إعداد ـ خالد بدر الدين
رغم أن أسعار البترول العالمية قفزت بنحو %2 مع نهاية الأسبوع الماضى، ليصل سعر برميل برنت إلى حوالى 50.5 دولار، فإن بدء السعودية مهاجمة أسواق روسيا التقليدية بتوريد شحنات بترول بأسعار منخفضة لدول شرق أوروبا، ومنها بولندا، يهدد الأسعار خلال الفترة المقبلة بموجة هبوط جديدة.
ومع ذلك فقد تكبّد البترول الأمريكى ومزيج برنت أكبر خسارة أسبوعية لهما، فى ثمانية أسابيع، بعدما توقعت وكالة الطاقة الدولية فى تقرير حديث أن تظل السوق العالمية مُتخَمة بالإمدادات حتى العام المقبل.
غير أن سعر برميل البترول ارتفع فى نهاية الأسبوع الماضى، بدعم من تراجع عدد المنصات البترولية العاملة فى الولايات المتحدة للأسبوع السابع على التوالى، فقد ارتفع سعر الخام الأمريكى 88 سنتًا عند التسوية، ليصل إلى 47.26 دولار للبرميل، غير أنه خسر حوالى %5 خلال الأسبوع الماضى.
ذكرت وكالة بلومبرج أن الدول المصدِّرة للبترول تشنُّ منذ هبوط أسعار البترول بأكثر من %50 خلال الـ12 شهرًا الماضية، حربًا عالمية للحفاظ على الحصص السوقية لها، لدرجة أن الدول المنتِجة التى تتمتع بإمكانيات مالية ضخمة، مثل المملكة العربية السعودية تستخدم سلاح خفض أسعار البترول لدخول أسواق جديدة، كما أنها تعتمد على استراتيجية التنافس على حساب روسيا التى تعد من أكبر منتجى البترول فى العالم، والتى تعانى من عقوبات اقتصادية من الغرب.
ويشتكى إيجور سيشين، الرئيس التنفيذى لشركة روسنفت، أكبر منتجة للبترول فى روسيا، من دخول السعودية السوق البولندية ومن ضخها شحنات ضخمة فيها، وهذا يعنى أن السعودية تسعى لإعادة تقسيم الأسواق الأوروبية التى تسيطر عليها روسيا منذ زمن طويل، مما جعل العديد من رؤساء شركات البترول الروسية يطالبون حكومة موسكو بتعديل استراتيجية الطاقة؛ لحماية مصالح روسيا فى الأسواق الأوروبية.
وتؤكد شركات المضاربة وتكرير البترول الأوروبية، أن السعودية تورِّد بترولها بخصومات ضخمة تمثل أسلوب إغراق وتجعله أكثر جاذبية من البترول الروسى، رغم أن شركات تكرير البترول فى شرق أوروبا تستخدم التكنولوجيا الروسية، علاوة على أن شركات البترول الرئيسية مثل إكسون وشل وتوتال وإينى، اشترت مزيدًا من النفط السعودى لمصافيها بغرب وجنوب أوروبا، على حساب البترول الروسى.
وقال أيضًا وزير الطاقة الروسى ألكسندر نوفاك، الأسبوع الماضى، إن دخول المملكة العربية السعودية أسواق البترول فى شرق أوروبا التى كانت روسيا تهيمن عليها، يمثل أصعب منافسة، وإن كانت كل دولة لها الحق فى البيع بأى مكان تراه ضروريًّا لها، وهذه المنافسة أصعب معركة تخوضها روسيا فى الوقت الراهن.
من ناحية أخرى قال سيث كلاينمان، مدير أبحاث الطاقة فى بنك سيتى جروب، إن السعودية تدرس تخزين الخام بميناء جدانسك البولندى لتستطيع تزويد العملاء فى شرق أوروبا بسرعة أكبر، كما فعلت لسنوات مع عملاء غرب أوروبا من موانئ فى هولندا أو بلجيكا، كما أن إمدادات جدانسك قد ترسل إلى ألمانيا لمنافسة البترول الروسى.
وإذا كانت وكالة الطاقة الدولية تتوقع أن تظل السوق العالمية متخمة بالإمدادات البترولية حتى 2016، فإن مبعوثين من وزارة الطاقة الروسية سيتجهون إلى فيينا لعقد «اجتماع فنى» مع مسئولين من منظمة الدول المصدِّرة للبترول (أوبك) قبيل نهاية هذا الأسبوع، لمنع تفاقم الحرب السعرية ووقف نزيف خسائر الدول المنتِجة للبترول.
وكانت حكومة السعودية تركز عادة على الأسواق الأمريكية والآسيوية، لدرجة أن موسكو باتت المورِّد الرئيسى لأوروبا، ولا سيما دول شرق القارة، كما كانت روسيا تحاول منذ سنوات أن تحل محل السعودية فى الأسواق الآسيوية التى كانت المملكة المورِّد المهيمن فيها بلا منازع، لكن السعودية تنفذ حاليًا تخفيضات أسعار جريئة فى أوروبا التى تعد السوق الرئيسة للبترول الروسى، مما يؤدى إلى مزيد من التعقيد فى الحوار بين موسكو ومنظمة أوبك، بشأن معالجة تخمة المعروض من البترول العالمى.
ويبدو أن الدول المنتِجة للبترول لن تتفق على تطبيق تخفيضات الإنتاج المشتركة، إذ تحاول كل دولة الحفاظ على حصتها فى السوق، وإن كان محللون يرون أن غزو السعودية أسواق شرق أوروبا يتعلق بضرب روسيا لأهداف المعرضة فى سوريا، كما يقول محللون آخرون إن الحرب السعرية ليست لها علاقة أيضًا بالعقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية، التى تسرى على معدات قطاع الطاقة وليس على إمدادات النفط والغاز الطبيعى، إذ إنها مجرد معركة تجارية على الزبائن مع قيام السعودية وروسيا، أكبر مصدِّرَين للبترول فى العالم، بزيادة الإنتاج رغم هبوط أسعار النفط العالمية.
ورغم أن السعودية أرسلت خلال السبعينات حوالى %50 من بترولها إلى أوروبا، لكن روسيا سيطرت على أسواق أوروبا بفضل حقولها الغنية غرب سيبيريا، مما جعل السعودية تتجه إلى أسواق آسيا، لكن من المتوقع فى الوقت الحالى أن تؤدى حرب أسعار البترول إلى زيادة المخاطر فى سياسة بوتين بالشرق الأوسط، إذ يأمل فى أن يشارك فى الأرباح بعد دخول إيران من جديد سوق البترول العالمية، مع اتجاه حكومة موسكو إلى بناء خطوط أنابيب بترول عبر سوريا، لكن تفوقه فى أوروبا سينهار لصالح السعودية.