الاقــتصــاد الــتشــاركــى يــفتــح آفــاقًــا جــديــدة للــنمــو

دفعت الأزمة المالية العالمية وانخفاض الموارد الاقتصادية المتاحة ورغبة الأفراد فى تحسين مستوى معيشتهم إلى خلق نظام جديد فى الاقتصاد العالمى يعرف بالـ«sharing Economy » أو بالاقتصاد التشاركى.

الاقــتصــاد الــتشــاركــى يــفتــح آفــاقًــا جــديــدة للــنمــو
جريدة المال

المال - خاص

12:37 م, الخميس, 20 نوفمبر 14

نيويورك_ أمانى زاهر

دفعت الأزمة المالية العالمية وانخفاض الموارد الاقتصادية المتاحة ورغبة الأفراد فى تحسين مستوى معيشتهم إلى خلق نظام جديد فى الاقتصاد العالمى يعرف بالـ«sharing Economy » أو بالاقتصاد التشاركى.

ما الاقتصاد التشاركى؟

– يعتمد «الاقتصاد التشاركي» على تبادل الأفراد الأصول المادية وخبراتهم البشرية غير المستغلة من خلال التكنولوجيا الحديثة المتاحة عبر مواقع الإنترنت وتطبيقات الموبايل.

يعتبر مصطلح الاقتصاد التشاركى جديداً على عالم الاقتصاد المعاصر، رغم تقارب فكرته إلى حد كبير من نظام المقايضة القديم بين الأفراد وبعضهم البعض، إلا أن اعتماده على التكنولوجيا الحديثة وإجراء العملية التبادلية عبر منصات إلكترونية أو ما يعرف بالـ«platform » جعله نظاماً جديداً فى العديد من دول العالم.

إيجار السيارة أو المنزل فى وقت الإجازة

يستند الاقتصاد التشاركى إلى فكرة الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة لدى الأفراد، ليتمكن الشخص من استغلال سيارته وقت عدم احتياجه لها من خلال تأجيرها لشخص آخر يرغب فى اقتنائها خلال ذلك الوقت أو قيام مالك السيارة بالعمل بها كتاكسى بعد أوقات عمله الرسمية أو خلال ساعات فى أيام إجازته، على أن يقوم مالك السيارة بتحديد الخيارات والساعات المتاحة من خلال المنصة الإلكترونية التى تربط بين الأفراد سواء موقعاً على الإنترنت أو تطبيقاً على الموبايل، على أن تحصل الشركة المالكة للمنصة الإلكترونية على نسبة معينة من إجمالى تكلفة الخدمة.

ويعمل عدد من الشركات الأمريكية التى توفر المنصة الإلكترونية عبر الموبايل والإنترنت لعملية تشارك السيارة أو ما يعرف بالـ«car sharing » وأبرزها شركة آوبر «uber »، وليفت «lyft »، وزيب كار «zip car »، وتحقق هذه الشركات معدلات نمو قوية فى عدد المشتركين بالخدمة.

ونجح الاقتصاد التشاركى بشكل غير مسبوق فى قطاع الإقامة الفندقية وتوفير الإقامة لفترات مؤقتة ليسمح هذا النظام للأفراد باستخدام الغرف المنزلية غير المستغلة من خلال عرضها للإيجار لأيام محددة أو عرض المنزل للإيجار خلال فترة السفر إلى الخارج بما يمكن شخصاً آخر من الحصول على خدمة بتكلفة أقل من الإقامة بفندق، وفى الوقت نفسه يحسن «مالك المنزل» من استغلال أصوله بما ينعكس فى النهاية على ارتفاع دخله.

وتعد الشركة الأمريكية إيربن بى «airbnb » من الشركات الرائدة فى مجال توفير الإقامة أو ما يعرف بالـ«accommodation » والتى تأسست عام 2008 وقت الأزمة المالية العالمية التى نشبت اثر مشكلات الرهن العقارى- وتوسعت الشركة الأمريكية فى أكثر من 190 دولة وأكثر من 34 ألف مدينة على مستوى العالم ومن ضمنها مصر، ويتعدى المشتركون بها الذين يتيحون منزلاً أو فيلا أو حتى غرفة نحو 800 ألف عالمياً، فيما بلغ عدد النزلاء المستفيدين من الخدمة أكثر من 20 مليون شخص.

الاستفادة من الموهبة أو الخبرة

لم تتوقف فكرة الاقتصاد التشاركى على استغلال الأصول المادية فقط، بل تمتد إلى امكانية استغلال خبرات ومواهب الأفراد، ليتمكن الشخص الخبير فى مجالات معينة من عرض خبراته ونقلها إلى الآخرين من خلال موقع إلكترونى متخصص مقابل مبلغ مالى محدد، علاوة على امكانية استغلال موهبة الفرد فى أوقات الفراغ، ليستطيع الفرد الذى يتمتع بموهبة فى الطبخ على سبيل المثال من استضافة الأفراد فى منزله ليخلق بديلاً جديداً للأفراد بدلاً من الشكل التقليدى المعروف بالذهاب إلى المطعم.

ويشتهر موقعا «eatwith » و«eatfeastly » بربط الأفراد الذين يتمتعون بموهبة الطبخ بطرق مختلفة بالراغبين فى الحصول على طعام بيتى وخوض تجربة مختلفة، ليتحول منزل الشخص إلى مطعم صغير لبعض الوقت الذى يحدده على الموقع أو التطبيق الإلكترونى.

وفى هذا الصدد قال آرون ساندرجان، أستاذ ودكتور العلوم الإدارية والاقتصاد الرقمى بكلية ستيرين لإدارة الأعمال جامعة نيويورك، إن التقدم الملحوظ فى التكنولوجيا خلق تغييرات جذرية فى شكل الاقتصاد ليظهر نمط جديد لم يكن متوافراً من قبل ألا وهو الاقتصاد التشاركى الذى يفتح أفقاً جديدة لنمو الاقتصاد العالمى وساهم فى خلق أسواق جديدة وتنويع البدائل والاختيارات المتاحة لدى الأفراد.

وأضاف أن الاقتصاد التشاركى يظهر عند انكسار حاجزين مهمين سيطرا على نمط استهلاك الأفراد بالاقتصاد العالمى خلال الخمسين عاماً الماضية، وهما رغبة الأفراد الشديدة فى تملك الأشياء من عقار وسيارة وإلكترونيات، فيما يتمثل العامل الثانى فى هيمنة الشركات الكبرى وأصحاب العلامات التجارية البارزة على معظم المعاملات التجارية مع الأفراد.

وأوضح ساندراجان، خلال مائدة مستديرة نظمها المركز الصحفى التابع لوزارة الخارجية الأمريكية لوفد صحفى عالمى للتعرف عن ماهية «الاقتصاد التشاركى ونموه بالاقتصاد الأمريكي»، أن فكرة التشارك تولد مع تراجع رغبة الأفراد فى التملك وزيادة التوجه نحو الحصول على الشيء وقت الاحتياج إليه دون ضرورة امتلاكه، مستشهداً باقتناء بعض الأفراد سيارات رغم أنهم يستخدمونها 3 ساعات يومياً فقط مع أن هناك بدائل أقل تكلفة من شراء السيارة نفسها.

وأشار إلى أن الاقتصاد التشاركى يغير دفة المعاملات التجارية لتصبح بين الفرد وفرد آخر أو ما يطلق عليه «peer to peer » وليس كما هو قائم حالياً بين الفرد والشركة الكبرى الأمر الذى يتطلب معه زيادة تفاعل بين الأفراد وبعضهم البعض.

وضرب ساندراجان المثل بالشركة الأمريكية الرائدة فى توفير الإقامة «إيربن بي» «airbnb » التى استطاعت خلال السنوات الثلاث الماضية أن تحقق معدلات نمو فى عدد مستخدميها 3 مرات، لافتاً إلى أن هناك 420 ألف شخص على مستوى العالم يقيمون يومياً من خلال الشركة وهو ما يعد أكبر فندق بالعالم- على حد وصفه.

واستطرد أن فكرة الشركة بسيطة تقوم على توفير منصة إلكترونية تربط شخصاً يرغب فى إيجار جزء من منزله أو منزله بالكامل فى أوقات محددة من الشهر أو السنة بشخص آخر يرغب فى إيجار مكان للإقامة به لفترة مؤقتة ولو حتى ليوم واحد مقابل الحصول على نسبة معينة مع قيام الشركة بالتأكد من تقديم الخدمات بجودة جيدة وتأمين المعاملات.

والجدير بالذكر أن شركة «إيربن بى» تحصل على %3 من قيمة الإيجار بعد قيام المستأجر بالدفع وذلك وفقاً للموقع الإلكترونى للشركة على الإنترنت.

ولفت دكتور العلوم الإدارية والاقتصاد بكلية ستيرين لإدارة الأعمال جامعة نيويورك، أن شركة «lyft » تتيح برنامجاً على الموبايل يربط بين الأفراد الذين يرغبون فى استغلال سياراتهم كتاكسى بعد أوقات عملهم الرسمية بأشخاص آخرين من المنطقة نفسها لتتمكن من خلال تطبيق الموبايل من أن تختار السيارة المشتركة على النظام لتصل إلى الشخص خلال فترة 5 دقائق مع توافر جميع بيانات السائق والسيارة على هذا النظام بما يضمن أمان التعاملات.

وتابع: معظم سائقى سيارات شركة «ليفت» لم يعملوا لساعات طويلة بل تتراوح ساعات استغلالهم للسيارة كتاكسى بين 3 و10 ساعات أسبوعياً، الأمر الذى يساهم فى تحسين دخولهم مع مساهمتهم فى حل مشكلة المواصلات للشخص الآخر وبتكلفة منخفضة وسريعة وسهلة.

مزايا الاقتصاد التشاركى

رغم صعوبة قياس أثر الاقتصاد التشاركى على الاقتصاد العالمى بشكل دقيق خلال الفترة الراهنة لظهوره منذ سنوات قائلاً: إنه من المبكر جداً التعرف على مدى تأثيره على الاقتصاد، إلا أن هناك عدداً من الأساسيات المالية التى يوفرها هذا النظام بما ينعكس إيجاباً على نمو ونشاط الأنظمة المالية العالمية ومن أبرزها انخفاض تكلفة المعاملات أو ما يعرف بـ«transaction cost » الأمر الذى يعزز من زيادة المعاملات بما يساهم فى تنشيط الاقتصاد.

وأكد أن عملية الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة لدى الأفراد وتحسين مستوى دخولهم من أهم مزايا النظام الجديد، لأنه فى النهاية سينعكس على نمط حياتهم واستهلاكهم، علاوة على أن الاقتصاد التشاركى يتيح تنوعاً فى الخيارات المتاحة لدى الأفراد دون الاقتصار على خيارات محدودة ومكلفة، مشدداً على أهمية تنوع البدائل المتاحة فى أى اقتصاد بما يخدم شرائح مختلفة من المجتمع.

وأشار إلى أن الاقتصاد التشاركى يسمح بفتح أسواق عالمية جديدة دون الاقتصار فقط على سوق محلية، مستشهداً بوجود شركة إيربن بى فى أكثر من 190 دولة.

ولفت إلى أن هناك عدداً من شركات الأبحاث والاستشارات تقدر حجم الاقتصاد التشاركى بأكثر من 9 مليارات دولار مع توقعاتها بنمو ضخم وقوى خلال الفترة المقبلة.

الرقابة.. الكفاءة.. الجودة والضرائب.. أبرز التحديات

قال آرون ساندراجان، إنه من الطبيعى أن يظهر عدد من التحديات والصعوبات مع أى نمط اقتصادى جديد، مشيراً إلى أن عملية الرقابة على هذه المنصات الإلكترونية والتأكد من حصول الأفراد على خدمات جيدة من أبرز التحديات، لافتاً إلى أن الشركات نفسها تحاول أن ترفع من جودة خدماتها وتأمين المعاملات لكسب ثقة الأفراد، إلا أنه فى بعض الأحيان قد يتطلب الأمر وجود رقابة من الدولة.

وأضاف أن الشركات تدفع ضرائب على أرباحها، لكن توجد صعوبات فى بعض الدول فى الحصول على ضرائب من مقدم الخدمة نفسه الذى يؤجر منزله أو سيارته، الأمر الذى يتطلب معه تنظيم المعاملات ليتواكب مع نمط الاقتصاد التشاركى الجديد.

وأكد أن الشركات المالكة للمنصات الإلكترونية ستواجه تحديات كبيرة فيما يخص الجودة والكفاءة، لافتاً إلى أهمية اقترابها من كفاءة الشركات الكبرى حتى يتجه إليها الأفراد ولا ينفرون منها. 

جريدة المال

المال - خاص

12:37 م, الخميس, 20 نوفمبر 14