التنمية فوق سطح ساخن!

التنمية فوق سطح ساخن!
محمد بكري

محمد بكري

7:47 ص, الأثنين, 1 مارس 21

فجّرت رائعة تينسى وليامز «قطة فوق صفيح ساخن»، وهم السعادة لدى البعض رغم كونها شقاءً داخليًا وعلاقات رخوة بين أفراد أسرة تقترب من الانهيار! فكانت البطلة ـ فاتنة الجنوب ـ كقطة مقهورة للتعايش تحت سخونة ظروف الجشع المادى الصابغ لمحيطها الاجتماعى ووحدتها فيه وضغطها النفسى منه، وتحولها تدريجيا لشخص صارم وقاسٍ وناقم، رافض لمجتمعها وظروفه.

استحضرتنى لهذه الصورة، مسيرة التنمية الشاملة بمصر بمرحلتها الجارية خصوصا فى آخر 3 سنوات، والممتدة للتنمية العمرانية والاجتماعية والاقتصادية، لنحقق فعلا بـ5 سنوات ما لم ندركه بـ60 عاما، فى محاولة لنقلها من وضع ثابت آسن قديم لوضع أفضل مستقبلًا، بمحاولة تحسين استغلال الموارد والطاقات المتوفرة وتوظيفها للأفضل، فكانت محاولات التنمية هى القطة والسطح هو البلد ونار السخونة حزمة الأفعال والمحاولات لتحريك الثابت بأمل الأفضل!

ففى تزامن مزعج لمسيرة التنمية، يتكالب شرر مُصالحات المبانى، الضريبة العقارية، طلاسم السجل العينى، صخب تقنين شهر الملكية، تهديدات قانون إيجار المساكن القديم، جرائم الزوج بمشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية، غرامات قانون المرور الجديد، تفجيرات إعادة تقييم أراضى الدولة المتعاقد عليها، مطالبة أعضاء مجلس الشيوخ بإعفاء مستحقاتهم من الضرائب إلخ، استعار هذا الحطب، سيُحمى السطح بلهب التشوش والشائعات والجدل والرفض، لتقفز التنمية فى هبة قططية تتشرس معها، وتتحول لجماعات تستهدف أحوالا جديدة أكثر فهما.

تزدهر التنمية الحقيقية ـ كرؤية غوستاف لوبون ـ نتيجة التغير الكلى التدريجى بأفكار الناس وتصوراتهم ومعتقداتهم، وليس بالتطورت السياسية أو الإزاحات العظيمة، التى تعقبها بآليات لتقويم الاعوجاجات القديمة بمنطق كن فيكون، ولو على غير رأى الجماعات أو الشعب. من الغريب أن لوبون كتب بـ1895 (أمسى مصير الأمم راجعا لما تحمله روح الجماعات لا لما يراه أصحاب مشورة الأمراء)! ومع ذلك يصر حطب تنميتنا بعد 126 سنة على تسخين مصرنا، ليكون مصير تنميتنا المنشودة على سطح ساخن، ويتقافز منتفعوها حرقا تدريجيا بهدوء، غير مأمونة عواقبه.

لا مجال هنا للجدل القانونى أو التفنيد أو الرفض لمنظومة (الإصلاح التشريعي) المصاحب للتنمية الشاملة، كذلك لا مناقضة لمحاولات تدبير موارد لتمويلها ـ بفرض بدايتها بتخطيط مسبق لمصادر تمويلها ـ ولكن المشكلة ارتباط مفهوم التنمية الشاملة بصيغة العدل الإدارى المنفرد، واستخدامه لقوة القانون على مجتمع غير واعٍ كفاية، بمفهوم العدل كتفاعل مستمر بين الإدارة والمجتمع.

كذلك لا شك لحظة باستهداف الإدارة للتنمية بالعدل مطلقا، ولكن قد يتلبس التعسف كفن العدل، ولا تعلم هى بغشمه طالما هتف له المنتفعون بدعوى «المساواة فى الظلم عدل»! المحصلة احمرار السطح، زيادة المتسطحين، مشاغبة الناقمين، فرصة للموتورين، وإعادة تخطيط لاقتسام كعكة تتحجر بالأنين.

استهداف التنمية الشاملة على السطح يلزمه تحريكها بالعمق، وعمقها الحقيقى تنمية فكر المواطن وتصوره عن دوره بالمجتمع وقيمة الدولة المستقرة وحصته بهذا الاستقرار ودعم قراره لتفعيل دوره. هنا سيدعم وعى الجماعة أى إصلاح تشريعى يهدف لتنظيم التنمية وحماية ملكيته وتدبير مرافقه، تحقيقا لدولته المستقرة.

تزامن حزمة التشريعات الأخيرة مع تخطى السكان 100 مليون، وجائحة كورونا، والانكماش الاقتصادى، ومحدودية النقد، وتجمد فرص العمل، وتغييب الوعى بإعلام باهت، وضعف الوعى السياسى، وعدم تمرس وخضرمة الجيل الحالى من النواب، والانحسار التدريجى لجيل الكبار بالصناعة والأدب والسياسة والفن والإعلام والإدارة والقضاء، يجعل آليات تنفيذ التنمية الشاملة على المحك، وفى مواجهة حرجة بين الإدارة والجماعات المختلفة والمؤتلفة المُشكلة للمجتمع، وفرصة سانحة للطامعين بتعطيل عجلتها قد تصل للغوغائية!

رغم انحيازى الكامل للتنمية الشاملة الجارية، عمرانيا ومرافقيا وتنظيميا وتشريعيا، إلا أن المشهد العام يؤرقنى كمواطن ينشد دولة مستقرة مُنماة ومستعد للتفاعل معها، ولكن مصير الآليات التشريعية المنفذة لأجزاء منها، قد يصطدم بالمجتمع المُغيب ليعود لعهود قديمة قد يصمت معها بمعاناة أو بإدارة انفجاره تلاعبا بوجعه، ولكن لا وقت أو فرصة لإعادة تاريخ مريض فى زمن العلاج.

هنا يبتسم تنيسى وليامز محذرا من وهم السعادة لدى البعض، لكونها قد تصل لشقاء داخلى وعلاقات رخوة بين الإدارة والناس تقترب من التخثر! فإذا كانت التنمية الحقة يتوازى فيها إصلاح السطح مع من يعيشون عليه، ليعرفوا قيمة تطوره، وكانت تنمية الأمم الحقة تتم بتغيير فكر الناس، فلا مهرب من إعادة تقييم الصورة الذهنية لمفهوم العلاقة الهشة بين الإدارة والمواطن المصرى، الذى قد يبيع صوته فى الانتخابات أو يعتزلها، لتتولاه مجالس تدير حياته بالأزمات المستمرة (لتنمية عادلة) لا يعى كيف يصحح مسارها إذا دهسته!

الدائرة تبدأ بآلية حقيقية تضمن عرض نواب المجالس على دوائرهم لمشروعات القوانين وكواليس تحالفاتها ويُلزم النائب برؤية دائرته ليعرضها بأمانة، تبدأ بالعناية الحق بالتعليم وإنقاذ جيل المولودين من 2017، بقوانين إلزامية بالتدريب وحرية العمل والسوق، بإعادة تنظيم المحتوى الإعلامى والفنى، غربلة قوانين الضرائب والرسوم، بفرز كتب التراث وترشيد دور الفتوى بحياتنا، باستنبات مواهب جديدة بكل المجالات.

قد تكون هذه مجرد بذور لبداية رفرفة جناح فراشة بفكر المصريين بـ2021، لتتسبب بعاصفة تغيير إيجابى خلال 10 سنوات، ونحظى بالاشتراك فيها!

فدعونا نتدارك حطب التنمية بوعى، فلا يستعر السطح أو تثور القطة حرقا.

* محامى وكاتب مصرى

[email protected]