البتكوين بين الفرص الذهبية والمخاطر الكارثية

لكن يبقى السؤال: لماذا يجذب البتكوين المستثمرين؟

البتكوين بين الفرص الذهبية والمخاطر الكارثية
المال - خاص

المال - خاص

9:48 ص, الخميس, 10 أبريل 25

فى عالم يتطور بسرعة هائلة، لم يعد الحديث عن المال يقتصر على العملات التقليدية أو الورقية فقط، بل امتد ليشمل أصولًا رقمية غيّرت مفاهيمنا التقليدية عن الثروة والاستثمار. وعلى رأس هذه الأصول يأتى البتكوين، تلك العملة الرقمية التى أثارت جدلًا واسعًا منذ ظهورها فى عام 2009. بين مؤيدٍ يراها مستقبل المال والتطور الرقمى السريع، ومعارضٍ يحذر من مخاطرها الكبيرة، إلا أنه تظل عملة البتكوين مليئة بالإثارة، تجمع بين الفرص الذهبية والمخاطر الكارثية.

لكن يبقى السؤال: لماذا يجذب البتكوين المستثمرين؟

يمكن القول إن البتكوين يُدر عوائد مالية خيالية فمَنْ منا كان يتخيل أن عملة رقمية ظهرت بقيمة أقل من دولار واحد ستصل إلى قيم تتجاوز 60 ألف دولار للبتكوين الواحد؟ وقدم أيضاً البتكوين عوائد مالية غير مسبوقة للمستثمرين الأوائل الذين كانوا يستثمرون فى العملات التقليدية أو الذهب أو البورصة، مما جعلها واحدة من أفضل الاستثمارات أداءً فى العقد الماضي. وهذه العوائد العالية تجذب المستثمرين الذين يسعون إلى تحقيق ثروات كبيرة بصورة سريعة.

وأهم ما يميز البتكوين هو الاستقلالية والتحرر من الأنظمة التقليدية للعملات حيث أن البتكوين يعتمد على تقنية (البلوكشين) وهى نظام لا مركزى ولا يخضع لسيطرة الحكومات أو البنوك. ومفاده أن المستخدمين يمكنهم إجراء المعاملات المالية دون الحاجة إلى وسيط، مما يوفّر حريةً ماليةً غير مسبوقة، خاصةً فى الدول التى تعانى من أنظمة مالية فاسدة أو غير مستقرة،

ويعتبر البعض أن البتكوين هو الذهب الرقمى فى أوقات التضخم أو فى حالة انهيار العملات الرقمية التقليدية وأنه من الممكن أن يكون البتكوين ملاذاً آمناً للحفاظ على القيمة الفعلية للأموال، وأنه ليس مجرد عملة رقمية، بل هو بوابة إلى عالم من الابتكارات التكنولوجية، فتقنية البلوكشين التى تعتمد عليها البتكوين لديها تطبيقات واسعة فى مجالات مثل العقود الذكية، التمويل اللامركزى (DeFi)، وحتى إنشاء أنظمة حوكمة جديدة بعيداً عن أنظمة الرقابة الحكومية والمركزية.

لكن على النقيض من الرأى السابق نجد من يدق ناقوس الخطر بأن البتكوين يؤدى إلى مخاطر كارثية حيث إن البتكوين معروف بتقلباته السعرية الحادة والجنونية أيضاً. ففى يوم واحد، يمكن أن ترتفع قيمة البتكوين بنسبة %20 وفى اليوم التالى تنخفض بالنسبة نفسها أو أكثر. وهذه التقلبات تجعل الاستثمار فى البتكوين أشبه بالمجازفة الخطرة، حيث يمكن أن تخسر كل شيء فى لحظة واحدة.

فضلاً عن غياب التنظيم الحكومى للبتكوين حالياً حيث لا تزال الحكومات حول العالم تتخبط فى كيفية تنظيم العملات الرقمية. وهذا الغياب للتنظيم الحكومى يخلق حالةً من القلق وعدم اليقين، حيث يمكن أن تؤدى أية قرارات حكومية مفاجئة إلى انهيار سوق البتكوين بأكملها.

ولعل مخاطر القرصنة والأمان أبرز ما يشوب البتكوين فعلى الرغم من أن تقنية البلوكشين آمنة، إلا أن المحافظ الرقمية ومنصات التداول ليست محصنة بالقدر الكافى ضد القرصنة. وهناك العديد من الحوادث التى تم فيها سرقة ملايين الدولارات من البتكوين، مما يعرض المستثمرين لخسائر فادحة، ففى عام 2014 تعرضت منصة Mt. Gox، التى كانت فى ذلك الوقت أكبر منصة تداول بتكوين فى العالم، لاختراق أدى إلى سرقة 850.000 بتكوين، بقيمة 450 مليون دولار آنذاك وتعادل مليارات اليوم، وفى فبراير من العام الحالى قالت شركة العملات المشفرة “باى بت” Bybit، إن قراصنة إلكترونيين سرقوا ما قيمته 1.5 مليار دولار من عملة إيثيريوم والتى تعد أكبر عملة مشفرة من حيث القيمة بعد البتكوين، وبذلك قد تكون هذه أكبر عملية سرقة عملات من هذا النوع فى التاريخ.

وتتمثل أبرز المخاوف من البتكوين أن يتم استخدامه فى الأنشطة غير المشروعة مثل غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بسبب طبيعته اللامركزية وصعوبة تتبعه. وهذا الاستخدام السيئ قد يؤدى إلى تشديد الرقابة الحكومية وتقييد استخدام العملة الرقمية، وعدم وجود ضمانات أو تأمينات على الأموال المستثمرة فى البتكوين وذلك على عكس الأموال المودعَة فى البنوك المركزية. وإذا فقدت مفاتيح محفظتك الرقمية أو تعرضت للسرقة، فإن أموالك قد تختفى إلى الأبد دون إمكانية استردادها.

وينصح الخبراء بأنه يجب أن تتأكد من الفهم الكامل لكيفية عمل البتكوين والمخاطر المرتبطة بها وذلك قبل الاستثمار فيها، وعدم وضع كل الأموال فى البتكوين فقط بل يجب أن يتم التنويع فى عملات أخرى حيث إن التنويع فى الاستثمارات يقلل من المخاطر ويحمى من الخسائر الكبيرة، ويجب الاستعداد لتقلبات السوق والتقبل لمخاطره ولا تستثمر أموالًا لا تستطيع تحمل خسارتها.

ومن المنظور الدينى فإن رجال الدين حرَّموا التعامل فى البتكوين لوجود ضرر ناشئ عن الغرر والجهالة والغش فى مصرفها ومعيارها وقيمتها، وذلك يدخل فى عموم قول النبى صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا». فضلاً عما تؤدى إليه البتكوين من مخاطر عالية على الأفراد والدول، والقاعدة الشرعية تقرر أنه لا ضرر ولا ضرار.

وأخيراً يمكن القول إن البتكوين ليس مجرد عملة رقمية، بل هى ثورة مالية وتكنولوجية أعادت تعريف مفهوم المال. بين الفرص الذهبية التى تَعِد بالثراء السريع، والمخاطر الكارثية التى تهدد بالانهيار الشنيع.

كتب محمود الحلفاوي شركة/ زيلا كابيتال للاستثمارات المالية