■ مع التحرك السريع من جانب البنك المركزى لتعزيز عملياتها
■ أشرف القاضى: الاهتمام بها يحسن حياة المواطنين ويدعم الخدمات المالية
■ أيمن أبوهند: نجاح التجربة يقفز بنسب الشمول المالى فى مصر
أجمع مصرفيون وخبراء على أن الإجراءات المتعلقة بالتكنولوجيا المالية التى اتخذها البنك المركزى الفترة الأخيرة تشكل أهمية كبيرة للسوق المحلية؛ إذ تعتبر باكورة التعليمات والخطوات التى تتخذها جهة رقابية فى مصر لتشجيع أفكار التكنولوجيا المالية، كما تعتبر خطوة مهمة نحو تحويل مصر لمركز إقليمى وعالمى مهم على مستوى التكنولوجيا المالية.
وأضافوا أن نجاح التجربة سيحدث ثورة فى مجال التطبيقات الخاصة بالتكنولوجيا المالية؛ خاصة أن دولة بحجم مصر تضم 100 مليون نسمة بها العديد من الأفكار الناشئة التى يمكن أن تؤثر على حياة المواطنين.
وشهدت الفترة الماضية إطلاق البنك المركزى لصندوق تمويل الابتكارات برأسمال مليار جنيه، ويعد هو الأول من نوعه فى السوق المحلية، ويستهدف انضمام مؤسسات تمويل دولية لتوفير الاستثمارات للشركات الناشئة فى مجال التكنولوجيا المالية فى مصر.
كما أطلق البنك المركزى «فنتك مصر» وهو أول مختبر تنظيمى لتطبيقات التكنولوجيا المالية فى السوق المحلية، متخذًا من المبنى التاريخى بوسط القاهرة مقرًا له، وهو يعد تجمعًا رسميًا لشركات التكنولوجيا المالية الناشئة، لتحصل على الدعم الفنى والتنظيمى من قبل البنك المركزى، وتصبح جاهزة للعمل بالسوق المحلية، وسبق ذلك إطلاق ملامح الاستراتيجية الوطنية للتكنولوجيا المالية التى تستهدف تحويل مصر لمركز إقليمى وهام، فيما يتعلق بتطبيقات التكنولوجيا المالية.
وأعلن «المركزى» سعيه لتدشين أول بنك رقمى فى مصر، كما فتح الباب للبنوك لتقديم طلبات لإنشاء بنوك رقمية تعتمد بشكل أساسى على الخدمات المالية الإلكترونية، وشرع فى دراسة لإصدار أول عملة رقمية مصرية، بجانب ذلك دشن المركزى مركز الاستحابة لطوارئ الحاسب الآلى لتأمين المعاملات المصرفية فى ظل انتشار الخدمات المالية الإلكترونية.
وفى تصريحات سابقة قال المهندس أيمن حسين: «طور البنك المركزى استراتيجية للتكنولوجيا المالية مدتها ثلاث سنوات برؤية أن تصبح مصر مركزا للتكنولوجيا المالية فى المنطقة فى السنوات الثلاث القادمة».
وأضاف حسين «إضافة إلى التمويل ستكون هناك بيئة تجريبية sandbox لاختبار البيئة التنظيمية، ويمكن لمن لديهم أفكار جديدة الحضور لاختبار أفكارهم لكى نتأكد من أنها ليست مُضِّرة، وتعمل فى نطاق برنامج تنظيمى سليم، وبعد ذاك البرنامج، يمكنهم بدء العمل فى السوق، ولأننا لسنا المنظمين الوحيدين ستتم الإجراءات بالتعاون مع جميع الجهات المعنية، بما فيها الهيئة العامة للرقابة المالية، وغيرها من المؤسسات».
ويوجد فى مصر العديد من النماذج التى حققت نجاحات كبيرة فى استخدام التكنولوجيا المالية للتأثير على حياة المواطنين، أبرزها شركة فورى التى تسيطر على أكثر من %50 من نقاط البيع بالسوق، بجانب شركتى بى ومصارى، وأمان التى انضمت مؤخرًا للسوق، ذلك بخلاف الشركات الناشئة مثل «حوشلي» التطبيق الذى يساعد المواطنين على الادخار، وشركة «تى باي»، و»دوباي» و»باى مي» و»ادفعلى دوت كوم»، بجانب العديد من المشروعات الأخرى التى مازالت فى مرحلة صغيرة وتحتاج لدعم فنى ومالى.
قال أشرف القاضى، رئيس المصرف المتحد، إن التكنولوجيا المالية لها العديد من الأهداف التى ستظهر مع مرور الوقت على الاقتصاد المصرى، بداية من تحسين حياة المواطنين، وإضافة مزيد من التسهيلات على عملية نشر الخدمات المالية، انطلاقًا إلى تنمية الاقتصاد القومى وزيادة معدلات التنمية.
وأشار إلى أن تدشين البنك المركزى لمركز فنتك مصر وإطلاق صندوق تمويل الابتكارات يهدف إلى تحقيق الشمول المالى، وتوسيع المظلة الخاصة به، انطلاقًا من سعى المجلس القومى للمدفوعات لتحويل مصر إلى اقتصاد رقمى خلال السنوات المقبلة.
وأوضح أن القطاع المصرفى سيحقق مردودًا إيجابيًا من هذه التطبيقات من خلال تطوير الخدمات المصرفية وفقًا لأحدث التكنولوجيات، وزيادة قدرته على ضم مزيد من المواطنين ضمن منظومة الشمول المالى، وخفض استخدام النقد الكاش، والتحديث المستمر للبنية التحتية للقطاع المصرفى المصرى.
وشدد على أن الإجراءات التى يتخذها البنك المركزى تستهدف تحويل مصر لمركز إقليمى على مستوى التكنولوجيا المالية خلال السنوات المقبلة.
وفى دراسة سابقة للبنك الدولى أشار إلى أن -10 %15 فقط من المصريين لديهم حسابات مصرفية، وهى واحدة من أكثر النسب انخفاضا فى العالم، وتؤكد الدراسة أن هذه النسبة المنخفضة سببها القطاع المصرفى نفسه؛ لأن خدماته لا ترقى إلى المستوى المطلوب، ففى مصر بلد المئة مليون نسمة عدد منخفض من الفروع المصرفية وأجهزة الصراف الآلى لكل فرد مقارنة بالدول ذات الدخل الفردى نفسه.
وتتركز غالبية هذه الخدمات فى المدن أكثر منها فى المناطق الريفية، وتعانى البنوك المملوكة للدولة من بطء فى الابتكار والتحديث، ورداءة فى المنتجات والخدمات.
وتفيد الدراسة أيضًا أن التطور فى القطاع المصرفى أمر فى غاية الأهمية لتحقيق النمو الاقتصادى، وخلق الوظائف فى دولة تتجاوز فيها معدلات البطالة بين الشباب نسبة %30، كما أن زيادة الوصول إلى الخدمات المالية ستساعد على خفض التفاوت الاقتصادى، ومعدل الفقر الذى يصل نسبته إلى %30.
وأوضحت أنه أصبح لدى المصريين فرصة أفضل للارتقاء بالخدمات المالية المتاحة من خلال التكنولوجيا المالية، والتى يسهل تطبيقها مقارنة بالخدمات التقليدية؛ بسبب معدل انتشار الهواتف المحمولة بنسبة %102، ووجود 28 مليون مستخدم للهواتف الذكية.
قال شريف سليمان، المدير الإقليمى لشركة CR2 بالشرق الأوسط وأفريقيا، إن التكنولوجيا المالية والاهتمام بها أصبح توجهًا عالميا، وكان لابد من خلق توجه محلى يتواكب مع هذا الاتجاه العالمى، خاصة أن مصر تسعى الفترة المقبلة لزيادة انتشار الخدمات المالية، لاسيما فى ظل انتشار العديد من الأفكار المهمة فى السوق المحلية على مستوى التكنولوجيا المالية.
وأشار إلى أنه فى حال نجاح التجربة المصرية فى مجال التكنولوجيا المالية سيكون لها الريادة على مستوى قارة أفريقيا، خاصة أن البنك المركزى هو المتبنى للأمر من خلال توفير مكان مخصص لهذه الشركات، وتوفير الدعم التنظيمى والمادى والتكنولوجى لها.
ولفت إلى أن العصر الحالى هو عصر رواد الأعمال، والدعم المادى ليس هو الجانب الوحيد الذى يحتاجه رواد الأعمال، لكن البيئة التنظيمية والرقابية والدعم الفنى أصبحت كلها محاور مهمة، موضحًا أنه لو نجحت التجربة الوليدة للبنك المركزى فى توفير أشكال الدعم المختلفة لشركات التكنولوجيا المالية الناشئة ستحدث طفرة ضخمة فى السوق المحلية.
وفيما يتعلق بكيفية التوفيق بين طريقة عمل شركات التكنولوجيا المالية الناشئة والإجراءات التنظيمية والرقابية للبنك المركزى قال سليمان، إن توجه البنك المركزى فى حد ذاته يعتبر تطورًا قويًا، ويعكس حرصه على معرفة طريقة تفكير هذه الشركات وكيفية التعامل معها.
قال أيمن أبوهند، الخبير الاقتصادى، إن انتشار تطبيقات التكنولوجيا المالية فى أى مكان يتطلب لا مركزية فى اتخاذ القرارات وإجراءات ميسرة لتشجيع انتشار مثل هذه الإجراءات، ورغم ذلك فإن القرارات التى اتخذها البنك المركزى مؤخرًا تعتبر تغيرًا نوعيًا على مستوى اهتمام الجهات الرقابية المصرية بفكر التكنولوجيا المالية.
وأشار إلى أن نجاح التجربة المصرية فيما يتعلق بالتكنولوجيا المالية سيكون له مردود إيجابى كبير على اتجاه الدولة لتطبيق الشمول المالى؛ خاصة أن عدد المتعاملين مع البنوك حاليا يمثلون فقط %10 من إجمالى من لهم حق التعامل مع القطاع المصرفى، ويتبقى %40، كما أن الاقتصاد غير الرسمى سيكون له فرصة كبيرة.
وأوضح أن التجارب على مستوى التكنولوجيا المالية لا تنجح فى فترة قصيرة، لكنها تحتاج إلى وقت للتجربة والتقييم، كما أنها تحتاج لقواعد حوكمة بسيطة وقوانين تعتمد على اللا مركزية فى اتخاذ القرار.
ولفت أبوهند إلى أن البنك المركزى يسعى فى الوقت الحالى للتوفيق بين التكنولوجيا الجديدة والأدوات الحديثة مثل الدفع عبر المحمول، وتطبيقات التكنولوجيا المالية من ناحية، وقواعد الحوكمة الصارمة، وتعليمات مكافحة الإرهاب، وغسل الأموال والإجراءات الرقابية من جهة أخرى.
وأضاف أن التجربة ومرور الوقت سيثبتان مدى قوة نقطة البداية التى انطلق منها البنك المركزى، والتعليمات الجديدة التى أصدرها، مشددًا على أن اعتراف الجهات الرقابية بهذا الأمر يعد فائدة كبيرة فى هذا التوقيت، وبعد ذلك يمكن تعديل التجربة إذا ظهرت فيها مشكلات معينة.
ويأتى الاهتمام بتطبيقات التكنولوجيا المالية بعدما قطعت البنوك شوطًا فى تطوير بنيتها التحتية لتطبق الخدمات الإلكترونية مثل الإنترنت البنكى، والموبايل البنكى، بجانب خدمات الدفع عبر الهاتف المحمول.
وتشير دراسة أخرى للتحالف الدولى للشمول المالى بالتعاون مع البنك المركزى حول الخدمات المالية فى مصر، إلى أن مستخدمى الدفع من خلال الهاتف المحمول فى مصر يصل لنحو 10.5 مليون حساب لـ9.4 مليون مستخدم بنهاية مايو الماضى، %71 من المستخدمين ذكور و%29 إناث، بينما تصل حجم العمليات الشهرية 1.8 مليون عملية بقيمة 727 مليون جنيه، ونحو 4.95 مليار جنيه تدور فى النظام خلال 2017.
ولفتت إلى أن نحو 32 بنكًا من إجمالى 38 بنكًا تطبق خدمات الإنترنت البنكى ولديهم نحو 1.4 مليون حساب على هذه الخدمات خلال مايو الماضى، مؤكدة أن السوق المصرية أمامها فرص قوية للنمو فى ظل وجود نحو 100 مليون شريحة موبايل، %48 منها هواتف ذكية، ونحو 31 مليون مستخدم للإنترنت.