التأمين الزراعى يحتاج إلى تطوير فى الاكتتاب والتسعير

فى ظل انخفاض الطلب عليه وارتفاع تكلفته

التأمين الزراعى يحتاج إلى تطوير فى الاكتتاب والتسعير
إبراهيم الهادي عيسى

إبراهيم الهادي عيسى

8:27 ص, الثلاثاء, 4 أكتوبر 22

تعد الأنشطة الزراعية من أهم أنواع الاستثمار وأكثرها نجاحًا فى دفع عجلة الاقتصاد، حيث إنها تعد أساس الاستقرار الاقتصادى والاجتماعى الذى يرتكز على التنمية المستدامة.

وقد أثقلت الخسائر التى يتعرض لها قطاع الزراعة بشقيه الحيوانى والنباتى كاهل المزارعين والمربين، ما دفع العديد منهم إلى العزوف عنه، وحالت عوامل كثيرة دون دخول الكثير إلى هذا النوع من الاستثمار، يأتى فى مقدمتها «التأمين الزراعى» الذى ما زال غائبًا عن سوق التأمين المصرى وخارج حسابات المؤسسات العاملة بالمجال.

يُعد «التأمين الزراعى» أحد أهم الوثائق المهمة للمزارعين والمستثمرين بالمجال، إذ يستطيعون من خلالها تعويض ما قد ينتج عن الأخطار المتوقعة التى تواجهها محاصيلهم.

ويعتبر ضعف التأمين الزراعى هو نتيجة لعزوف عدد كبير من المزارعين والمربين عن الاستثمار بالقطاع، بسبب الظروف الاقتصادية وارتفاع قيم الوثائق التأمينية وعدم شمولها لجميع جوانب الأخطار، ناهيك عن أن معظم العاملين بالمجال من متوسطى ومحدودى الدخل التمركزين فى الأرياف، الواقعين تحت رحمة الظروف المناخية التى يمكن أن تشل دخولهم الأسرية بأى وقت.

الوثائق تقتصر على تغطية خطر الحريق

قال الدكتور خيرى عبد القادر؛ رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للمجموعة الدولية للاستشارات التأمينية ICI وخبير التأمين الاستشارى وأستاذ التأمين بكلية التجارة فى جامعة القاهرة، أن التأمين على الماشية والخيول تجربة قديمة شهدها السوق المصري، وكانت -وما زالت- تغطى نفوق الماشية والأمراض -سواء كان فرديًا أو جماعيًا-، الأمر الذى يعتبر هامًا جدًا فى مشروعات الثروة الحيوانية الضخمة والكيانات الكبرى، لأن أصحابها يحرصون على أخذ تلك الخطوة؛ اطمئنانًا على ما تحت أيديهم من أموال.

عبد القادر: الشركات لم تنجح فى تسويق التغطية بشكل جيد

وعزا «عبد القادر» عزوف الأفراد عن شراء ذلك النوع من التأمين، إلى أن معدل خسائره بسيطًا، ما يؤدى إلى انخفاض تعويضاته، وهو ما يُسفر عن انخفاض الطلب من قبل العملاء ومطالبهم بخفض سعر التغطية.

وأوضح أنه فى حالة زيادة إقبال الأفراد وصغار المستثمرين ومجموعات الشباب العاملين بأنشطة الزراعة والتسمين الحيوانى والداجنى والاستزراع السمكي، على شراء وثائق التأمين الزراعى سيساهم ذلك فى حصولهم على أسعار تنافسية من الشركات.

ولفت إلى أن شركات التأمين ستكتسب المزيد من الخبرة فى الاكتتاب على هذا النوع من التغطية مع تكرار إصدار وثائقه وصرف تعويضاته عبر حساب معدل الخسائر بدقة وفى ضوء التجربة العملية.

ويرى أن التأمين الزراعى فى مصر لم يأخذ حقه الأمثل من الاهتمام؛ نظرًا لعدم تمكن الشركات العاملة بالقطاع من إغراء المؤمَّن لهم بعروض مقبولة، فغالبًا ما تكون الأسعار مرتفعة كما أن الوثيقة لا تغطى كافة الأخطار المتوقعة.

ولفت إلى أنه فى التأمين على المحاصيل الزراعية تقتصر الوثيقة على تغطية خطر الحريق فقط.

واعتبر أن شركات التأمين العاملة بالمجال لا تقدم منتجات تأمينية لذوى النشاط الزراعى ضد خطر الآفات التى يمكن أن تصيب المحاصيل أو الحشرات الطائرة وغيرها التى يمكن أن تصيب بعض النباتات، مما أدى إلى ضعف الطلب على البوليصة من قبل الأفراد العاديين والمستثمرين الصغار، بينما لم يقبل عليه إلا الشركات الزراعية الكبرى.

وسيكون للتأمين الزراعى مستقبل واعد فى مقبل الأيام -والكلام ما زال لـ«خيرى»-؛ خصوصًا مع اتجاه الدولة إلى استغلال المساحات الزراعية الواسعة واستخدام الرى المحوري، ومن ثَم ستنشأ جمعيات بتلك المجتمعات الزراعية الجديد لتغطية المزارع والرؤوس الحيوانية ضد الأخطار.

ويقترح السبيل للارتقاء بذلك النوع من التأمين، حيث إنه سيقع على كاهل الشباب والمستثمرين الصغار الممتلكين لأراضٍ أو مزارع حيوانية؛ عن طريق الاشتراك فيما بينهم بإنشاء جمعيات تحمل عبء التعاقد وتسديد الأقساط لشركات التأمين، ولا سيما أن أصحاب النشاط الزراعى والحيوانى يتكبدون أثناء كل كارثة خسائر ضخمة، مثل الحمى القلاعية وإنفلوانزا الطيور وأزمة الجراد التى شهدتها البلاد من قبل.

واستطرد فى مقترحاته؛ حيث يرى أن قائمة «الأخطار الإضافية» لا تتوافق وطبيعة التأمين الزراعي، حيث لا بد من شمول تلك القائمة للمخاطر التى تتعلق بكل ما يخص نشاط الزراعة، بجانب مخاطر الحريق، مثل الكوارث الطبيعية مثل السيول والفيضانات والعواصف، والأوبئة والأمراض والحشرات الطائرة.

واعتبر أنه لا مفر من الأخذ فى الاعتبار «الأجزاء المكملة» للعملية، كالمحصول المزروع والأرض الجارى فيها العمل وأماكن إيواء الماشية والماكينات المستخدمة فى الرى وآلات الحرث، وكذلك لابد من نظرة أشمل تتمكن من تغطية المسؤلية المدنية عند وقوع حادث انتقل أثره إلى الغير، كالخسائر التى يمكن أن تصيب جيران المزرعة التى أصابتها الكارثة، أو خطر “توقف الأعمال”، الذى يصيب بعض العاملين جرّاء عدم تغطية المحصول للمطلوب أو خسارة المشروع.

ولفت إلى أن كل ذلك لا بد من دراسته وأخذه فى الاعتبار عند ضخ الدماء فى شرايين التأمين الزراعي.

لم يحظَ باهتمام كافٍ

أشار خالد القليوبي؛ مدير عام الأخطار الخاصة بشركة ثروة للتأمين، إلى أن إجمالى الأيدى العاملة بالزراعة لا تقل نسبتها عن %30 كما تساهم المحاصيل الزراعية بنسبة %15 من الناتج القومى المحلي، وتشارك الصادرات الزراعية بـ%20 من إجمالى الصادرات المحلية، مما جعل القطاع الزراعى واحدًا من أهم موارد الدخل القومى للبلاد.

عبد القادر: الشركات لم تنجح فى تسويق التغطية بشكل جيد

وأضاف أنه وعلى الرغم من أهمية مجال الزراعة؛ إلا أن تغطيات التأمينات الزراعية والمحاصيل بسوق التأمين المصرى -حسب «القليوبى» – لم تحظَ باهتمام كافٍ، حيث لم تصل إلى ما نجحت فيه التغطيات الزراعية حول العالم، لا سيما الدول النامية التى تتشابه ظروفها مع مصر بوجه خاص.

وأرجع ركود ذلك النشاط التأمينى إلى إحجام كثير من الشركات المسئولة عنه، فرغم كبر حجم قطاع الزراعة واستصلاح الأراضى والري، ما زال إقبال تلك المؤسسات على تأمينه ضعيفًا حتى الآن.

وزاد فى أسباب ركود ذلك المجال؛ أن الانتشار الكافى لم يجد إليه سبيلًا، لعدم وجود المنتجات التأمينية المناسبة له بأغلب شركات السوق المصري، الذى ما زال يعمل من خلال الوثيقة التقليدية للتأمينات الزراعية ونفوق الماشية، فضلًا على أن جزءًا كبيرًا من عزوف شركات التأمين ذلك المجال راجع لضعف الوعى التأمينى لدى المستفيدين، والذى سيؤثر حتمًا على حجم الأقساط وصعوبة عمل ترتيبات الإعادة التى لن تغرى معيدى التأمين لتوفير الغطاء الاقتصادى للشركات.

أمريكا والصين والبرازيل تجارب ناجحة

وبسط «القليوبى» القول فى تعدد تجارب التأمينات الزراعية الرائدة فى الأسواق العالمية، والتى تحتاجها البلاد بشدة، حيث بدأ من التغطيات البسيطة غير المعقدة إلى التغطيات الأكثر تخصصًا التى تغطى العطش الناتج عن نقص المياه أو الغرق بسبب موجات البرودة والأمطار والعواصف والسيول والآفات والأمراض.

ويسوق تجارب عالمية يحتاجها السوق المصرى فى المجال، فعلى سبيل المثال -والكلام لـ«القليوبى»- يغطى تأمين المحاصيل المتعددة المخاطرMulti-peril crop insurance (MPCI) ما ينجم عن جميع الكوارث الطبيعية والمناخية والبيولوجية، وذلك النوع هو الأكثر شيوعًا فى الولايات المتحدة والصين والبرازيل وبعض الدول الأوروبية والأفريقية، بينما تغطيات إيرادات المحاصيل Revenue crop covers، هو امتداد لتغطيات الـ(MPCI)، وتستند إلى تقييم ثمن الغلال وأسعار المحاصيل، ويتم بها تعويض المزارعين عند انخفاض الإيرادات الفعلية عن المتوقعة أو المضمونة، التى يسببها انخفاض الغلة وأسعار المحاصيل، فى حين أن تأمين الثروة الحيوانية Livestock insurance يغطى الماشية والدواجن ضد النفوق الناجم عن الأمراض غير الوبائية والحرائق والمخاطر الطبيعية والذبح الاضطراري.

واستطرد فى بسط التجارب الناجحة عالميًا، حيث زاد أن تأمين تربية الأحياء المائية Aquaculture insurance يسهم فى تغطية إنتاج الأسماك داخل وخارج المزارع السمكية، مقابل الخسائر الناجمة عن الأخطار الطبيعية أو الأمراض أو الافتراس، فضلًا على تأمين الغابات Forestry insurance الذى يعوض أصحاب مزارع الأشجار عن خسائر الحرائق والعواصف، كما يمكن مد التغطية لتكاليف مكافحة الحرائق وإعادة إنشاء وزراعة مناطق الغابات التى أصابها ضرر.

وأنهى «القليوبى» عدّ التجارب بمثال تحتاجه السوق المصرية بشدة، وهو تأمين تدفئة الصوبات الزراعية Green House Insurance، الذى يوفر تغطية ضد الأخطار الطبيعية، والنباتات ضد الصقيع، وخسائر أنظمة التدفئة للصوبة المتضررة، والمعدات ضد تعطل الآلات أو الحريق.

ويشيد «القليوبى» بتوصية الاتحاد المصرى للتأمين بالوقوف على نوعية المزارعين والمخاطر التى يواجهونها، لتوفير التغطيات المناسبة لهم، ومن ثَم إنشاء قانون لصندوق التكافل الزراعي، ليكون نواة لدعم هذا النوع من التأمين.

ونوّه إلى ضرورة نشر الوعى التأمينى لدى المنتجين والمزارعين والرأى العام، والذى يسهم فيه أيضًا الوقوف على حجم الأراضى الزراعية بالجمهورية، وتحديد الجهات التى يمكن مخاطبتها، لتوفير البيانات المطلوبة لدراسة حجم ونوعية الخدمات المطلوبة لهم.

انظار الدولة تتجة للثروة الحيوانية والزراعية

وأكد «جمال شحاتة»؛ مساعد العضو المنتدب لللإنتاج والفروع بشركة «إسكان للتأمين»، أن شركات التأمين تبحث حاليًا عن كل ما يخلق منتجًا جديدًا يساعد فى زعزعة الركود الذى ألقى بظلاله على القطاع مؤخرًا، وخيّم على جنباته، ومن المعروف عن القطاع أنه يكون داعمًا دائمًا لكل ما توليه الدولة اهتمامًا وعناية.

وتتجه أنظار الدولة حاليًا -حسب «شحاتة» – إلى الثروة الحيوانية والزراعية والداجنة، إذ تستهدف ارتفاع إنتاجية مدخلاتها، وكذا زيادة إدرارها بما يقترب من الإنتاج العالمى ويطابق ما سبقتنا إليه الدول ذات التجارب الرائدة، وذلك لمقابلة الاستهلاك المحلي، فضلًا عن العمل من خلال خطط طويلة الأجل لتصدير الفائض.

وقال «شحاتة» أنه من المدهش لنا حينما نعلم أن هولندا تمتلك 11 مليون بقرة أو أقل، إلا إنها تغطى احتياجات العالم وتشبعه، فى الوقت الذى تمتلك فيه إثيوبيا من الأبقار 55 مليونًا والسودان 45 مليونًا، إلا أنهما بلدان يعانيان من المجاعات، فكان اتجاه الدولة هو التحول من دور الاستهلاك إلى تغطية الاحتياج، على الأقل فى المرحلة الحالية، ومن ثَم التصدير فيما بعد، ولا بد أن يتوافر لذلك المشروع القومى ظهير قوى يوفر له الحماية اللازمة حال تعرضه لأخطار، ومن هنا يظهر جليًا دور التأمين فيما يقدمه من حماية لتلك الثروات تعينها على الاستمرار وعدم توقف أنشطتها حال تعرضها لأية أخطار.

ويبرهن “شحاتة” على تطوّر النشاط بأن فرصًا كبيرة شاهدة حية على نمو هذا النوع من التأمين (المحاصيل الزراعية – نفوق الماشية)، إلا أن بعض التحديات ما زالت قائمة، لا سيما فى التأمين الزراعى الذى لم ينفك يبحث عن الوعى للإقبال عليه، أما تأمين نفوق الماشية فهو يختلف نوعًا ما عن التأمينات الزراعية؛ نظرًا لاشتراط الجهات المانحة تسهيلًا للمشروعات (كمشروعات التسمين والحلاب والسمكية والداجنة) أن تمتلك وثيقة تأمين.

ومن ثَم -من وجهة نظر «شحاتة» – يعد الأمر أسهل نسبيًا للوصول للمشروعات المتعلقة بالتسمين والحلاب والسمكية والداجنة، إذ ليس هناك ثمة صعوبة فى تحصيل الأقساط المتعلقه بها، وكذا فلا يوجد نزاع فى تسوية أية تعويضات قد تنشأ؛ نظرًا لما تطعته المعاينة السابقة على الإصدار من أشواط كفيلة بأن تذلل الخلافات المتوقعة.