انخفضت الاستثمارات الأجنبية الجديدة في الصين إلى أدنى مستوى لها في 25 عامًا، في الربع الثاني من هذا العام، مما أثار مخاوف بشأن مدى تأثير التوترات الجيوسياسية وتباطؤ تعافي الاقتصاد على ثقة الشركات، بحسب وكالة بلومبرج.
تراجعت التزامات الاستثمار المباشر- وهي مقياس للاستثمار الأجنبي المباشر في الصين- إلى 4.9 مليار دولار فقط خلال الربع الثاني من 2023، حسب الأرقام التي أصدرتها “إدارة الدولة للنقد الأجنبي” يوم الجمعة.
وبذلك تنخفض 87% مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية، وقد سجّلت أقل مستوى للاستثمار الأجنبي خلال ربع عام في سلسلة البيانات التي تعود إلى عام 1998.
تراجع الاستثمارات الأجنبية الجديدة
قالت ميشيل لام، الخبيرة الاقتصادية في قسم الصين الكبرى لدى “سوسيته جنرال”: “إن الهبوط في مقياس الاستثمار الأجنبي المباشر أمر مثير للقلق”.
وأضافت: “قد يعني ذلك استمرار وجود استثمارات جديدة مقبلة، لكن بعض الشركات تعيد استثمار القليل من أرباحها الحالية”، حيث تتحدث الشركات أكثر عن “تنويع سلسلة التوريد”.
بيانات إدارة الدولة للنقد الأجنبي، التي تقيس صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي، يمكن أن تعكس اتجاهات أرباح الشركات الأجنبية، فضلًا عن التغيرات في حجم عملياتها بالصين، حسب خبراء اقتصاديين.
أدت الرسوم الجمركية الأميركية، خلال الحرب التجارية، إلى ارتفاع التكاليف، وقيّد وباء كورونا دخول البلاد على مدى نحو ثلاث سنوات، ودفعت التوترات الجيوسياسية المتزايدة الشركات إلى إعادة التفكير بشأن تحملها للمخاطر.
أدى تراجع التعافي الاقتصادي منذ بداية 2023 إلى تراجع الثقة بين الشركات الأجنبية، والتي شهدت انخفاض الأرباح بمعدلات من رقمين (أكثر من 10%) وسط انخفاض طلب المستهلكين في البلاد.
تشديد قبضة الأمن على الاستشارات
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت الشركات الصينية في صناعة السيارات قادرة على المنافسة بشكل متزايد وتقلل من مبيعات الشركات الأجنبية وأرباحها. وذلك رغم أن هذه الشركات الأجنبية المتخصصة في صناعة السيارات من أكبر الجهات التي تستثمر في الصين.
في يوليو، قررت شركة ميتسوبيشي موتورز اليابانية تعليق عملياتها في الصين بعد سنوات من تباطؤ المبيعات، وقال الرئيس التنفيذي لشركة مازدا موتور، ماساهيرو مورو، إن الشركات من المرجح أن تعاني في الصين بسبب المنافسة الشديدة في أكبر سوق للسيارات الكهربائية بالعالم.
في العام الماضي، أغلقت شركة ستيلانتيس مصنعها الوحيد لصناعة سيارات من طراز “جيب” في الصين، وأعلنت أن علامتها التجارية أوبل أوقفت التوسع المخطط له.
كما قال بعض المديرين التنفيذيين الأجانب إنهم يشعرون بالقلق إزاء إظهار الحكومة تشديد القبضة على إجراءات الأمن، مثل التحقيق، في وقت سابق من هذا العام، بشأن الاستشارات التي يقدمها الخبراء وتستخدمها الشركات للعمل في الصين.
حاول كبار المسئولين، بينهم الرئيس شي جين بينغ، التحدث بنبرة أكثر إيجابية للشركات الأجنبية، خلال الأشهر الأخيرة، في إطار الجهود المبذولة لتعزيز النمو الاقتصادي، حيث التقوا، في بكين، بقادة أعمال عالميين؛ بينهم جيمي ديمون، وإيلون ماسك.
ومع ذلك يبقى أن نرى مدى فعالية ذلك في القضاء على حالة التشاؤم تجاه الاستثمار والعمل في البلاد.
أول تراجع منذ ثلاث سنوات
أظهرت أرقام حكومية مستقلة أن الاستثمار الأجنبي المباشر انخفض 2.7%، خلال النصف الأول من 2023، على أساس سنوي، وهو أول تراجع منذ ثلاث سنوات، حسب بيانات سابقة نشرتها وزارة التجارة، والتي تحسب إجمالي التدفقات الوافدة.
بذلك أصبح إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر حوالي 41 مليار دولار في الربع الثاني، وفق حسابات “بلومبرغ” اعتمادًا على البيانات الرسمية.
لا تتضمن أرقام وزارة التجارة الأرباح المعاد استثمارها للشركات الأجنبية الحالية، وأقل تقلبًا بكثير من بيانات إدارة الدولة للنقد الأجنبي، حسب ميشيل لام، الخبيرة الاقتصادية في قسم الصين الكبرى لدى مصرف “سوسيته جنرال”.
قالت بيتشان ليو، محللة اقتصادات آسيا لدى “فيديليتي إنترناشيونال : “تظهر المجموعتان من البيانات تباطؤًا تدريجيًّا في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الصين خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يتوافق مع تطوير سلسلة التوريد الصناعية طويلة الأجل في الصين وتنويع سلسلة الإمداد العالمية”.
كتب محللون؛ بينهم لوجان رايت لدى “روديوم غروب”، في تقرير صدر خلال يوليو، أن تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الصين في الواقع قد يكون أعمق بكثير مما تُظهره كلتا المجموعتين من البيانات.
طريقة حساب المعاملات المالية
يرجع ذلك إلى أن البيانات تقيس بشكل متزايد المعاملات المالية البحتة، بما في ذلك تلك التي تقوم بها الشركات الصينية المملوكة للدولة، بدلًا من قرارات الشركات الأجنبية، على حد قولهم.
كتب المحللون: “نتيجة لذلك، قد لا يعرف صُناع القرار في الصين متى يتعين عليهم تعديل السياسات بشكل أكثر جرأة لمحاولة استعادة ثقة الشركات”.
أضافوا: “وسط تباطؤ هيكلي أوسع في الاقتصاد الصيني، يمكن أن تُحدث ردود الفعل المتأخرة مزيدًا من الخسائر في الإنتاجية والنمو الاقتصادي”.