الاستثمار الأجنبى المباشر يضغط على ميزان المدفوعات

أظهرت بيانات ميزان المدفوعات أن صافى الاستثمار الأجنبى المباشر سجل 4.646 مليار دولار خلال الفترة من أول يوليو إلى نهاية مارس من العام المالى 2018 / 2019، وهو أقل مستوى خلال خمس سنوات، وفقًا لبيانات البنك المركزى، مقابل 6.019 مليار دولار خلال الفترة المقابلة من العام المالى الماضى

الاستثمار الأجنبى المباشر يضغط على ميزان المدفوعات
سيد بدر

سيد بدر

6:29 ص, الخميس, 18 يوليو 19

■ حقق أقل مستوى فى 5 سنوات

■ «الأونكتاد»: الإصلاحات الضريبية الأمريكية والحرب التجارية تلقيان بظلالهما على تدفق الاستثمار عالميًا


■ يارا الكحكى: أسعار الفائدة مرتفعة وخفضها %2 يحفز الأجانب

■ طارق متولى: لسنا دولة بترولية ونحتاج إلى جذب التدفقات فى كل القطاعات

■ طارق حلمى: الحكومة مطالبة برحلات مستمرة لترويج الفرص المتاحة

ساهم ضعف الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال أول 9 شهور من العام المالى الجارى، ضمن عدد من المؤشرات الأخرى التى تعكس تعاملات مصر مع العالم الخارجى، فى الضغط على ميزان المدفوعات الكلى ليحقق 351.2 مليون دولار عجزًا خلال الفترة نفسها مقابل فائض 10.9 مليار دولار للشهور التسعة الأولى من عام 2017-2018.

وأظهرت بيانات ميزان المدفوعات أن صافى الاستثمار الأجنبى المباشر سجل 4.646 مليار دولار خلال الفترة من أول يوليو إلى نهاية مارس من العام المالى 2018 / 2019، وهو أقل مستوى خلال خمس سنوات، وفقًا لبيانات البنك المركزى، مقابل 6.019 مليار دولار خلال الفترة المقابلة من العام المالى الماضى، وتحدد الحكومة مستهدف الوصول بصافى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر لـ10 مليارات دولار منذ سنوات لكنها لم تنجح فى تحقيقه حتى الآن.

■ محمد عبد العال: مصر تحتل مرتبة متقدمة على مستوى المنطقة فى جذب الاستثمارات الأجنبية رغم انخفاضها

وأجمع مصرفيون وخبراء أن هناك العديد من العقبات التى تحول دون نشاط الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الفترة الماضية، من أهمها ارتفاع أسعار الفائدة على الإقراض وتحفظ البنك المركزى على خفضها فى ظل استهداف معدلات تضخم أحادية خلال العام المقبل، بالإضافة إلى بعض المعوقات فى قانون الاستثمار الموحد التى تعمل الحكومة على حلها.

وأوضحوا أن الحكومة يجب أن تسعى للترويج لوضع الاستثمار المباشر فى مصر، من خلال رحلات ترويجية تسعى لجذب الاستثمارات، وزيادة التسهيلات الممنوحة على الأراضى والحوافز الأخرى، لتشجيع الاستثمارات فى مختلف القطاعات فى ظل سيطرة الاستثمارات فى قطاعى البترول والعقارات.

ويعتبر بند الاستثمارات الأجنبية المباشرة من أهم مصادر التمويل المستدامة للدول فى ظل قدرته على توفير عملة أجنبية وفرص عمل وتحقيق تنمية مستدامة وحقيقية، على عكس استثمارات محافظ الأوراق المالية التى تتقلب بين شهر وآخر تبعًا لرغبات المستثمرين والتطورات قصيرة الأجل.

وفقًا لبيانات ميزان المدفوعات فقد سجلت إجمالى التدفقات الداخلة للاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر نحو 10.2 مليار دولار، بينما سجلت التدفقات للخارج نحو 5.6 مليار دولار، ليسجل صافى تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو 4.6 مليار دولار.

ورغم أن مصر تشهد طفرة فى الاستثمارات الأجنبية بقطاع البترول والغاز الطبيعى فإنها لم تفلح فى زيادة حقيقية لا سيما مع تراجع الاستثمارات فى القطاعات الأخرى وارتفاع التدفقات الخارجة، حيث توضح بيانات البنك المركزى أن الاستثمارات الواردة لتأسيس شركات أو زيادة رءوس أموالها سجل صافى تدفق للداخل بقيمة 903 ملايين دولار، كما ارتفعت التحويلات الواردة لشراء عقارات فى مصر بمعرفة غير المقيمين لتصل إلى 725.7 مليون دولار.

ورغم هذا التراجع فقد تصدرت مصر قائمة الدول الأكبر استقبالا للاستثمارات الأجنبية المباشرة فى أفريقيا خلال العام الماضى، على الرغم من تراجع التدفقات الأجنبية إليها بنسبة %8.2 لتبلغ 6.8 مليار دولار.

وذكر تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، أن أغلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى مصر وجهت لقطاع الغاز والبترول، وهناك استثمارات ضخمة وجهت لمشروعات كبرى فى قطاعات أخرى أسهمت فى تنويع وجهة الاستثمارات الأجنبية.

ويشير التقرير إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى مصر للعام الثانى، بعد أن ارتفعت إلى 8.1 مليار دولار فى 2016، قبل أن تنخفض إلى 7.4 مليار دولار فى عام 2017.

ويبدو أن هناك مشكلة عالمية فيما يتعلق بتدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة فقد انخفضت التدفقات لأدنى مستوى منذ الأزمة المالية فى 2008؛ إذ تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالعالم بنحو %13 على أساس سنوى فى 2018 لتصل إلى 1.3 تريليون دولار، فى ثالث تراجع سنوى على التوالى بحسب تقرير «الأونكتاد».

وأرجع التقرير ذلك إلى الإصلاحات الضريبية التى أدخلها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى 2017، والتى قدمت حوافز ضريبية للشركات الأمريكية العالمية بهدف إعادة رءوس أموالها للاستثمار فى الاقتصاد الأمريكى.

وتوقع تقرير «الأونكتاد» أن يشهد العام الحالى تحسنا طفيفا فيما يتعلق بتدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة حول العالم مع خفوت آثار إصلاحات الضرائب الأمريكية، وقد يأتى هذا التحسن فى الاستثمار فى المشروعات الجديدة الذى نما بنسبة %41 العام الماضى.

ويرى الأمين العام لـ «الأونكتاد» موكشيا كيتويا، أن المخاطر الجيوسياسية والتوترات التجارية ستظل تلقى بظلالها السلبية على الاستثمار الأجنبى المباشر فى عام 2019 وما يليه.

وقال محمد عبد العال، الخبير الاقصادى، إنه رغم انخفاض حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة فإن التدفقات الداخلة تحتل فيها مصر المركز الثالث بمنطقة الشرق الأوسط، وهو ما يجعلنا من أعلى النسب فى هذا الأمر.

ولفت إلى أن هناك بعض المشكلات تتعلق بعدم الاستقرار الجيوسياسى بمنطقة الشرق الأوسط، والتوترات التى أثرت خلال الفترة الماضية على السندات العالمية وتؤثر بالتأكيد على الاستثمار الأجنبى المباشر، مشيرًا إلى أنه رغم الإجراءات التى اتخذتها مصر على مستوى الاستثمار الأجنبى المباشر فإنه لاتزال البيئة غير مهيئة بشكل كامل.

وقالت يارا الكحكى، محلل الاقتصاد الكلى ببنك الاستثمار نعيم، إنه رغم أن الاستثمار الأجنبى المباشر حقق أقل مستوى فى 5 سنوات خلال أول تسعة شهور من العام المالى الجارى، فإنه بدأ التحسن فى الربع الثالث من العام، موضحة أن الحكومة تدرك أن هناك بعض العقبات فى قانون الاستثمار الموحد وتعمل عليها بخلاف التعديلات التى صدرت خلال الأيام الماضية.

وأشارت إلى أن هناك بعض العقبات التى تعوق مناخ الاستثمار فى مصر تعمل الحكومة على حلها لتحقيق مستهدفها بزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمستوى 10 مليارات دولار.

وأوضحت أن سعر الفائدة المرتفع أيضًا من العقبات التى تواجه تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، قائلة «فى حالة إقدام البنك المركزى على خفض الفائدة بنحو %2 خلال العام الحالى فإن ذلك سيكون حافزًا جيدًا للمستثمرين الأجانب».

وأضافت أن معظم الاستثمارات المباشرة التى تتدفق فى السوق المحلية خلال الفترة الحالية فى قطاعى البترول والاستثمار العقارى، لافتة إلى أن الفترة الحالية تشهد تنسيق بين الوزارات الحكومية للسير فى خطوات متكاملة لتنشيط الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

ونوهت إلى أن الحكومة تسعى لتوقيع اتفاقية مع صندوق النقد الدولى لتقديم الاستشارات ومتابعة برنامج الإصلاح الاقتصادى دون الحصول على قروض جديدة، وهو ما سيضمن مضى الدولة قدمًا فى خطة إصلاحية لتحسين مؤشرات الاقتصاد المصرى.

وقال طارق متولى، الخبير المصرفى، إن سعر الفائدة من أكبر العوائق التى تقف أمام قدوم الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى السوق المحلية، موضحًا أن السياسة النقدية كان أمامها فرصة لخفض الفائدة لأقل من ذلك فى الفترة الماضية بعد السيطرة على معدلات التضخم.

وشدد على أنه رغم الإجراءات التحفيزية التى تم اتخاذها لتشجيع الاستثمار إلا أننا لانزال دولة مرتفعة فى نسبة الضرائب المفروضة على المستثمرين، كما أن الأراضى مرتفعة الثمن مقارنة بدول أخرى، وأسعار الفائدة لاتزال غير محفزة لذلك يجب أن تسعى الدولة بشكل واقعى للتغلب على هذه المشكلات لتحقيق تقدم حقيقى فى المؤشرات التى تقوى الاقتصاد.
وأشار إلى أن مصر ليست دولة بترولية تعتمد بشكل كلى على الاكتشافات فى مجال البترول والغاز، كما أن الاستثمار العقارى لا يحقق زيادة الإنتاج التى نرجوها، مشددا على ضرورة السعى إلى جذب استثمارات أجنبية فى مجالات التصنيع والمجالات الإنتاجية الأخرى التى توفر العمالة وتدعم الناتج المحلى الإجمالى.

وقال طارق حلمى، الخبير المصرفى وعضو مجلس إدارة بنك قناة السويس، إنه يجب على الحكومة أن تبذل مزيدا من الجهود فيما يتعلق بالترويج للفرص الاستثمارية فى السوق المحلية من خلال البعثات الاقتصادية بالسفارات وإظهار الإصلاحات الاقتصادية التى حدثت فى الداخل للعالم.

وأوضح أن قطاع السياحة حقق نتائج مبهرة من البعثات والجهود التى قامت بها الحكومة للترويج للفرص المتاحة فى السوق، وهو ما يجب أن يتم على مستوى الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

واستبعد أن يكون لأسعار الفائدة التأثير الكبير فى تراجع تدفقات الاستثمارات الأجنبية للسوق المحلية، مشددًا على أن الفائدة عامل مؤثر لكن ليس الوحيد فى هذا الأمر.