تعد منظومة التمويل العقارى احد الاركان الاساسية للقطاع العقارى، بما يعلى من شأنها عند الحديث عن تطوير القطاع وانتشاله من الركود المسيطر عليه، ولا شك ان شركات التمويل العقارى تأثرت سلبًا بالاحداث السياسية والامنية المتعاقبة، وفى خضم هذه الخسائر خرجت هيئة الرقابة المالية بتقارير تؤكد نمو نشاط التمويل العقارى بالمقارنة بالعام الماضى واكتسابه 908 ملايين جنيه و 8 الاف مستثمر جديد، وهو ما يبرز تساؤلات حول كيفية تعامل القطاع بمرونة مع ازمة الركود العقارى وما هى الاليات التى لجأت اليها الشركات لتعويض خسائرها وتحويلها لارباح ؟ وما فرص مواصلة القطاع معدل نموه ؟
بداية وصفت قيادات منظومة التمويل العقارى مقدار الزيادة فى اجمالى التمويل الممنوح من الشركات بالجيد وفقا للظروف التى تمر بها البلاد الا ان الزيادة كرقم بالنسبة لحجم وضخامة السوق العقارية المصرية وحجم الطلب على العقارات تعد ضئيلة جدًا .
وارجعوا هذه الزيادة لدخول بعض شركات التمويل لشراء محافظ المطورين العقاريين من العملاء، وهو ما انعكس فى صورة وجود قوى لشريحة محدودى الدخل ومساحات الوحدات الصغيرة .
وكانت مؤشرات الهيئة العامة للرقابة المالية عن اداء نشاط التمويل العقارى خلال الربع الثانى من العام الحالى قد اظهرت بلوغ اجمالى التمويل العقارى الممنوح من الشركات حتي نهاية يوليو من العام الحالى 3 مليارات و 489 مليون جنيه مقابل 2 مليار و 581 مليون جنيه بنفس الفترة من العام الماضى بزيادة قدرها 908 ملايين جنيه وبمعدل نمو 35.2 % ، وبزيادة قدرها 256 مليون جنيه عن مارس من العام الحالى بمعدل نمو 7.9 % ، فيما بلغت ارصدة التمويل العقارى لدى الشركات 2 مليار و 316 مليون جنيه مقابل مليار و 825 مليون جنيه فى يونيو من العام الماضى .
فيما بلغ اجمالى عدد المستثمرين المتعاملين بنظام التمويل العقارى ما يقرب من 32 الف مستثمر مقابل 23 الفًا بزيادة تزيد على 8 الاف عقد جديد وبمعدل نمو 35.7 % ، كما استحوذت فئة الدخل الشهرى ذات 1750 جنيهًا على نسبة 71.5 % من اجمالى عدد المستثمرين و 21.3 % من اجمالى التمويل، واستحواذ فئة المساحة حتى 66 متر على 76 % من اجمالى عدد المستثمرين و 25 % من اجمالى التمويل فيما استحوذت المساحات الكبيرة اكبر من 200 متر على 35 % من قيمة التمويل .
كما اقتنصت محافظة الجيزة نصيب الاسد برصيد 53.7 % من عدد المستثمرين و 34.7 % من اجمالى التمويل الممنوح، وصبت غالبية عمليات التمويل العقارى فى كفة العقارات السكنية بـ 99 % و 95.9 % من اجمالى التمويل .
ويضم سوق التمويل العقارى 13 شركة تمويل باجمالى راس المال المرخص به 6 مليارات و 945 مليون جنيه، وراس المال المصدر مليار و 556 مليون جنيه وراس المال المدفوع مليار و 133 مليون جنيه، و 163 خبير تقييم عقارى و 217 وسيط تمويل، و 193 وكيلاً عقاريًا .
فى البداية قالت ايمان اسماعيل رئيس مجلس ادارة شركة المصرية لاعادة التمويل العقارى، احد المصادر الرئيسية لتمويل شركات التمويل، ان نشاط التمويل العقارى خلال العام الماضى شهد نشاطا بسيطا العام الحالي، مقارنة بالعام الماضى، ولكنه لم يزل في الضآلة بالمقارنة بالدول المحيطة، حيث يتم قياس نشاط التمويل العقارى وفقا لنسبته من اجمالى الدخل القومى، ففى الولايات المتحدة الامريكية يصل حجم التمويل العقارى إلى 100 % من اجمالى الدخل القومى، وتنخفض النسبة فى اوروبا المتقدمة الى 50 % ، و 25 % فى باقى دول اوروبا، وعربيا نجد دولة مثل المغرب يصل حجم التمويل العقارى لديها الى 11 % من الدخل القومى مقابل 7 % فى الاردن، اما فى مصر فما زال حجم التمويل العقارى لا يمثل سوى 0.02 % من اجمالى الدخل القومى .
وأرجعت ايمان تدنى حجم التمويل العقارى لهذا الرقم المحرج بالاساس الى عدم تسجيل الوحدات العقارية والتى تمثل مشكلة جوهرية فى عمليات الاقراض لعدم الاعتداد بها كضمانة حال عدم تسجيلها بالشهر العقارى، وتكفى الاشارة الى ان 30 % فقط من عقارات مصر مسجلة وبدلا من تزيد النسبة عن طريق العقارات التى يتم بنائها جديدا نجد ان النسبة تتناقص بقوة فى ظل طغيان سمة عدم التسجيل على عقارات المدن الجديدة .
كما المحت الى ان الدور السلبى الذى يتشارك فيه الاعلام مع مسئولى منظومة التمويل العقارى عدم القيام بمهام التوعية بالشكل الكافى لمميزات التمويل العقارى، واصرار الاعلام على الحديث على ارتفاع سعر الفائدة وتصويرها على انها السبب الرئيسى فى عزوف الافراد على التمويل العقارى على الرغم من عدم صحة هذا الادعاء، فعلى الرغم من الارتفاع النسبى للفائدة لكنها ما زالت اقل بكثير من الفائدة على قروض السيارات والفوائد الائتمانية والودائع وبالتالى ليست هى سبب ضعف حجم التمويل العقارى .
يذكر ان متوسط أسعار الفائدة على التمويل العقارى فى مصر يدور حول 12.19 % ، ومتوسط فترة سداد التمويل 16.7 سنة، فيما يبلغ متوسط القسط الشهرى للمستثمرين 2965 جنيهًا .
واشارت الى الارتباط الوثيق بين منظومة التمويل العقارى وبين نشاط حركة المبيعات والشراء بالقطاع، فالتمويل العقارى يعد خطوة مرهونة بنشاط المبيعات ووجود طلب فعال قادر على اتخاذ قرارات الشراء، وهو ما تعانى منه اكثر الشركات فالطلب على التمويل العقارى يأتى من فئة الدخول المحدودة والتى تتبعها محدودية فى الوحدات المتاحة .
واعتبرت رئيس مجلس ادارة الشركة المصرية لاعادة التمويل العقارى استحواذ الاغراض السكنية للعقارات على 99 % من اجمالى عدد المستثمرين و 95.9 % من اجمالى التمويل امرا منطقيا فى ظل الظروف التى مر بها القطاع العقارى منذ الثورة والتى قصرت جميع عمليات الشراء والمبيعات على الضرورة العاجلة والتى تصب فى صالح العقارات السكنية مدفوعة بالزيجات الجديدة .
ومن جانبه اشار اشرف رمزى رئيس مجلس ادارة شركة التعمير للتمويل العقارى ان الرصيد الذى اكتسبته منظومة التمويل العقارى والبالغ 908 ملايين جنيه خلال العام الماضى يعد بمثابة نقطة انطلاق جيدة فى ظل الظروف الامنية والسياسية التى مرت بها البلاد، موضحا انه لا الرقم الحالى ولا مقدار الزيادة تتناسب مع حجم القطاع العقارى المصرى ومعدلات الطلب المتزايدة وعمليات المبيعات والشراء ملمحا الى اكتساب المنظومة ما يزيد على 8 الاف مستثمر خلال عام واحد يعد معدلاً مقبولاً بالمقارنة بمعدلات الارتفاع خلال الفترات الماضية .
واعتبر رمزى تقرير الهيئة العامة للرقابة المالية بشأن استحواذ فئات التدخل الاقل من 1750 جنيهًا شهريًا على 71.5 % من عدد المستثمرين اصدق دليل على ان التمويل العقارى بريء من تهمة اقتصاره على ذوى الدخول المرتفعة، وكذلك استحواذ فئة المساحة حتى 66 مترًا للوحدة على نسبة 76 % من اجمالى عدد الوحدات الصادر لها تمويل عقارى يعد دليلاً على ان التمويل العقارى يخدم جميع الوحدات وليس الفاخرة فقط كما تم وصفه خلال الفتره الماضية، والمح فى هذا الاطار الى ان 60 % من محفظة الشركة تدخل تحت فئة محدودى الدخل ملمحا الى ان هذه النسبة ليست قليلة فشركته تستحوذ على اكثر من 30 % من حجم التمويل العقارى بالسوق .
وأضاف ان السبب الرئيسى لظهور التمويل العقارى هو خدمة من لا يستطيع اقتناء وحدة سكنية بالسداد الفورى او بالانظمة التى تتيحها شركات الاستثمار العقارى وهى فئة محدودى الدخل وليس مرتفعى الدخل، الا ان التمويل العقارى ارتبط بقوة بشريحة الدخول المرتفعه منذ ظهوره فى السوق المصرية، مرجعا ذلك الى وعى وادراك هذه الشريحة بأهيمة التمويل العقارى كآلية تمويلية وايضا كآلية استثمارية، فمعدل ارتفاع اسعار العقارات تفوق كثيرا فائدة التمويل العقارى .
والمح الى أن الشركات العقارية بدلا من ان تؤدى دورا ايجابيا فى تنشيط منظومة التمويل العقارى، لعبت دورا سلبيا خلال العام الماضى باستحداثها لبعض انظمة السداد والتى تصل الى 10 سنوات كاملة، وبالتالى تكون منافسًا قويًا لشركة التمويل العقارى، موضحا ان الشركة العقارية تقوم بحساب فوائد الـ 10 سنوات ضمن سعر الوحدة النهائى بحيث تبدوا انظمة التقسيط بلا فوائد، علاوة على انه يضر العميل نفسه بتجميد امواله لمدة 10 سنوات كاملة فى حين انه لو تعامل مع شركة تمويل عقارى لاسترد كامل القيم البيعية لوحدات المشروع بما يمكنه من الدخول فى مشروعات اخرى وتدوير رأس المال .
واضاف ان اكبر العقبات التى تواجه نمو نشاط التمويل العقارى هو البناء المخالف ومن ثم عدم قبول تسجيله بالشهر العقارى، بما يقصيه من دائرة التمويل العقارى، ملمحا الى ان السبب الرئيسى فى نمو هذه الظاهرة هو عدم وعى المستثمر او المالك بضرورة تسجيل عقاره وما يترتب عليه من زيادة سعره مقارنة بالعقار المخالف على الرغم من تقارب تكلفة بناء كل منهما .
واوضح ان محافظة الجيزة استطاعت الاستحواذ على اكثر من نصف عدد المستثمرين لوجود العديد من الاحياء الراقية تحت رايتها والتى تتمتع بالتسجيل فى سجلات الشهر العقارى، بالاضافة الى مدينتى السادس من اكتوبر والشيخ زايد اللتين استحوذتا على اهتمام غالبية المستثمرين العقاريين الفترة الماضية نتيجة انخفاض اسعار الاراضى بهما مقارنة بالقاهرة الجديدة .
وارجع اقتناص العقارات السكنية نصيب الاسد من عمليات التمويل العقارى خلال العام الماضى الى العجز الواضح فى الطلب على العقارات السكنية نتيجة للزيادة المتسارعة فى عدد السكان، وفى المقابل تعانى السوق المصرية ازمة فى العقارات الادارية والتجارية ولكن لا ترقى نهائيا لمستوى ازمة العقارات السكنية .
ومن جانبه اشار ايمن عبد الحميد مدير تطوير الاعمال بالشركة المصرية للتمويل العقارى ان مقدار الزيادة فى اجمالى التمويل العقارى الممنوح العام بنهاية الربع الثانى مقارنة بالعام الماضى لا يعنى ان منظومة التمويل العقارى بها نشاط بل يعنى ان المنظومة عانت ركودا العام الماضى نتيجة للاحداث السياسية والامنية المتلاحقة، مرجعا الـ 908 ملايين الجديدة والـ 8 الاف عقد جديد الى اتجاه شركات التمويل العقارى لشراء محافظ المطورين العقاريين سواء المتعثرة او الراغبين فى تغيير انظمة حصولهم على الدفعات النقدية دون المساس بانظمة السداد المتعاقد عليها مع العملاء .
واوضح ان 90 % من هذه المحافظ تخص مطورين عقاريين يستهدفون شريحة العملاء محدودىالدخل، وهو ما انعكس على التقارير الرسمية بزيادة عدد الحاصلين على تمويل عقارى من فئة الدخول حتى 1750 جنيهًا، والوحدات السكنية حتى مساحات 66 مترًا .
وشدد عبد الحميد على ضرورة اجراء التعديلات المطلوبة على قانون التمويل العقارى 148 لسنة 2001 والتى ستكون لها بالغ الاثر على تنشيط ونمو حجم التمويل العقارى، مشيرًا إلي اهمية تعديل البند الخاص بالاعتداد بالوحدة محل التمويل كضمانة وحيدة وهو ما يصعب فى ظل عدم تسجيل الغالبية العظمى من الثروة العقارية، ولفت الى ان التعديلات المقترحة لهذا البند تتمثل فى الاخذ بمشروع السجل العينى فى التعامل مع الوحدة، بالاضافة الى اعطاء شركات التمويل العقارى حق البيع والشراء بما يشبه نشاط التأجير التمويلى، وهو المقترح الذى يحل 98 % من مشاكل قطاع التمويل العقارى فورا .
يذكر ان اهم التعديلات المقترحة يتركز فى تحديد اسعار الفائدة وتيسير اجراءات التسجيل العقارى واجراءات التنفيذ على العقارات وتقوية الدور الرقابى لهيئة الرقابة المالية غير المصرفية وتعديل المادة 35 من قانون صندوق دعم التمويل العقارى الخاصة بتحديد نسبة تحمل الصندوق من قيمة القسط بالاضافة الى استحداث بعض الاليات الجديدة فى انظمة التمويل العقارى بما يزيد من رقعة الشرائح المستفيدة من التمويل العقارى .
وفى سياق متصل قال مستشار احدى شركات التمويل العقارى العاملة بالسوق المحلية ان الزيادة الحاصلة فى اجمالى التمويل العقارى الممنوح هى زيادة طبيعية بالنظر لبدء جلاء اسباب ركود القطاع العقارى، متوقعا تضاعف هذه الزيادة فى الاعوام المقبلة بالتزامن مع عودة القطاع العقارى لسابق عهده .
وطالب الجهات المعنية بمنظومة التمويل العقارى بضرورة الوقوف على سلبيات قانون التمويل العقارى ومساوئه تمهيدا لعلاجها فى المستقبل القريب، لافتا إلى ان التمويل العقارى اذا تم تفعيله بالشكل الملائم سيكون الحل الامثل لمشكلة السكن فى مصر .