، كم من أجناس أبيدت على مر التاريخ، وكأن مصير البشرية ليس التقدم على المستوى الإنسانى، فكلما عمر الإنسان الأرض زادت شراسته وعاد إلى الهمجية الأولى، إذ تلا مذبحة الأرمن المحرقة التى أقامها الألمان ضد اليهود “الهولوكست” فى الحرب العالمية الثانية، والتى راح ضحيتها 50 مليونًا من جميع الأجناس، وليس يهودا فقط كما يشاع، وقد اعتذرت أخيرا ألمانيا لإحدى الدول الأفريقية.
أما الأرمن فهم فى انتظار اعتذار تركيا.. التى لا تضع فى اعتبارها فى الأساس أبناء جلدتها فى إبادة وإهانة لأبناء شعبها من الجيش والشعب من الذين شاركوا فى انقلاب تركيا الأخير ضد أردوغان، أما تاريخ الإبادات البشرية فهو لا ولن ينتهى طالما الإنسان على وجه الأرض وبدلا من التقدم العلمى والثقافى والرقى الفنى وكذا الرقى فى الفكر الدينى والروحى، تحول إلى انهيار فى المعايير الدينية يسفر عنه مذابح على الهوية وبدلا من الارتقاء بالروح لترتكن البشرية إلى تحكيم العقل والحكمة وإدارة المواقف فى حنكة السياسى الذى يولى وجهه تجاه الجدل المثمر فى حق البشر فى الحياة, والتمتع بما أفاض به الله على البشرية من خيرات طبيعية واستنباطات علمية، وهو من المفترض أن يكون الشكل المنطقى الذى يتولاه قادة العالم والمفكرين والمنظرين فى المناحى المختلفة من الحياة، حدث عكس ما يمليه الفكر السوى والتقدم الإنساني، بل تراجع سريع إلى الانهيار الحضارى، تربعت على سقف الأفكار تسلط المصالح والسيطرة على المقدرات الإنسانية وتقليصها على يد هؤلاء الحاكمين على المصائر، وأصبحوا هم والقدر المتربص سواء بسواء بالاستيلاء على دول بأكملها بكنوزها ومقدراتها المعيشية وهلاك أهلها بدرجة من التوحش، تتساوى مع التقدم المذهل المنصب على تطور آلة الحرب أصبح على الدول الضحية للنظام العالمى الذى يضمر الإبادة بقلب بارد، أن يرضى بمصير الموت بمواد كيماوية أكثر حداثة أو الهجرة الجماعية كما حدث على مر تاريخ العصر الحديث بدءا من الأرمن وهيروشيما ونجازاكى والمذابح الفلسطينية على يد اليهود، والشيشان والهرسك، والعراق وأخيرا سوريا وحجم المآسى الإنسانية التى تترتب عليها آلية الحروب والإبادة، هناك فكرة يعتنقها الساسة أن الحروب حراك حيوى للبشر مفيد للتنمية، نتيجة محدودية الموارد العالمية وتقلصها أمام زيادة سكانية متزايدة نتيجة الاستقرار.
والسؤال: هل عدم الاستقرار لا يطبق ألا على الدول الضعيفة والأقليات العرقية؟!
إنه المصير كما تخطط له رؤوس العالم. والآن ماذا ينتظر العالم الغلاء وانكماش الموارد ومعها الأخلاقيات، الشعوب تحارب فى سبيل لقمة العيش والحكام فى سبيل الاستيلاء على مصير الجزء الفقير من العالم لمصالحهم مع خواء إنسانى، والخوف كل الخوف أن يخطط الساسة لحرب عالمية ثالثة كما يشاع فى بعض الدوريات السياسية، وهنا يظهر التنين الآسيوى ليلتهم الكل.