أضرت جائحة فيروس كورونا وما يرتبط بها من انهيار في أسعار النفط، بمصدري النفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ هبط سعر خام برنت القياسي من حوالي 65 دولاراَ للبرميل قبل الجائحة إلى نحو 20 دولاراً للبرميل في أبريل 2020، لكنه ارتفع منذ ذلك الحين تدريجيا إلى مستويات ما قبل الجائحة، بحسب ما أعلنه البنك الدولي في تقرير عن أحدث المستجدات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
جاء التقرير بعنوان “التعايش مع الديون: كيف يمكن للمؤسسات الحكومية أن ترسم مساراً للتعافي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.
وأضاف البنك الدولي أن التقديرات كانت تشير إلى أن عائدات تصدير النفط، وهي المصدر الرئيسي للدخل للعديد من منتجي النفط بالمنطقة ستنخفض بنسبة 38% في عام 2020، وفق تقرير الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي أكتوبر الماضي.
ولفت البنك إلى أن هذا كان الاتجاه على الرغم من القفزة الأخيرة في سعر النفط والمرتبطة بالصراع في المنطقة.
ومع ذلك كانت تداعيات الجائحة ملموسة في مختلف القطاعات وليس في قطاع الطاقة فحسب؛ فقد تضررت الشركات بالمنطقة بشدة، وانخفض إجمالي صادرات المنطقة ولم تتعاف إلا جزئيا.
ولفت إلى تراجع الصادرات السلعية من المنطقة بنسبة 44% على أساس سنوي في الربع الثاني من عام 2020، كما واصلت انخفاضها على أساس سنوي بنسبة 17% في الربع الثالث و10% في الربع الأخير، وفق مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية 2020-2021.
وذكر التقرير أن الجائحة وضعف التجارة العالمية وجها ضربة قاسية لقطاعات مثل السيارات في المغرب وتونس وإيران، والمنسوجات في الأردن ومصر.
وأشار إلى أن القيود المفروضة على النقل والسفر تؤثر بصورة مباشرة على تجارة الخدمات، بما في ذلك السياحة التي تشكل مصدرا مهما للدخل للعديد من بلدان المنطقة، لافتا إلى أنها كانت تعادل على سبيل المثال 25% من الصادرات المصرية و41% من صادرات الأردن عام 2018، حسب مؤشرات التنمية العالمية.
وأوضح البنك أن البيانات المتاحة شديدة التواتر تشير إلى انهيار السياحة وحركة الطيران في المنطقة تماما في أبريل 2020، لكنها تعافت قليلا منذ ذلك الحين، ولكن بالنسبة للبلدان الأربعة التي تتوفر عنها بيانات وهي تونس ومصر والسعودية والمغرب ظلت أقل بنسبة 60% إلى 80% في فبراير2021، مقارنة بفبراير 2020.
كما ترسم البيانات الخاصة بمؤشر مديري المشتريات المتوفرة عن بضعة بلدان في المنطقة صورة لتعاف متفاوت وعصيب، فارتفاع المؤشر عن 50 يعني توسعا في الاقتصاد خلال الشهر السابق وإذا انخفض عن 50 فإن ذلك يعني انكماشا.
وبحسب البنك، فإن المؤشر بالنسبة للإمارات ومصر يحوم حول 50 منذ يوليو، مما يشير إلى أن الاقتصاد في البلدين لم يتعافى من أدنى مستوياته التي بلغها في أبريل2020، أما بالنسبة لقطر والسعودية فيتجاوز المؤشر 50 حتي شهر فبراير 2021 مما يدل على تعافٍ طفيف، ويقل مؤشر مديري المشتريات في لبنان عن 45 منذ فبراير الماضي، مما يشير إلى استمرار الانكماش الاقتصادي.
ويقول التقرير إن التحديات الإنمائية القائمة منذ زمن طويل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تفاقمت بسبب جائحة فيروس كورونا، التي أسهمت في زيادة معدلات الفقر وتدهور أوضاع المالية العامة وزيادة الاقتراض، واستمرار تآكل الثقة في الحكومات.
وتحدث التقرير عن ارتفاع حجم الديون الحكومية بشكل ملموس؛ نظراً لاضطرار حكومات المنطقة إلى الاقتراض بشدة لتمويل تدابير الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية الأساسية، مؤكدا ضرورة مواصلة بلدان المنطقة الإنفاق على الرعاية الصحية والتحويلات النقدية لذوي الدخل المحدود، وهو ما سيضيف عبئاً إلى أعباء الديون المتضخمة بالفعل، مما سيقودها إلى اتخاذ قرارات معقدة على مستوى السياسات بعد انحسار الجائحة.
وأشار التقرير إلى الأضرار الاقتصادية الجسيمة التي خلفتها جائحة كورونا حتى الآن، وأيضاً التداعيات طويلة الأجل الناجمة عن الزيادة الهائلة في الدين العام، والخيارات الصعبة التي ستواجهها الحكومات، حتى مع انحسار هذه الأزمة التي ضربت الصحة العامة في كافة البلدان.