البانيو‭ ‬أبو‭ ‬عجل‭!‬

البانيو‭ ‬أبو‭ ‬عجل‭!‬
حازم شريف

حازم شريف

9:29 ص, الأحد, 3 أبريل 05

أحمد‭ ‬الله‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬أطال‭ ‬في‭ ‬عمري‭ ‬حتى‭ ‬أرى‭ ‬الحزب‭ ‬الوطني‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬ابن‭ ‬حزب‭ ‬مصر،‭ ‬حفيد‭ ‬منبر‭ ‬الوسط،‭ ‬وسليل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي، ‬ينظم‭ ‬مظاهرة !، ‬وكنت‭ ‬أحسب‭ ‬أن‭ ‬لحظة‭ ‬كهذه‭ ‬ستكون‭ ‬مهيبة،‭ ‬وأن‭ ‬رعشة‭ ‬ستهز‭ ‬أوصالي،‭ ‬بمجرد‭ ‬رؤيتي‭ ‬جموع‭ ‬أعضاء‭ ‬وكوادر‭ ‬الحزب‭ ‬يتظاهرون.

‭ ‬لحظة‭ ‬تحفر‭ ‬في‭ ‬الذاكرة،‭ ‬كجنازة‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬وحرب‭ ‬أكتوبر،‭ ‬وزيارة‭ ‬السادات‭ ‬للقدس،‭ ‬وانتفاضة‬77،‭ ‬وحادث‭ ‬المنصة،‭ ‬وأحداث‭ ‬الأمن‭ ‬المركزى،‭ ‬وغزو‭ ‬العراق‭ ‬للكويت،‭ ‬ومؤتمر‭ ‬مدريد،‭ ‬و11‭ ‬سبتمبر 2001.

‬ الحزب‭ ‬الوطني، ‬أو‭ ‬الحزب‭ ‬كما‭ ‬ينعته‭ ‬المنضمون‭ ‬إليه،‭ ‬ليس‭ ‬لا‭ ‬سمح‭ ‬الله‭ ‬لأنه‭ ‬تنظيم‭ ‬سياسي‭ ‬أيديولوجي‭ ‬ثوري‭ ‬صارم،‭ ‬يأبى‭ ‬المناضلون‭ ‬من‭ ‬أعضائه‭ ‬رؤية‭ ‬ما‭ ‬عداهم‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬أحزاب‭ ‬أو‭ ‬عقائد‭ ‬أو‭ ‬أفكار،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنهم‭ ‬لا‭ ‬يرون‭ ‬سواه‭ ‬وسيلة‭ ‬للتغيير،‭ ‬تغيير‭ ‬واقعهم‭ ‬هم‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأغلبية‭ ‬من‭ ‬الأخوة‭ ‬المنافقين،‭ ‬وتغيير‭ ‬المجتمع ‭ -‬وتحديدا‭ ‬جانبه‭ ‬الاقتصادي- ‬إلى‭ ‬الأفضل،‭ ‬بالنسبة‭ ‬لجماعة‭ ‬الأقلية‭ ‬من‭ ‬التكنوقراط‭ ‬حسني‭ ‬النية،‭ ‬الذين‭ ‬التحقوا‭ ‬بالحزب‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭.‬

تخيلت‭ ‬في‭ ‬أحلام‭ ‬اليقظة،‭ ‬أن‭ ‬أتجمد‭ ‬في‭ ‬مكاني،‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬أقوى‭ ‬على‭ ‬غلق‭ ‬عيناىي‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬الاستثارة، ‬وإذا‭ ‬بي مسترخيا مبتسما،تزداد ابتسامتي اتساعا،‭ ‬وأنا‭ ‬أراقب‭ ‬مشهد‭ ‬أنفار‭ ‬الحزب،‭ ‬يزايدون‭ ‬على‭ ‬حرب‭ ‬المظاهرات‭ ‬المندلعة‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬مصر‭ ‬خلال‭ ‬الأسابيع‭ ‬الماضية،‭ ‬ولم‭ ‬استطع‭ ‬أن‭ ‬أمنع‭ ‬نفسي‭ ‬من‭ ‬الضحك،‭ ‬وأنا‭ ‬أقرأ‭ ‬لافتة‭ ‬لمظاهرة‭ ‬الوطنى‭ ‬تقول‭: ‬كفاية‭ ‬تبعية، ‬شعب‭ ‬مصر‭ ‬ليس‭ ‬للبيع!، ‬وذلك‭ ‬طبعاً‭ ‬بعد‭ ‬ترديد‭ ‬شعارات‭ ‬المبايعة‭ ‬والتأييد‭.‬

وإذا‭ ‬بي‭ ‬أسقط‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬الضحك،‭ ‬وأنا‭ ‬أتأمل‭ ‬خبرا‭ ‬منشورا‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬الأهرام‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬الماضي،‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬الأمن‭ ‬قد‭ ‬رفض‭ ‬طلبا‭ ‬من‭ ‬الوطني،‭ ‬لتنظيم‭ ‬مظاهرة‭ ‬لتأييد‭ ‬تعديل‭ ‬المادة‭ ‬76‭ ‬من‭ ‬الدستور،‭ ‬لعدم‭ ‬ملاءمة‭ ‬الظروف،‭ ‬ولأن‭ ‬الأمر‭ ‬يتطلب‭ ‬تنظيم‭ ‬التظاهر‭ ‬لكافة‭ ‬الأحزاب!، ‬آه‭ ‬والله!.

‬ وأخشى‭ ‬أن‭ ‬يتمادى‭ ‬الأخوة‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬والأمن‭ ‬والحزب‭ ‬في‭ ‬غيهم،‭ ‬للتأكيد‭ ‬على‭ ‬مناخ‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه،‭ ‬فيعلنون‭ ‬أنهم‭ ‬قد‭ ‬ألقوا‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬50‭ ‬عضواً‭ ‬من‭ ‬الوطني،‭ ‬قاموا‭ ‬بالخروج‭ ‬فى‭ ‬مظاهرة‭ ‬غير‭ ‬شرعية‭ ‬لتأييد‭ ‬الإصلاح‭ ‬الدستورى‭ ‬المحدود،‭ ‬والهتاف‭ ‬ضد‭ ‬المعارضة‭ ‬العميلة‭ ‬المأجورة،‭ ‬إذ‭ ‬إنني‭ ‬أعلم‭ ‬مسبقا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬من‭ ‬الابتذال،‭ ‬سيفوق‭ ‬قدرتي‭ ‬لا‭ ‬محالة،‭ ‬وقد‭ ‬أجن‭ ‬فأطلق‭ ‬لحيتي،‭ ‬وأضع‭ ‬نفسي‭ ‬داخل‭ ‬‮«‬بانيو‮»‬‭ ‬له‭ ‬أربع‭ ‬عجلات،‭ ‬أتخذه‭ ‬سكنا‭ ‬ومأوى‭ ‬لي،‭ ‬وأزينه‭ ‬بعصا‭ ‬‮«‬مقشة‮»‬‭ ‬تحمل‭ ‬علم‭ ‬أمريكا،‭ ‬صارخا‭ ‬بصورة‭ ‬هستيرية‭ ‬فى‭ ‬وجوه‭ ‬المارة‭ ‬والمتظاهرين‭ ‬أيضا!.

‬ ويبدو‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬الأخوة‭ ‬فى‭ ‬الحزب‭ ‬قد‭ ‬تجاوزتهم‭ ‬الأحداث،‭ ‬أو‭ ‬بعبارة‭ ‬أدق،‭ ‬لم‭ ‬يستوعبوا‭ ‬بعدما‭ ‬يجرى‭ ‬حولهم،‭ ‬فهم‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬على‭ ‬اعتقاد‭ ‬أن‭ ‬بمقدورهم،‭ ‬اتباع‭ ‬نفس‭ ‬الميكانيزمات‭ ‬القديمة‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬معطيات‭ ‬بالغة‭ ‬الاختلاف،‭ ‬فنراهم‭ ‬يجمعون‭ ‬معهم‭ ‬‮«‬الأحزاب‭ ‬الرسمية‮»‬‭ ‬فيما‭ ‬يطلقون‭ ‬عليه‭ ‬الحوار‭ ‬الوطنى،‭ ‬وقد‭ ‬طال‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬وطال‭ ‬واستطال‭ ‬حتى‭ ‬‮«‬باخ‮»،‬‭ ‬وحتى‭ ‬أصبحت‭ ‬أسماء‭ ‬كنعمان‭ ‬جمعة‭ ‬ورفعت‭ ‬السعيد -ولن نقول الصبحاحي حتى لا نجاري أحدا في الابتذال-، ‬مرادفة‭ ‬ومعادلة‭ ‬لكمال‭ ‬الشاذلي‭ ‬وصفوت‭ ‬الشريف‭ ‬ويوسف‭ ‬والي،‭ ‬وبات‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬أو‭ ‬الخارج‭ ‬يهتم‭ ‬بهذا‭ ‬الحوار،‭ ‬اللهم‭ ‬سوى‭ ‬المتحاورين‭ ‬أنفسهم،‭ ‬هذا‭ ‬إذا‭ ‬كانوا‭ ‬بالفعل‭ ‬يتحاورون‭.‬

ولسوء‭ ‬الحظ‭ -‬أو‭ ‬لحسنه‭ ‬حسبما‭ ‬ترى-، ‬اكتشف‭ ‬الأخوة‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬‮«‬إذ‭ ‬فجأتن‮»،‬‭ ‬أن‭ ‬الشو‭ ‬الإعلامي‭ ‬الذى‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬قوى‭ ‬المعارضة‭ -‬غير‭ ‬الرسمية- ‬في‭ ‬الشارع،‭ ‬بالغ‭ ‬الصدى‭ ‬والتأثير‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ودوائر‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬في ‬الخارج،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬الأخ‭ ‬الدكتور‭ ‬أيمن‭ ‬نور‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬هذه‭ ‬الدوائر‭ ‬رمزا‭ ‬ليبراليا‭ ‬مستنيرا! ملاحظة‭: ‬تمنعنى‭ ‬آداب‭ ‬المهنة‭ ‬والآداب‭ ‬العامة‭ ‬من‭ ‬اختيار‭ ‬ألفاظ‭ ‬شعبية‭ ‬مناسبة‭ ‬للاحتجاج‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التوصيف‭.‬

وحتى صارت حركة كفاية الأصل -‬وليس‭ ‬كفاية‭ ‬‮«‬التيوانى‮»‬‭ ‬التى‭ ‬قلدها‭ ‬الوطني- ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬مطالب‭ ‬قوى‭ ‬اجتماعية‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬التغيير،‭- ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أدعى‭ ‬أنه‭ ‬حكم‭ ‬صحيح‭ ‬فى‭ ‬جزء‭ ‬منه-،‭ ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬غريبا‭ ‬أن‭ ‬يهرول‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬بدورهم‭ ‬إلى‭ ‬الشارع،‭ ‬منتقلين‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬المهادنة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البقاء،‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬موطئ‭ ‬تحت‭ ‬الشمس‭ ‬في‭ ‬أى‭ ‬ترتيبات‭ ‬إصلاحية‭ ‬جديدة‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬دفع‭ ‬الحزب‭ ‬بفلذات‭ ‬أكباده‭ ‬من‭ ‬كوادره‭ ‬للتظاهر،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منهم‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أيدوا‭ ‬وبايعوا -‬كما‭ ‬تعودوا-، ‬ورفعوا‭ ‬لافتات‭ ‬تحمل‭ ‬شعارات‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬الخيال‭ ‬وإلى‭ ‬الحس‭ ‬السياسي،‭ ‬تحاول‭ ‬الاستعارة‭ ‬والاقتباس‭ ‬من‭ ‬شعارات‭ ‬الآخرين،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬وهموم‭ ‬حقيقية،‭ ‬وربما‭ ‬حتى‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعرفوا‭ ‬ما‭ ‬يقصده‭ ‬بها‭ ‬الآخرون‭ ‬عند‭ ‬رفعها،‭ ‬فبدا‭ ‬المشهد‭ ‬يدعو‭ ‬للسخرية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يبعث‭ ‬على‭ ‬الأسى‭.‬
وعلى‭ ‬قيادات‭ ‬الحزب‭ ‬إلا‭ ‬تلوم‭ ‬إلا‭ ‬نفسها،‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬اختارت‭ ‬هؤلاء،‭ ‬ودربتهم‭ ‬منذ‭ ‬الصغر‭ ‬على‭ ‬النفاق‭ ‬والمبايعة‭ ‬والتأييد‭ ‬والموافقة،‭ ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬تتابع‭ ‬لقاءات‭ ‬مسئولي‭ ‬الحزب‭ ‬وكبار‭ ‬مسئولي‭ ‬الدولة‭ ‬بكوادر‭ ‬الحزب‭ ‬من‭ ‬البراعم‭ ‬الطلابية‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬لتتأكد‭ ‬من‭ ‬هذا،‭ ‬شباب‭ ‬وفتيات‭ ‬فى‭ ‬عمر‭ ‬الزهور،‭ ‬ينتصب‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬بلاهة‭ ‬واضحة،‭ ‬ليلقي‭ ‬قصيدة‭ ‬رياء -نثرية أو شعرية-، تمتدح المسئول وتكاد تضعه في مصاف الأنبياء، ثم يلقي -أوتلقي- بنعومة، تصل إلى درجة ‬‮«‬التحسيس‮»‬‭ ‬بسؤال -تم تلقينه له عن ظهر قلب-،عن الأوضاع السياسية في المنطقة على سبيل المثال، ليدلي المسئول بالتصريح المطلوب.

‬ مرة‭ ‬أخرى‭ ‬الميكانيزمات‭ ‬القديمة‭ ‬لن‭ ‬تصلح‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬المتغيرات‭ ‬الحالية،‭ ‬وهي‭ ‬مجرد‭ ‬نصيحة‭ ‬قد‭ ‬تقبلها‭ ‬أو‭ ‬ترفضها‭ ‬قيادات‭ ‬الوطني، ‬ولكني‭ ‬أرجوهم،‭ ‬وأتوسل‭ ‬إليهم،‭ ‬وعلى‭ ‬أتم‭ ‬استعداد‭ ‬أن‭ ‬أركع، بل وأن آخر ساجدا تحت اقدامهم: لاتتظاهروا،لاتتظاهروا،لاتتظاهروا،ليس لأن ذلك ‬يزيد‭ ‬صورتكم‭ ‬سوءاً‭ ‬فى‭ ‬الخارج،‬فهذا‭ ‬شأنكم،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أرغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬أقضى‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬متحصنا‭ ‬فى‭ ‬البانيو‭ ‬أبو‭ ‬عجل!.