الاستدامة البيئية «رهينة المَحبَسين».. بين التحديات الحرجة والتنوع البيولوجي

هل الحل في تبنّي سُبل الطاقة المتجددة وإدارة النفايات والزراعة؟

الاستدامة البيئية «رهينة المَحبَسين».. بين التحديات الحرجة والتنوع البيولوجي
إسلام شريف

إسلام شريف

10:56 ص, الأثنين, 17 مارس 25

كشف مؤشر الأداء البيئي العالمي لعام 2024 عن مجموعة من التحديات البيئية الحرجة، تتصدرها أزمة تغير المناخ، وتراجع التنوع البيولوجي، وغيرها من المؤثرات التي تتطلب تكثيف الجهود الدولية لحماية النظم البيئية الحيوية.

احتلت مصر المرتبة 101 عالميًا ضمن 180 دولة في تقرير الأداء البيئي للعام الماضي (2024)، مقارنة بالمركز 50 في 2014، ما يعكس تراجعًا سريعًا خلال العقد الأخير، وتفاوت ترتيبها على مدار السنوات الماضية، إذ جاءت في المركز 104 عام 2016، ثم تحسّن تصنيفها إلى 66 في 2018، قبل أن تنخفض مجددًا إلى 94 بنهاية 2020، و127 في 2022.

وفي التصنيفات الفرعية للمؤشر، جاءت مصر في المركز 124 عالميًا في مؤشر الصحة البيئية، و103 في مؤشر الحد من تغير المناخ، بينما احتلت المرتبة 78 فيما يخص مؤشر استدامة النظم البيئية.

إستونيا تتصدر.. والدنمارك تتراجع

وبحسب التقرير، تصدرت إستونيا المؤشر البيئي لعام 2024، بعد نجاحها في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 40% خلال العِقد الماضي، بفضل تحولها إلى محطات طاقة نظيفة بدلًا من الاعتماد على الفحم والمازوت، وتعمل حاليًا على تحقيق حياد كربوني في قطاعي الطاقة والنقل بمدنها الكبرى بحلول 2040.

وفي المقابل، تراجعت الدنمارك، التي تصدرت مؤشر 2022، إلى المركز العاشر هذا العام، كما شهدت الدول الكبرى تراجعًا في تصنيفاتها، حيث جاءت الولايات المتحدة في المرتبة 34، بينما احتلت روسيا المركز 83، والصين 156، والهند 176.

خمس دول فقط تسير نحو «صفر انبعاثات»

على مدار العقد الماضي، تمكنت خمس دول فقط من خفض انبعاثاتها بالمعدلات المطلوبة لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول 2050، وهي إستونيا وفنلندا واليونان وتيمور الشرقية والمملكة المتحدة، على الترتيب، وفي المقابل، احتلت فيتنام وباكستان وميانمار وبنغلاديش أدنى المراتب في مؤشر الأداء البيئي.

ووفقًا لبيانات “Statista”، يتأثر أكثر من 90% من السكان في بنغلاديش وباكستان والهند بتلوث الهواء، حيث يعد احتراق الوقود الأحفوري لأغراض توليد الطاقة والنقل أحد الملوثات الرئيسة

وفي تحقيق استقصائي لـ”المال” حول أدوات الاستدامة البيئية، تبين أن رفاهية الإنسان ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصحة البيئة، إذ تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن 24% من الوفيات عالميًا تعود إلى عوامل بيئية يمكن تجنبها، مثل تلوث الهواء، ونقص المياه العذبة، والعيش في بيئات ملوثة بالمواد السامة، حيث يُتوفى ما يقرب من 7 ملايين شخص سنويًا من جراء تلك العوامل.

مخاطر نقص الغذاء وانعكاسات تغير المناخ

وفق تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD) والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، فإن بلدان أفريقيا والشرق الأوسط تعد من بين أكثر المناطق عرضة لنقص الغذاء وارتفاع الأسعار نتيجة انقطاع سلاسل التوريد.

كما أن تدهور التربة يؤثر بالفعل على أكثر من 45% من الأراضي الزراعية، مع توقع انخفاضات كبيرة في إنتاج المحاصيل تصل إلى 80% بحلول عام 2025، بسبب ندرة المياه، وارتفاع أسعار البذور والأسمدة والطاقة، والتغيرات المناخية المتطرفة.

بينما يؤكد تقرير الأداء البيئي العالمي أن مواجهة التحديات البيئية باتت ضرورة ملحة، مع الحاجة إلى تكثيف الجهود الدولية وتبني سياسات أكثر صرامة لضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة.

المسئولية المجتمعية للشركات والتمويل

الدكتور هشام عيسى، عضو مجلس إدارة شركة دي كاربون جلوبال للاستشارات البيئية والتنمية المستدامة، يشدد على ضرورة تفعيل دور وسائل الإعلام في دعم القضايا البيئية، من خلال تنسيق الجهود مع المؤسسات الاجتماعية للنهوض بالواقع البيئي.

كما يؤكد “عيسى” في تصريحات لـ”المال” أهمية تبني الدولة لإستراتيجيات فعالة لتحسين الخدمات الاجتماعية والصحية، مثل توزيع أكياس النفايات على الأسر، وتوفير مياه شرب نقية، وتحسين شبكات الصرف الصحي، للحد من الأزمات البيئية المتفاقمة.

وفي سياق متصل، تؤكد الدكتورة منى الشعباني، أستاذ المحاسبة والمراجعة بكلية العلوم الإدارية والإنسانية بجامعة الجوف، في دراستها “دور مراجعة البعد البيئي في دعم تقارير التنمية المستدامة”، أن المراجعة البيئية تلعب دورًا حيويًا في مساعدة المنشئات على الالتزام بالقوانين واللوائح البيئية، مما يسهم في تجنب الغرامات والمخالفات.

بينما توصي الدراسة -حصلت “المال” على نسخة منها- بضرورة تعزيز عمليات الإفصاح البيئي في الشركات الصناعية، من خلال إدراج الجوانب البيئية في التقارير المقدمة للمستثمرين وأصحاب المصالح، مع أهمية توفير إدارات بيئية متخصصة داخل المنشئات الصناعية لمراقبة الامتثال البيئي وتقليل المخاطر، إلى جانب الاستثمار في تدريب الكوادر الوظيفية على القضايا البيئية.

وتشير الباحثة إلى أهمية تحفيز الشركات الصناعية على تحسين أدائها البيئي من قِبل الحكومة، عبر تقديم حوافز للمؤسسات التي تلتزم بالمعايير البيئية العالمية والاستعانة بخبراء بيئيين لإضفاء المصداقية على تقارير الأداء البيئي.

غياب التشريعات البيئية

من ناحيته، يؤكد حازم حسنين، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع والحاصل على الدكتوراة في فلسفة الاقتصاد، أن غياب التشريعات والقوانين الواضحة التي تدعم الاستثمار في المشروعات البيئية يشكّل تحديًا رئيسًا أمام تحقيق التنمية المستدامة، حيث يتطلب تنفيذ مشروعات الاقتصاد الأخضر إطارًا قانونيًا وتنظيميًا محفزًا لجذب المستثمرين.

ويتابع “حسنين” أن التحول إلى اقتصاد أخضر إنما يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية للطاقة المتجددة والبحث والتطوير، وهو ما يمثل تحديًا ماليًا كبيرًا، حسب تصريحاته لـ”المال”.

“تطوير سياسات داعمة للاقتصاد الأخضر يستلزم حوكمة قوية وتنسيقًا محكمًا بين مختلف المؤسسات الحكومية، مع ضرورة تعزيز القدرات المؤسسية لضمان نجاح هذه السياسات”، يقول “حسنين”.

الاستدامة الزراعية جزء من “البيئة”

الدكتور هـ.س، رئيس قسم بإحدى كليات الزراعة (مُؤْثرًا عدم ذكر اسمه)، أن نصيب الفرد من الأراضي الصالحة للزراعة في مصر لا يتجاوز 2.5 قيراط، وهي من أدنى المعدلات عالميًا وفقًا لتقارير البنك الدولي.

ويضيف “هـ.س” لـ”المال” أن مصر تعتمد بشكل كبير على الأسواق العالمية لتوفير نسبة كبيرة من المحاصيل الأساسية، وهو ما يشكل تحديًا مستمرًا في ظل التقلبات الاقتصادية والجيوسياسية، وفق تقرير برنامج الغذاء العالمي لعام 2022.

فالمساحة الزراعية في مصر تمثل 3% فقط من إجمالي مساحة الدولة، ما يجعل الحاجة إلى الاستدامة الزراعية أكثر إلحاحًا، حسب “ه.س”.

ويتابع أن الأراضي القديمة الواقعة على طول وادي النيل والدلتا تتميز بخصوبتها العالية، في حين أن الأراضي المستصلحة حديثًا أقل خصوبة، بينما تقتصر الأراضي المطرية في الساحل الشمالي على تربية الماشية بسبب عمقها الضحل وطبيعتها الصخرية.

الوعي البيئي من مصادر مختلفة

في حديثه لـ”المال”، يقترح إبراهيم الحملي، مهندس أول السلامة والصحة المهنية والبيئة (HSE) بإحدى شركات البترول، تطوير برامج تدريبية متخصصة للعاملين في مختلف القطاعات الصناعية، يشمل التدريب الميداني للإدارات العليا وصنّاع القرار، بهدف تعزيز الوعي البيئي وتحسين معايير السلامة المهنية.

بينما يقترح “عيسى” إبرام تعاون بين وزارتي البيئة والتعليم لترسيخ مبادئ التربية البيئية في المدارس، عبر الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في بناء بيئات مستدامة وتحقيق أهداف بيئية متقدمة تُضاهي ما حققته الدول الرائدة عالميًا.

ويضيف “حسنين” أن ضعف الوعي البيئي يمثل عائقًا إضافيًا، حيث ما يزال التعليم البيئي محدودًا، ما يؤثر سلبًا على تنمية ثقافة الاستدامة بين المواطنين، ويجعل تغيير سلوك المستهلكين مهمة معقدة.

وتوصي دراسة الدكتور أحمد العتيق، الأستاذ بمعهد الدراسات والبحوث البيئية بجامعة عين شمس، المعنونة بـ”دور الثقافة البيئية في تنمية السلوك الإبداعي لدى العاملين بالهيئة العامة لقصور الثقافة”، بضرورة تكثيف الندوات واللقاءات التوعوية لنشر الثقافة البيئية في المجتمعات.

كما تقترح الدراسة -التي حصلت “المال” على نسخة منها- إدراج برامج تدريبية متخصصة في مركز إعداد القادة، للتركيز على المستجدات البيئية العالمية وسبل التكيف مع تحدياتها.

ويدعو الباحث وآخرون إلى إنشاء إدارة عامة للثقافة البيئية ضمن الهيئة العامة لقصور الثقافة، بهدف نشر الوعي البيئي بين كل من الموظفين والمواطنين، لضمان بناء مجتمع أكثر إدراكًا لمسئولياته تجاه البيئة.

تعزيز الزراعة المستدامة

الدكتور محمد المصري، المدرس بكلية الزراعة بجامعة الزقازيق، يؤكد لـ”المال” أهمية ترشيد استهلاك الموارد الطبيعية وتعزيز كفاءة استخدامها، مع ضرورة مراعاة البدائل الممكنة، مشددًا على أن الموارد المتجددة يجب ألا تُستهلك بوتيرة أسرع من قدرتها على التجدد، أو بطرق قد تضر بالإنسان أو بالنظم البيئية الداعمة للحياة على الأرض، لا سيما تلك التي لا تمتلك بدائل.

“المصري” يشدد على أهمية التوسع في استخدام الطاقة النظيفة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والمائية وطاقة الرياح، مع الاستفادة القصوى من الفضلات التقليدية كموارد، بما يتماشى مع تحقيق التوازن البيئي، مشيرًا إلى ضرورة التخلص من النفايات بطرق آمنة لا تلحق الضرر بالبشر أو بالنظم البيئية.

كما أن التخفيف من الاعتماد على المبيدات السامة والمخصبات الكيميائية، التي أثبتت أضرارها على البيئة، والاستعاضة عنها بمنتجات تتماشى مع النسق البيئي، إنما يضمن ممارسات زراعية وصيد مستدامة تحافظ على رأس المال الطبيعي وتضمن استدامته للأجيال القادمة، حسب “المصري”.

تراجع التصنيف البيئي يتطلب إجراءات عاجلة

“عيسى” يبيّن أن تراجع مصر في التصنيف البيئي لعام 2024، إنما يستدعي تدخلًا فوريًا من الجهات المعنية، عبر تخصيص مناطق صناعية بعيدة عن المدن السكنية والمدارس والمستشفيات، إلى جانب تفعيل دور المجتمع المدني في توفير سكن صحي وتقليل العشوائيات، مع دعم الفلاحين والحد من الهجرة من الريف إلى المدن.

مع أهمية الإستراتيجيات السابقة، فهناك أهمية للتنسيق بين منظمات المجتمع المدني المهتمة بشئون البيئة، وتعزيز دور صندوق حماية البيئة لدعم الجهود الرامية للحد من التلوث، حسب تصريحات “عيسى”.

إضافة إلى أن التوسع العمراني والتطوير العقاري، حسب “عيسى”، يتطلبان مراعاة التخطيط البيئي من خلال زيادة المساحات الخضراء وتشجير المدن، فضلًا عن إيجاد حلول مستدامة للتخلص من نفايات البناء بطرق لا تسبب تلوثًا بيئيًا.

كما يشير “ه.س” إلى أن الحكومة المصرية وضعت إستراتيجية التنمية الزراعية المستدامة (SADS) بهدف تعزيز الإنتاج الزراعي بحلول عام 2030، مع التركيز على إدارة الموارد المائية وتوسيع الرقعة الزراعية في المناطق الصحراوية، كإجراءات رئيسة لمواجهة الفجوة الغذائية، وهو ما يُرجى نفعه فيما بعد.

وحسب بيانات “ستاتيستا”، يُعزى ما يقرب من 8 ملايين حالة وفاة سنويًا حول العالم إلى تلوث الهواء الخارجي الناتج عن حرق الوقود الأحفوري، الذي يرتبط بزيادة معدلات أمراض القلب والسكتات الدماغية، ما يعزز الحاجة إلى تطبيق سياسات صارمة للحد من الانبعاثات الملوثة وتعزيز استخدام مصادر الطاقة النظيفة.

الاقتصاد الأخضر.. فرص وتحديات

يؤكد “حسنين” أن اعتماد مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والرياح، يسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ما يؤدي إلى خفض انبعاثات الكربون والتخفيف من آثار تغير المناخ، كما أن تعزيز إدارة المياه والنفايات إنما يحافظ على الموارد الطبيعية، بما في ذلك الأرض والمياه والتنوع البيولوجي.

ويوضح “حسنين” أن الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر يفتح الباب أمام فرص عمل جديدة في قطاعات الطاقة المتجددة وإدارة النفايات والزراعة المستدامة، مما يساعد في الحد من البطالة والفقر داخل مصر، فالتقدم التكنولوجي يوفر فرصًا للشركات المصرية لتطوير تقنيات خضراء مبتكرة وتصديرها إلى الأسواق العالمية.

إلا أن عمليات التحول إلى الاقتصاد الأخضر تستوجب تطوير البنية الأساسية، مثل شبكات نقل الكهرباء المستدامة وتحسين أنظمة المياه والصرف الصحي، إلا أن مصر قد تواجه صعوبات في تنفيذ هذه المشروعات بسبب التكاليف المرتفعة والتحديات الهندسية.

تحسين جودة الصحة العامة

تحسين إدارة النفايات والحد من التلوث يسهم مباشرة في تحسين جودة الهواء والصحة العامة، يقلل أعباء أنظمة الرعاية الصحية ويحسّن مستوى المعيشة، خصوصًا في المناطق الريفية التي تعتمد على مصادر طاقة تقليدية ملوِّث، حسب “حسنين”.

ويشير الباحث الاقتصادي إلى أن الوعي العالمي المتزايد بتغير المناخ قد أدى إلى تغيير توجهات الاستثمار خلال السنوات الأخيرة، إذ أصبح تمويل المشروعات الخضراء في قطاعات مثل الطاقة المتجددة والنقل النظيف، وإدارة النفايات والمياه أكثر انتشارًا.

ووفقًا لبيانات “ستاتيستا”، فقد شهد إصدار السندات الخضراء نموًا كبيرًا بين عامي 2014 و2020، بينما تخطت قيمتها عالميًا 600 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ما يجعلها أداة مالية رئيسة للتحوط ضد تغير المناخ وتعزيز الاستدامة البيئية.

المسئولية المجتمعية للشركات تجاه البيئة

يقول “عيسى” إن المسئولية المجتمعية للشركات تجاه البيئة تتطلب تمويل المشروعات البيئية بالتعاون مع الحكومة، عبر خطط واضحة تُنفذ بواسطة كوادر مؤهلة تمتلك خبرات دولية، لعرض الجهود المصرية أمام المنظمات العالمية المعنية بالاستدامة البيئية.

 أما تقارير “ماكينزي” فإنها تؤكد أن الشركات التي تتبنى مبادرات بيئية مستدامة، مثل الفعاليات النباتية والمشروعات الصديقة للبيئة، تحقق نموًا مطّردًا كل 5 سنوات، ما يعكس أهمية الاستثمار في الاستدامة البيئية لضمان مستقبل اقتصادي قوي ومتوازن.

كما يدعو “عيسى” إلى ضرورة إيجاد جسور لتنسيق التغطيات الإعلامية للفعاليات البيئية مع وسائل الإعلام العالمية، لضمان تسليط الضوء على الجهود البيئية، ولا سيما في مصر، وتعزيز فرص تحسين تصنيفها عالميًا.

برامج تدريبية للعاملين بالصناعات

ويؤكد “الحملي” على ضرورة تطبيق تقنيات متطورة لرصد الملوثات الصادرة عن الصناعات ذات التأثير البيئي، لضمان التحكم الفعّال في مستويات التلوث وتقليل مخاطره.

فإجراء دراسات ميدانية شاملة لتقييم تأثيرات الصناعات المختلفة، ولا سيما قطاع النفط، يعد خطوة أساسية لحماية كل من العاملين والمجتمعات المحيطة من المخاطر البيئية والصحية، حسب “الحملي”.

بينما يشدد مهندس السلامة والصحة المهنية على ضرورة تعزيز إجراءات الأمن في مواقع العمل، من خلال اتخاذ تدابير وقائية صارمة تهدف إلى تقليل الإصابات والأضرار الناجمة عن التعرض للملوثات الخطرة.

إعادة تأهيل البيئات المتدهورة

يؤكد “المصري” على ضرورة تعزيز مرونة وكفاءة النظم البيئية والإنسانية، عبر تشجيع الزراعة المتجددة والمتنوعة، وإطلاق مشروعات إعادة تأهيل البيئات المتدهورة، من خلال تهيئة الظروف الملائمة لاستعادة التوازن الطبيعي، بما يساهم في تحقيق استدامة الموارد الطبيعية.

وعن سُبل تحقيق ذلك، يضيف “المصري” أهمية تبنّي الدولة والجهات الإقليمية والدولية لمبدأ “المُلوِّث يدفع”، داعيًا إلى سنّ تشريعات رادعة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، تلزم الشركات والمصانع بتحمل تكلفة التلوث البيئي وإعادة تدوير النفايات للحد من تداعياتها.

ويضيف “عيسى”، أن رفع مستوى الوعي البيئي في المجتمع لا يكتمل إلا بردع المخالفين، عبر غرامات صارمة تُوظّف في تمويل مشروعات الاستدامة البيئية، مثل منع إلقاء القمامة والمخلفات الصناعية والصحية والزراعية على الشواطئ وفي الأنهار وحظر حرق النفايات في الشوارع، حفاظًا على الهواء والمياه من التلوث.

وحسب بيانات “ستاتيستا”، فإن تلوث الأراضي يسهم في تراجع التنوع البيولوجي وصحة الإنسان، إذ إن معدلات تدهور الأراضي العالمية تتسارع بشكل يفوق القدرة على استعادتها، ما يهدد الأمن الغذائي والمائي لملايين السكان، فيما شهدت منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى واحدًا من أسرع معدلات التدهور في السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت نسبة الأراضي المتدهورة هناك بنحو 8% بين عامي 2015 و2019.

بينما توصي الدكتورة أمل يوسف، الباحثة بمعهد الدراسات العليا والبحوث البيئية بجامعة دمنهور، المعنونة في دراستها “فاعلية الأدب البيئي في تنمية الثقافة البيئية لدى طلاب المرحلة الابتدائية”، بضرورة تأهيل المعلمين لاستخدام طرق التدريس القائمة على النظرية الثقافية الاجتماعية، لتعزيز قدرة الطلاب على استيعاب المفاهيم البيئية وقيمها.

وحسب الدراسة -التي حصلت “المال” على نسخة منها- شددت التوصيات على تعزيز السلوكيات البيئية الإيجابية عبر إقامة فعاليات بيئية وندوات توعوية بالمدارس خلال يوم البيئة العالمي ويوم الأرض، بمشاركة المسئولين البيئيين في المحافظات.

كما تدعو الباحثة إلى تفعيل بروتوكولات التعاون بين وزارتي البيئة والتربية والتعليم، من خلال تنظيم زيارات للمحميات الطبيعية، والترويج لبرامج إعادة التدوير، إلى جانب إطلاق مسابقات مدرسية حول القضايا البيئية، مع تقديم جوائز تحفيزية للطلاب، بهدف غرس القيم البيئية في الأجيال الناشئة.

“التأمين الأخضر” أو “الأخلاقيّ”

الدكتورة باسمة مندور، إحدى قيادات شركة ثروة للتأمين، تقول إن قطاع التأمين، على المستوى العالمي أو الإقليمي أو المحلي، يلعب دورًا رئيسًا في تشكيل أولويات الشركات التي يستهدفها بخدماته.

وتوضح “باسمة” لـ”المال” أن شركات التأمين يمكنها اشتراط التزام المنشئات بمعايير الاستدامة للحصول على التغطيات التأمينية، فيما قد ترفض بعض الشركات تقديم خدماتها للمصانع التي لا تلتزم بإجراءات السلامة والصحة المهنية.

فقد تبنّت العديد من الشركات العالمية نهجًا حاسمًا خلال السنوات الأخيرة، وتوقفت عن توفير تغطيات تأمينية لمحطات توليد الطاقة المعتمدة على الوقود الأحفوري، ما دفع بعض المؤسسات الكبرى للتحول نحو الطاقة النظيفة كبديل مستدام، حسب “باسمة”.

وكانت شركة “أليانز” العالمية للتأمين قد أعلنت التزامها بتحقيق صافي انبعاثات صفرية في محفظتها الاستثمارية بحلول عام 2050، فيما نجحت “زيورخ” بالفعل في خفض انبعاثات الكربون من عملياتها بنسبة 73%، عبر الاستثمار في المنشئات المستدامة وتقليل استهلاك الطاقة.

صعود مفهوم “التأمين الأخضر”

تؤكد “باسمة” أن هناك اتجاهًا متزايدًا داخل قطاع التأمين نحو تبني معايير الاستدامة، فيما بات يُعرف بـ”التأمين الأخضر” أو “التأمين الأخلاقي”، حيث تعمل الشركات على دمج المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) في بنود التغطيات التأمينية، بما يهدف إلى تعزيز الممارسات المستدامة وتقليل التأثير البيئي السلبي.

إضافة إلى أن شركات تأمينات الحياة تحاول أن تضيف تغطيات جديدة إلى نماذجها التأمينية، لتشمل الأمراض والأوبئة الناجمة عن الممارسات البيئية غير السليمة، ما يمكن أن يعزز من الوقاية والاستجابة السريعة للأزمات الصحية المرتبطة بالبيئة، حسب “باسمة”.