يهدّد الاضطراب السياسي في ليبيا، العضو في “أوبك”، بإضعاف إنتاج المنظمة بشكل أكبر، في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن لزيارة الخليج العربي من أجل تزويد الأسواق العالمية بالمزيد من النفط.
انهار إنتاج ليبيا منذ منتصف أبريل بعدما أجبر المحتجّون عدة حقول نفطية وموانئ على الإغلاق. ولا توجد أية علامات على انتهاء صراع السيطرة بين الجهتين المتنافستين على البلاد؛ بل وتنتشر المظاهرات بشأن نقص الوقود والكهرباء.
تصاعد الاضطراب السياسي في ليبيا
قد ينخفض الإنتاج بشكل أكبر دون التوصل إلى حل، كما “فقدنا نصف الإمدادات الليبية، وقد يتعرّض النصف الآخر بشكل كبير للتوقف خلال الأسابيع المقبلة”، وفق قول بوب مكنالي، رئيس “رابيدان إنرجي غروب” للاستشارات والمسئول السابق في البيت الأبيض.
تتزامن الأزمة مع مطالبة مستوردي النفط بالمزيد من الإمدادات. قفزت أسعار النفط الخام فوق 100 دولار للبرميل بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وفرض العقوبات الغربية على موسكو، ما أدى إلى أكبر اضطراب في السوق منذ عقود.
تراجعت أسعار النفط الشهر الماضي وسط مخاوف من حدوث ركود اقتصادي في الاقتصادات الرئيسة ولكنها تظل مرتفعة بمقدار 30% تقريبًا، هذا العام. أدت تكاليف الوقود الباهظة إلى ارتفاع التضخم وتفاقم ضغوط تكلفة المعيشة.
سيحاول بايدن خلال زيارته للملكة العربية السعودية، يوم الجمعة، إقناع دول الخليج بضخ المزيد من النفط، وقال إنه سيتعامل مع “الاختناق السياسي” في ليبيا.
لكن الصراع في ليبيا “وصل لمستويات بالغة التعقيد. وستظل التوقعات بشأن قطاع النفط في كل السيناريوهات متقطّعة، ومن غير المرجّح استدامة مستويات الإنتاج”، بحسب إلياس صديقي، المدير المشارك في “ويسبيرنغ بيل” لإدارة المخاطر.
هبطت صادرات البلاد التي تملك أكبر احتياطيات نفطية في أفريقيا إلى أدنى مستوياتها في 20 شهرًا عند 610 آلاف برميل يوميًّا في شهر يونيو، وفقًا لبيانات جمعتها بلومبرغ.
أوقفت المؤسسة الوطنية للنفط التي تديرها الدولة الشحنات من الموانئ الرئيسة في السدر وراس لانوف قبل أسبوعين. ولم تعالج محطتا البريقة والزويتينة المجاورتان أية كميات من النفط الخام منذ شهرين تقريبًا، رغم قيام المؤسسة الوطنية للنفط، هذا الأسبوع، بإزالة البند القانوني حول الظروف القهرية الذي يسمح لها بوقف الصادرات.
استمرار الفوضى
غرقت البلاد في صراع منذ سقوط الدكتاتور معمر القذافي عام 2011 وتكرر استغلال احتياطيها النفطي كوسيلة للضغط من قبل الأطراف المتحاربة.
بدا السلام، الذي تم التوصل إليه منذ وقف إطلاق النار في منتصف عام 2020، هشًّا بشكل متزايد بعد تأجيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في ديسمبر.
تعيش البلاد حاليًّا مواجهة بين حكومتين حيث تدعم تركيا إدارة رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة في العاصمة طرابلس ضد فتحي باشاغا المقيم في سرت والذي يدّعي أيضًا تزعمه رئاسة الوزراء. يتحالف باشاغا في الشرق مع الجنرال خليفة حفتر الذي يسيطر على العديد من حقول النفط الليبية والمدعوم سابقاً من قبل روسيا والإمارات العربية المتحدة.
أجرى الجانبان محادثات في القاهرة وجنيف لكنها فشلت في كسر الجمود. وقال باشاغا، في مقابلة مع بلومبرغ، الشهر الماضي، إن هناك فرصة ضئيلة لإجراء انتخابات هذا العام، و”ستستمر الفوضى”. حاولت قواته دخول طرابلس في شهر مايو ولكنها اضطرت للانسحاب سريعًا.
قالت أليس غوير، مديرة الجغرافيا السياسية والأمن لدى شركة “أزور إستراتيجي” للاستشارات التي تركز على الشرق الأوسط: “إزالة الحكومتين أمر صعب لعدة أسباب، أحدها وليس أقلّها، أنهما مدعومتان من قبل ميليشيات مسلحة. سيضطر باشاغا في الوقت القريب إلى الاختيار بين محاولة توسيع ائتلافه أو محاولة دخول طرابلس مرة أخرى، وقد تلقى المحاولة الثانية نفس المصير.”
يزيد صراع السلطة على المؤسسة الوطنية للنفط من عدم استقرار قطاع الطاقة. وقالت حكومة دبيبة، هذا الأسبوع، إنه يتعين حلّ مجلس إدارة شركة النفط وتنحي مصطفى صنع الله، رئيس مجلس إدارتها منذ مدة طويلة، وفقًا لعدة أشخاص مطلعين على الأمر، مضيفين إنه تم تعيين محافظ البنك المركزي السابق فرحات عمر بنقدارة رئيساً جديداً. ولم يتضح بعد إن كانت المؤسسة الوطنية للنفط أو صنع الله سيقبلان القرار.
عائدات غير ملموسة
في غضون ذلك، يزداد الشعور باليأس بين الليبيين بشكل أكبر.
قال سليمان حويج، البالغ 54 عامًا وأب لتسعة أطفال، أثناء قيادته اعتصامًا في أحد مواقع النفط: “الخدمات الطبية سيئة والطرق متداعية. نحن لا نستفيد من عائدات النفط، وسواء ارتفع أو هبط سعر النفط الخام في السوق العالمية، نحن بالكاد نستطيع تحمل سعر الخبز “.
امتدت المظاهرات إلى ما أبعد من المنشآت النفطية مع نزول الليبيين إلى الشوارع في عدة مدن، وتم إحراق مبنى البرلمان في طبرق شرقًا.
قال محمد عبد المجيد، الطالب في بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية:” نحن نريد فقط الكهرباء والطعام وليس القتال. بدأت أؤمن بأنها لعنة، وسنبقى هكذا في ليبيا إلى الأبد.”
أما طارق مجريسي، الزميل البارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فيرى أن القوى الدولية ستضطر إلى التدخل لإيجاد حل. وقال: “في حين تصطدم القوة المتزايدة للغضب الشعبي بالجشع الدائم للنخب الليبية، يتضح أن أي حل سيتطلب بعض الدعم الدولي، وسيزداد الوضع سوءاً إن لم تتغير الأمور”.