قرر البنك الوطنى السويسرى (المركزي) يوم الخميس الماضى، رفع أسعار الفائدة 75 نقطة أساس لتنتقل من المعدلات السلبية (- %0.25) إلى الإيجابية (%0.5) لتنتهى بذلك حقبة استمرت نحو عقد كامل من معدلات الفائدة السالبة فى أوروبا.
والسياسة السلبية للفائدة التى وصفتها “رويترز” بأنها “خيال علمى اقتصادى”، تم إطلاقها بعد الأزمة المالية 2008/2007 لإنعاش الاقتصادات، وقد قلبت هذه السياسة “الحكمة المالية المعتادة” رأسا على عقب، فقد كان على البنوك دفع رسوم لإيداع النقد فى البنوك المركزية، كما وجد بعض أصحاب المنازل رهونا عقارية تدفع لهم فائدة، وتلاشت المكافآت على الادخار.
ومع التخلى عن هذه الممارسة الآن (الفائدة السلبية) فى مواجهة التضخم المتسارع الناجم عن فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، تظل الشكوك قائمة حول فعاليتها وتحت أى ظروف سيتم استخدامها مرة أخرى.
قال كلاوديو بوريو، رئيس قسم النقد والاقتصاد فى بنك التسويات الدولية: “أعتقد أنه من المحتمل أن يكون الحاجز أعلى فى المستقبل”.
تقويض نموذج الأعمال المصرفية التقليدى
وأوضح التقرير أنه نادرًا ما تولد السياسة النقدية نفس القدر من الضجيج والغضب كما حدث عند لجوء أربعة بنوك مركزية أوروبية وبنك اليابان إلى معدلات سلبية فى أوائل عام 2010، مع العلم أن بنك اليابان هو السلطة النقدية الوحيدة الآن التى لا تزال متمسكة بسياسة معدلات الفائدة السلبية.
ومع اقتراب أسعار الفائدة فى ذلك الوقت فعليا من الصفر، نفدت ذخيرة البنوك المركزية التقليدية لدرء خطر الانكماش المباشر الذى يهدد بخنق الانتعاش الاقتصادى، لذا قررت البنوك أن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو الذهاب إلى ما دون الصفر بالنسبة لأسعار الفائدة.
استشاط رؤساء البنوك غضبا حينما لجأ البنك المركزى الأوروبى، والبنك المركزى السويدى، والمصرف الوطنى السويسرى، والمصرف الوطنى للدنمارك إلى الفائدة السلبية فى إجراءات قالوا إنها قوضت تماما نموذج الأعمال المصرفية التقليدى المتمثل فى القدرة على تحقيق أرباح من الإقراض.
وأشار التقرير إلى أن الأشخاص الذين اعتمدوا على العائد من مدخراتهم النقدية قد عانوا خلال فترة الفائدة المنخفضة للغاية وأسعار الفائدة السلبية فى أوروبا حتى لو شعروا بالسكينة من أن انخفاض التضخم يحمى مدخراتهم الأولية.
وقد تبين أيضا أن المخاوف من أن أسعار الفائدة السلبية قد تؤدى إلى سحب الأموال من البنوك لا أساس لها من الصحة.
فى الوقت الذى تفاخر فيه أحد البنوك الدنماركية بأول رهن عقارى سلبى فى العالم، أفاد الاقتراض الرخيص القطاع العقارى عبر رفع أسعار المنازل فى جميع أنحاء المنطقة.
وفى الأثناء أيضا، انخفضت أسهم البنوك فى منطقة اليورو بنحو %45 منذ عام 2014 رغم تحركات البنك المركزى الأوروبى لحمايتها بإعفاءات من الرسوم المفروضة على بعض الودائع وتسهيل الوصول إلى الاقتراض الرخيص للغاية.
ومع ذلك، لم تتضرر أرباح القطاع المصرفى الإجمالية بشكل كبير من معدلات الفائدة السلبية، إذ إن الجانب السلبى قابلته مكاسب فى استثمارات الأصول، وفقا لما خلص إليه تقرير إلى البرلمان الأوروبى من قبل مركز أبحاث “بروجيل” العام الماضى.
لكن المؤلف المشارك للتقرير جريجورى كلايز، اعترف بأن التأثير ربما كان أكبر لو استمرت التجربة لفترة أطول.
تقييم التجربة
من الصعب الإجابة عن السؤال حول ما إذا كانت المعدلات السلبية تحقق أهدافها بالفعل نظرًا للمدى المتواضع للتجربة، إذ لم يخفض أى من البنوك أسعار الفائدة عن سالب %0.75.
ويشير صانعو السياسة فى البنك المركزى الأوروبى إلى البيانات التى تظهر أن الإقراض فى منطقة اليورو كان يتقلص عامًا بعد عام فى 2010 حتى ساعدت المعدلات السلبية على تحويل ذلك إلى نمو بحلول عام 2016، رغم أن هذا النمو لم يصل أبدًا إلى مستويات ما قبل 2009.
ويشير آخرون إلى حقيقة أن فترة الفائدة السلبية تزامنت مع التسهيل الكمى الهائل الذى عزز به البنك المركزى الأوروبى والبنوك المركزية الأخرى فى جميع أنحاء العالم الطلب من خلال تريليونات الدولارات من شراء الأصول.
ويجادل بعض الاقتصاديين بأن المعدلات السلبية تخلق حوافز ضارة تؤدى فى النهاية إلى الإضرار بالاقتصاد – على سبيل المثال عن طريق الإبقاء على “الشركات الزومبي” التى تتغذى على الفائدة المنخفضة رغم فشلها، أو عن طريق إزالة الزخم الذى يدفع الحكومات لتبنى إصلاحات صارمة.
ورغم الهواجس، يقول آخرون إن التجربة أظهرت على الأقل لصانعى السياسات أن المعدلات يمكن أن تنخفض إلى ما دون الصفر.
وقال روهان خانا، الخبير الاستراتيجى فى بنك UBS فى لندن: “سيتم التحدث عنها (الفائدة السلبية) دائمًا على أنها شيء لا يزال موجودًا فى مجموعة أدوات السياسة النقدية، أشك بشدة فى أن هناك من هو مستعد للقول بعدم عودة المعدلات السلبية مرة أخرى”.