مرة أخرى كذبت الاستطلاعات، وحصل فرانسوا فييون رئيس الوزراء الفرنسى الأسبق على أعلى الأصوات فى الانتخابات الأولية لحزب الوسط، %44، وبعده بمسافة كبيرة ألان جوبيه، %28، بعد أن كان المفضل لدى الاستطلاعات، وفى المركز الثالث جاء نيكولا ساركوزى، الرئيس السابق، والشخص الذى وضع نظام الانتخابات الأولية ليحاكى النظام الأمريكى، فكان أول ضحاياه وجاء فى المرتبة الثالثة ليخرج من السباق ومن الحياة السياسية بأكملها.
وسوف تجرى الجولة الثانية للانتخابات الأولية يوم الأحد المقبل لنعرف اسم مرشح حزب يمين الوسط فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية التى ستجرى العام المقبل. وهى سابقة فى تاريخ نظام الانتخابات الرئاسية الفرنسية الذى كان حتى اليوم يتسم بشخصية تتمشى مع الشعب الفرنسى، الذى قال عنه الرئيس الأسبق شارل ديجول، «شعب لديه 365 نوعا من الجبن» أى أن لكل فرد فيه مزاج خاص وتوجه مختلف عن الآخر، مما يصعب حكمه، ولذلك تجرى الانتخابات فى فرنسا على جولتين، بعكس تلك فى بريطانيا أو الولايات المتحدة، فالناخب الفرنسى «يختار فى الجولة الأولى ما يميل إليه قلبه، وفى الجولة الثانية ما يمليه عليه عقله».
ولكن أراد نيكولا ساركوزى تغيير كل ذلك ليحاكى النظام الأمريكى، فقام بتغيير كبير داخل الحزب بعد فوزه برئاسته فى عام 2005، وغير اسمه ليصبح «الحزب الجمهورى» بدلا من «الاتحاد من أجل حركة شعبية»، كما أراد له جاك شيراك الرئيس الأسبق، والديجولى النزعة؛ وغير طريقة الانتخابات داخل الحزب لاختيار الرئيس فنجح؛ ثم قرر إجراء انتخابات أولية مثلما يحدث فى الأحزاب الأمريكية لاختيار مرشح الحزب فى الانتخابات الرئاسية، بدلا من توجه كل مرشح منفردا يجمع توقيعات معينة لتأكيد ترشيحه، ولكن لم يتح النظام الجديد لساركوزى أن يستمر فى التغيير، وخذله بعد أن جاء فى المرتبة الثالثة بمسافة كبيرة عن الأول، فرانسوا فييون.
والأن يجرى السباق بين الإثنين الحاصلين على أعلى الأصوات فى الجولة الأولى. فهل تجرى استطلاعات لا يعرف أحد مصداقيتها، لقد كذبت فى استفتاء بريطانيا حول الخروج من الاتحاد الأوروبى قبل شهور، وكذبت مرة أخرى فى الانتخابات الأولية الأمريكية ثم الرئاسة الأمريكية، والسؤال هو هل هناك فجوة بين الإعلام أو أجهزة استطلاعات الرأى، والرأى العام الحقيقى؟ أم أن الناخب يغير رغباته بسرعة؟ أم أن هناك أزمة ثقة بين الناخب والقائمين عليه؟ أيا كان الأمر فالأفضل هو الانتظار إلى يوم الانتخابات لمعرفة التوجه الحقيقى للناخب.