يحظى مجال شراء الخدمات الملموسة باهتمام أكبر بكثير من منتجات التأمين، ويعود السبب في ذلك إلى اعتبار التغطيات خدمة مستقبلية غير ملموسة، على عكس السلع الملموسة اللحظية التي ارتبطت دائما بمفاهيم الترويج والإعلان والتسويق، بينما أصبح البحث عن الأمان والادخار للمستقبل والمخاطر المرتبطة بذلك من أهم عوامل اتخاذ قرار شراء وثيقة تأمين، إضافة إلى أن مفاهيم الفوائد المالية للتأمين (عوائد الاستثمار، القروض)، والادخار، ومكافحة التضخم، وتقاسم الأرباح تعد عوامل مؤثرة على قرار شراء التأمين.
بينما تشهد شركات التأمين تغييرات وتطورات متسارعة على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، ما يعرضها لتحديات متنوعة، وتعد العولمة وتخفيف القيود التنظيمية والتقدم التكنولوجي والخصخصة من أهم التغييرات الراهنة التي تؤثر بشكل مباشر على شركات القطاع في المنطقة والعالم.
“المال” تدرس قضية الأثر الإيجابي لقطاع التأمين على الاقتصادات القومية، من وجهة نظر دراسات أجراها باحثون من مناطق مختلفة بالشرق الأوسط.
وقبل البدء في التحقيق التالي، لا بد من معرفة أن شركات التأمين تواجه تحديات، أهمها توفير تغطية وخدمات مناسبة وكافية في عصر كثافة الحوسبة والروبوتات والاتصالات الفورية والمنازل والمصانع الحديثة ووسائل النقل الجوي والبحري والبري، ما أدى إلى مضاعفة حجم المخاطر ودرجتها، وهو ما يقتضي تبني وتخصيص فكرة التأمين لمواكبة عجلة التقدم والتطور، الأمر الذي يتطلب توفير تغطيات جديدة.
والجراف التالي يوضح صافي استثمارات قطاع التأمين المصري في العام المالي 2022/2023 مع حصر السنوات المالية منذ 2013/2014 وحتى 2022/2023، وفقا لبيانات “الرقابة المالية”:
ومن ثم، فإن أسواق التأمين العربية في أمس الحاجة إلى تبني وتخصيص فكرة التأمين لمواكبة عجلة التقدم والتطور، بينما على الرغم من تلك الأهمية المتنامية لخدمات التأمين في العالم المتقدم ودورها الكبير في خدمة الاقتصاد هناك وتأثيرها الإيجابي على الاقتصاد الوطني، إلا أن الاهتمام بالتأمين في الوطن العربي لم يصل بعد إلى المكانة اللائقة بين الأنشطة الاقتصادية الأخرى، وربما يكون هذا هو التحدي الأكبر للمختصين في مجال التأمين في الوطن العربي، ومن مسئولية الشركات حل مشكلاته.
ولكن.. هل للتأمين تأثير على المتغيرات الحيوية في الاقتصاد؟
في دراسة مصعب بالي ومسعود صديقي، المعنونة بـ”مساهمة قطاع التأمين في نمو الاقتصاد الوطني” التي حصلت “المال” على نسخة منها، كشف الباحثان أن التأمين يواكب تطور المخاطر بأنواعها، حيث يعمل على الحفاظ على هدفه الأساسي (الحماية)، حتى وإن كان وسيلة للمضاربة، فإن الدولة تفرض رقابة خاصة على شركات التأمين، تتمثل في الحفاظ على التزاماتها تجاه المؤمن لهم، من خلال تكوين احتياطيات متنوعة، ومع كل هذا، يراعي التأمين، إضافة إلى المصلحة الفردية، المصلحة العامة، حيث يقوي الاقتصاد الوطني ويصبح عامل إنتاج من خلال الحفاظ على وسائل إنتاج أخرى، وبالتالي العائد الاقتصادي.
وأضافت الدراسة المنشورة بـ”المجلة الجزائرية للدراسات المحاسبية والمالية، عدد2، 2016″ أن التأمين يعمل على جمع مبالغ كبيرة من الأموال من خلال الاحتياطيات الفنية، لأن القسط يتم تحصيله قبل تقديم الخدمة، وبالتالي، لا تقوم شركات التأمين باكتناز تلك الأموال، بل تستثمرها في أشكال مختلفة (أسهم، سندات، عقارات، إلخ)، ومن ثم، المساهمة في تمويل المشاريع الاقتصادية عن طريق تشجيع إنشاء مشاريع جديدة، ما يؤدي إلى رفع مستوى معيشة الأفراد وبالتالي تحقيق الاستدامة الاجتماعية.
وبيّن الباحثان بدراستهما، أن التأمين يسهل عملية الحصول على القروض بفضل الضمانات التي يقدمها للموردين، وبالتالي، يساهم في تكوين الدخل القومي عن طريق خلق قيمة مضافة للاقتصاد من خلال تشجيع الاستثمار من خلال الاطمئنان والضمان الذي يوفره.
وذكرت الدراسة أن التأمين يمثل بندا في ميزان المدفوعات، وتحديدا في ميزان حركة رأس المال، حيث يتم تسجيل أقساط إعادة التأمين التي تحولها الشركات الوطنية بموجب الاتفاقيات المبرمة مع شركات تأمين خارجية، وكذلك إدارة حافظة الأوراق المالية لشركات التأمين وإعادة التأمين في الخارج، ويرتبط تأثير التأمين على ميزان المدفوعات برصيد عمليات التأمين، الذي يمثل الفرق بين الأموال الواردة والصادرة، وبالتالي، فإن حجم التدفق الطبيعي للأموال إلى الخارج يتناسب عكسيا مع درجة نمو صناعة التأمين المحلية.
ويمكن الاطلاع على الدراسة كاملة فيما يلي:
التأمين مقابل التضخم.. ما دوره؟
ويلعب التأمين دورا مهما في الحد من الضغوط التضخمية الناجمة عن زيادة كمية النقود المتداولة، وقد أوضحت ذلك دراسة طرفة شريفي ورافد محمد بعنوان “دور قطاع التأمين في النشاط الاقتصادي” حصلت “المال” على نسخة منها، أن زيادة الطلب على التأمين بشكل حتمي يؤدي إلى حجز الأموال التي كان من الممكن إنفاقها، حيث يقوم الأفراد بتوجيه جزء من دخولهم إلى دفع أقساط التأمين بدلا من إنفاقها على سلع وخدمات أخرى، ما يقلل من الطلب الكلي ويخفف الضغط على الأسعار.
وكشفت الدراسة المنشورة بـ”مجلة تشرين للبحوث والدراسات العلمية، سلسلة العلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد30، العدد4، 2008″، أن التأمين مصدر مهم للموارد المالية لإعادة الاستثمار في المشاريع الإنتاجية، ما يزيد من حجم السلع والخدمات المعروضة، ويحقق التوازن في النهاية بين العرض والطلب.
وبيّن الباحثان أن أقساط التأمين تساهم في تكوين الدخل القومي من خلال تحقيق القيمة المضافة، التي تقاس بالفرق بين عدد العاملين في القطاع (أي إجمالي الأقساط الصادرة خلال العام) والمبالغ الإجمالية المدفوعة للآخرين، بينما يسهم الدفع المباشر للموارد إلى الاقتصاد الوطني، من خلال سداد مبالغ التأمين للمؤمن لهم، إضافة إلى تزويد الاقتصاد الوطني بالسيولة من خلال تمويل المؤسسات الخاصة أو الحكومية بالسلع والخدمات عن طريق استثمار أموال التأمين.
وأوضحت الدراسة أن توفير رأس المال للاستثمار في مشاريع متنوعة، من الأهداف الأساسية للتأمين، إضافة إلى تشجيع القطاع حملة الوثائق على الادخار والاستثمار وتسهيل منح الائتمان، الذي يلعب دورا جوهريا في التنمية الاقتصادية وتطوير قطاع النقل، من خلال توفير الضمانات للمنشآت التجارية والمالية.
ويمكن الاطلاع على الدراسة كاملة فيما يلي:
التأمين.. دور فعال يحتاج إلى إلى المزيد
وبيّنت دراسة حورية عبد العزيز بعنوان “التأمين ودوره في التنمية الاقتصادية – دراسة مقارنة بين التأمين التجاري والتأمين التكافلي : الجزائر أنموذجا خلال الفترة 2010-2020” حصلت “المال” على نسخة منها، أن قطاع التأمين واحد من القطاعات الاقتصادية الحيوية التي شهدت تطورا ملحوظا على مر السنين، بينما تعد تطبيقات التأمين متعددة الأوجه داخل الاقتصاد، حيث تساهم منتجاته في الحفاظ على الاستقرار المالي للأفراد والأسر، وحمايتهم من الصدمات المالية التي غالبا ما تتجاوز قدراتهم بسبب ظروف غير متوقعة، مثل الأمراض أو الحوادث أو الوفيات من خلال منتجات التأمين الطبي ومنتجات الحماية والادخار.
وأشارت الدراسة المقدمة لنيل درجة الدكتوراة من جامعة الحاج خضر، إلى أن منتجات التأمين تعد جزءا لا يتجزأ من إستراتيجية إدارة المخاطر للشركات والمنشآت، حيث يمكنها حماية الممتلكات والمعدات والمصانع وتعويضها ماليا عن الخسائر الناتجة عن الحرائق أو الكوارث الطبيعية أو إجراءات أخرى مثل تأخير التصنيع أو تسليم البضائع وضمانات التجارة الدولية وغيرها، ما يعزز شهية المستثمرين لزيادة رؤوس أموالهم في مختلف المشاريع الاقتصادية.
وأضافت الباحثة أن قطاع التأمين يشجع المستثمرين الأجانب على دخول السوق والمنافسة مع شركات التأمين المحلية، بفضل البيئة التنظيمية والدعم الذي يشهده القطاع، من حيث وضع قواعد التكنولوجيا المالية في التأمين، مع دفع نحو عمليات الاندماج والاستحواذ، ما يؤدي إلى إنشاء شركات تأمين كبيرة برأسمال ضخم، تقدر على تلبية احتياجات السوق بشكل أفضل، وضمان المزيد من التطوير والنمو للسوق.
واقترحت الدراسة أن نطاق الخدمات التأمينية لا بد يعمل على المبادرات وجذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية وتعزيز سهولة ممارسة الأعمال في البلاد.
وللاطلاع على الدراسة كاملة من هنا: