تترقب شركات التأمين والرعاية الطبية أثار موجة التضخم العالمية والتى ستلقى بظلالها على أسعار الخدمات الطبية لترتفع بالتبعية تكاليف التأمين الطبى التى تعد باهظة بالأساس، وهو ما يلزم وحدات السوق للبحث عن استيراتيجيات فعالة وأخرى جديدة لاحتواء تكاليف هذا الفرع، بما فى ذلك ضوابط المطالبات وإدارة الحالات حتى يمكن السيطرة على الخسائر وعدم اللجوء لرفع الأسعار بصورة تعجيزية على العملاء، رغم حتمية ذلك ولكن بنسب عادلة وتتناسب مع قدراتهم الشرائية.
ورجحت مصادر لـ«المال» أن تقوم الجهات الرقابية بالتدخل والوقوف على أسباب أية زيادات غير مبررة من مقدمى الخدمة والاستجابة لشكاوى الجهات المرتبطة بها، علاوة على ضرورة إعادة النظر فى التسعير الخاص بهذا الفرع، والذى يشتهر بالمضارابات السعرية بين الشركات لقدرته على عمل حصيلة جيدة بالشركات من خلال زيادة الطلب عليه، إضافة إلى ضرورة بزوغ نجم التأمين الطبى متناهى الصغر، وكذا التحول الرقمى الذى يقلص بدروه التكاليف.
فتحى: ضرورة الوقوف على أسباب زيادات مقدمى الخدمات غير المبررة
قال الدكتور شريف فتحى يوسف العضو المنتدب لشركة عناية للرعاية الطبية، إن موجة التضخم المقبلة سترفع من أسعار التأمين الطبى لارتفاع تكلفة المستلزمات الطبية لكن يجب الوقوف على الأسباب غير المبررة لرفع أسعار مقدمى الخدمة الطبية للخدمات بشكل يفوق مستوى التضخم، خاصة أنها ترفع أسعارها سنويا فى ظل الظروف العادية.
وطالب فتحى بتدخل وزارة الصحة وتشديد الرقابة على مقدمى الخدمات الطبية (المستشفيات والعيادات الخارجية، معامل التحاليل والأشعة) لضبط أسعار الخدمات، لافتا إلى استفادتهم القصوى من أزمة “كورونا” برفعهم سعر الخدمة الطبية، علاوة على عمل تحاليل روتينية ليست لها داعى فى مثير من الحالات التى كانت ترد عليهم لإجراء جراحات أو غيرها من العلاجات.
وأضاف أن مقدمى الخدمة الطبية فرضوا رسوم تعقيم منذ بداية الجائحة، رغم أن هذه الأماكن يتم إجراء التطهير والتعقيم لها فى أية وقت وليس فى زمن الجائحة فقط، إضافة إلى التحاليل الروتينية.
وأشار إلى أهمية ظهور أنواع من التأمين الطبى أبرزها متناهى الصغر الذى يغطى الأساسيات لدى محدودى الدخل، خاصة الفترة القادمة لصعوبتها عى هذه الفئة، إضافة إلى ضرروة ظهور الدور المجتمعى للشركات والهيئات.
وأكد العضو المنتدب لشركة عناية ضرورة تسعير منتجات التأمين الطبى بشكل عادل حتى يمكن مواجهة زيادة الإنفاق على هذه القطاع الهام الذى لاغنى عنه من ناحية وحتى لايحدث ركود من ناحية أخرى.
وأوضح أن التحول الإلكترونى سيلعب دورا حيويا للغاية المرحلة المقبلة لعدة أسباب أبرزها تقليل الأخطاء البشرية وتوفير الوقت والجهد، خاصة مع زيادة الطلب على التأمين الطبى فى السنوات الأخيرة وتحديدا منذ بداية جائحة “كورونا”.
ولفت إلى ضرورة فلترة أى مقدم خدمة يثبت تورطه فى التعاون مع العميل لممارسة الغش أو الاحتيال فى الحصول على خدمات طبية ليست من حقه أو سوء استخدام على حساب باقى أطراف العملية التأمينية.
وتابع أن شركات إعادة التأمين تبحث عن المكسب لكن شركات التأمين التى تزاول الطبى وشركات الرعاية الطبية التى تعمل بنظام الإدارة تبحث عن التوازن بين المكسب والخسارة لأن الطبى تدفقاته النقدية يومية لذا تكون حناك خسائر حتمية لذا لابد أن تدير محافظها بشكل أفضل لتحافظ على المكسب، وبالتالى لاتخسر الظهير الاستيراتيجى لها معيد التأمين – حتى تتمكن من مواصلة مسيرتها بنجاح.
وأشار إلى ضرورة إحكام السيطرة على المصروفات التى تتم بشكل متزايد فى التأمين الطبى بشتى الوسائل حتى لا تواجه الشركات كارثة فى نهاية المطاف، خاصة أنه فرع متزايد الطلب عليه لذا لابد من التوازن بين أفضل الأسعار والشروط وبين ضبط التكلفة.
جميل: الصعود السنوي يصل إلى %20 والموجة المقبلة ستضاعفها
ومن ناحيتها، قالت الدكتورة دينا جميل الرئيس التنفيذى لقطاع الأعمال بالشركة اللبنانية السويسرية تكافل مصر لتأمينات الحياة، إن التضخم له آثار سلبية على كل القطاعات وأبرزها قطاع التأمين الطبى، خاصة أن غالبية مستلزماته مستوردة من الخارج مما ينذر بارتفاع أسعار الخدمات الطبية بسبب موجة التضخم التى بدأت فعليا.
وأشارت جميل إلى أن أسعار التأمين الطبى تزداد سنويا لعدة أسباب أبرزها ظاهرة حديثة تتبعها بعض المستشفيات وهى عدم اتباع البرتوكول العالمى الصحيح والذى يبدأ بالعلاج التحفظى واللجوء للعمليات الجراحية بشكل مباشر مما يرفع من معدل الاستهلاكات مما يسبب كارثة فى حجم الإنفاق على الطبى، وبالتالى نسبة خسائره، وبالتبعية تضخم ميزانية التأمين الطبى لدى العميل والتى قد تصل إلى الِضعف.
وأضافت أن أسعار التأمين الطبى فى الظروف الاعتيادية ترتفع من 5 إلى %10 سنويا لكن بفعل التضخم لن تقل عن %20 بأية حال من الأحوال مما يجبر سوق التأمين على تصحيح أوضاعه بإعادة النظر فى أسعاره من ناحية وتقليص معدل خسائره من ناحية أخرى.
وأوضحت أن شركات التأمين التى تزاول الطبى بالتعاون مع شركات الرعاية الطبية «TPA» يديروا محفظة الطبى للمؤسسات التى يتم التعاقد معها بتنظيم استهلاكاتهم، علاوة على أن أصحاب العمل بالمؤسسات أصبح لديهم وعى كبير بأهمية ترشيد الاستهلاكات حتى ينتفع العاملون كافة بالخدمات المقدمة لهم من شركة التأمين من ناحية وحتى تكون الزيادة السنوية مناسبة لهم لضمان استمرار التعاقد.
ولفتت جميل إلى إيجابية دور إدارة الموارد البشرية داخل مختلف المؤسسات التى لديها تأمين طبى جماعى على العاملين بتقنين العمليات الجراحية ورفض أى إجراء دون مبرر واضح وملزم مما يرفع من قدرات المؤسسة على الحفاظ على المزايا الطبية الممنوحة لها بعقود الطبى.
وأكدت الرئيس التنفيذى لقطاع الأعمال بالشركة اللبنانية السويسرية تكافل مصر لتأمينات الحياة أن موجة الأسعار التضخمية المقبلة سوف تردع من يمارس المضاربات السعرية بالتأمين الطبى لارتفاع معدل خسائره أكثر من الحدود المسموح بها مما يرغم الجميع الفترة القادمة على إعادة النظر فى الأسعار، وبالتالى انضباط إيقاع السوق بفرع الطبى.
وطالبت جميل الهيئة العامة للرقابة المالية بعمل قاعدة بيانات “Platform” مثل الموجودة لعملاء التأمين على الحياة الفردى ويتم فيها وضع جميع العملاء غير الملتزمين بتسديد مبلغ الوثيقه ومعدل استهلاكاته وإذا كان هناك سوء استخدام متعمد مما يرغم جميع الشركات على الانتظام وتعديل سلوك استهلاك الموظفين، علاوة على علم شركات التأمين بمثل هؤلاء العملاء ومحاصرتهم سيضمن عدم إساءة الاستخدام إلزام الشركات بسياسة اكتتابية سليمة.
وأكدت أن هيئة الرقابة المالية تحرص على حماية حقوق حملة وثائق التأمين وهو ما يتطلب تكويد العملاء بقاعدة البيانات وطرق دفعهم للأقساط ومدى التزام العميل بالدفع وسرعة السداد، وذلك مع كل تعاقد ويتم إجراء ذلك بطريقة مبسطة وسرية من خلال البطاقة الضريبية والسجل التجارى فقط للعميل.
مسعد: لابد من بحث نظام التسعير ومحاربة الغش والاتجاه لـ«الديجيتال»
ومن جانبه، قال معتز مسعد رئيس القطاع الطبى بشركة “أروب” للتأمينات العامة إن أسعار الطبى ستواجه طفرة كبيرة خلال العام المقبل بدءا من شعور الجميع بموجة التضخم العالمية المرتقبة والتى ستلقى بظلالها على أثمان كل الخامات والمستلزمات الطبية لكونها مستوردة وسيتم تحميل نقل وتأمين الشحنات عليها.
وأكد أن إعادة التأمين ترفع أسعارها بجميع أنواع التأمينات علاوة على زيادة الاستثناءات بكثير من الأنواع والملاحق الإضافية وستطول الارتفاعات الطبى مما يرفع التكلفة على أسعار التأمين الطبى، فضلا عن الزيادات التى ستطرأ من مقدمى الخدمات الطبية.
وانتقد مسعد التأثيرات السلبية التى تحدث نتيجة احتكار جهات بعينها تقديم الخدمة الطبية مما يؤثر بالسلب على أسعار الطبى، وهو ما يحتاج رقابة عليه من الجهات المعنية.
وأشار إلى أن التأمين الطبى لاغنى عنه ولايستطيع كل عميل أن يتحمل التكلفة منفردا لذا فهو فى حاجة إلى شركة تأمين تتحمل عنه إدارة محفظة التأمين الطبى الخاصة به سواء بشكل فردى أو داخل تعاقد جماعى لكن الإشكالية أن هناك شركات ما زالت تحرق الأسعار وهو ما يرفع نسبة الخسائر بدرجة كبيرة للغاية بلغت فى بعض الشركات %130.
وطالب شركات التأمين بوضع أسعار للتأمين الطبى فنية وعادلة لايوجد فيها تنازل من الشركة فى حقها عن القسط المناسب ولا يوجد بها إجحاف على العميل لعدم تعجيزه عن الحصول على الحماية الطبية اللازمة له.
وأوضح أن شركات التأمين يمكنها أن تنتهج خطة تسويقية مرنة بمعنى أن التعاقد الطبى طالما أنه يربح شركة التأمين من خلال المنافع التى يقدمها للعميل تستمر بها مع العميل من السنة الأولى فصاعدا، أما التى تحقق خسائر فلايتم التجديد بنفس السعر والمضاربة على حساب مصلحة السوق، لافتا إلى أن الشركة إذا كان لديها القدرة على حرق الأسعار حاليا فلن تستطيع عمل ذلك الفترة المقبلة لأن التضخم سيحكم قبضته.
وقال رئيس قطاع التأمين الطبى بشركة “أروب” إن أهم ما يمكن القيام به من جانب شركات الرعاية الطبية التى تعمل بنظام الإدارة هو الحصول على أفضل أسعار وشروط تعاقدية والحصول على خدمات تساعده على تحسين جدول المنافع بما يتناسب مع الأسعار المقدمة.
وأشار إلى الدور المهم الذى يقع على عاتق وسيط التأمين فى المرحلة المقبلة بضرورة توعية العميل بأهمية الحصول على الخدمة بالسعر المناسب لتمكين شركات التأمين من أداء التزاماتها علاوة على شرح سبب ارتفاع الأسعار ومبرر ذلك للعملاء وعدم إيهام العميل بمنافع بأسعار زهيدة لن تتحقق له حتى لا يفقد الثقة فى القطاع والرغبة فى الاستمرار بالتأمين.
ولفت إلى أن الشركة التى ستستمر فى مسلسل حرق الأسعار ستكون أولى المهددين بالخروج من السوق “out of market” إضافة إلى ضرورة تحليل البيانات لمعرفة حجم الخسائر حتى يتم تعديل النظام الخاص بتسعير العقود حسب المزايا المقدمة به وحسب تطور أسعارها وفقا للتضخم.
وأشار إلى أن التحول الرقمى ستكون له الأولوية فى المستقبل القريب فيما يتعلق بتقديم الخدمات الطبية لتوفير الوقت والجهد والتكلفة على جميع أطراف العملية التأمينية حتى تستطيع المنظومة أن تكمل مسيرتها فى ظل الأسعار المرتفعة والتى تضغط على الجميع من خلال تضاعف حجم المصروفات.
وأشار إلى أن التحول الرقمى سلاح ذو حدين، خاصة أنه يمكن حدوث حالات غش من خلاله وهو ما يحتاج إلى رقابة كبيرة لإحكام السيطرة على هذه النوعية من الحالات.