رهنت الشركات الفنلندية التوسع فى تنفيذ استثمارات جديدة بالسوق المحلية باستقرار الأوضاع السياسية والأمنية، خاصة فى ظل حالة الاحتقان السياسى الذى تعرض له المجتمع بعد الاعلان الدستورى الأخير الذى أصدره الرئيس محمد مرسى خلال الأيام القليلة الماضية.
وتتصدر قطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والطاقة الجديدة والمتجددة والمشروعات الخدمية واللوجيستية، فضلاً عن التصنيع الزراعى أبرز أولويات المستثمرين الفنلنديين فى الوقت الحالى، خاصة المطروحة فى منطقتى قناة السويس وسيناء.
«المال» التقت ياسر شوقى، الملحق التجارى الفنلندى لبحث العلاقات المصرية الفنلندية الاقتصادية فى الوقت الحالى، وكذلك مستقبل تدفق رؤوس الأموال الجديدة خلال الفترة المقبلة، فضلاً عن معرفة المخطط العام الذى تخطط فنلندا لتحقيقه مع مصر خلال العام المقبل، إلى جانب التعرف على المساعدات الاقتصادية التى تدرس دولته تقديمها لمصر خلال الفترة المقبلة ضمن الحزم التمويلية التى تعهد الاتحاد الأوروبى بتقديمها لمصر خلال الـ24 شهراً المقبلة بنحو 5 مليارات يورو.
فى البداية يقول شوقى، المصرى الحاصل على الجنسية الفنلندية وتم اختياره ليكون ملحقاً تجارياً للسفارة الفنلندية فى القاهرة، إن الوضع السياسى الذى وصلت إليه مصر فى الوقت الحالى نتيجة قيام جماعة الإخوان المسلمين بالاستحواذ على جميع العملية السياسية وعدم اتاحة الفرصة لمشاركة لجميع الفصائل والتيارات السياسية، خاصة بعد الإعلان الدستورى الأخير الذى أعلنه الدكتور محمد مرسى الذى أثر بشكل كبير على رؤية الشركات الفنلندية للاستثمار بالسوق المحلية.
وأضاف أن الشركات الفنلندية لن تستثمر جنيهاً فى مصر إلا بعد حدوث استقرار تام للوضع السياسى الذى سيترتب عليه بالتبعية الاستقرار الأمنى اللازم لإقامة أى مشروعات جديدة.
مؤسسة الرئاسة لديها فرصة للتحاور مع فصائل المجتمع لتصحيح الآثار السلبية للإعلان الدستورى
ويرى الملحق التجارى الفنلندى أن مؤسسة الرئاسة لديها فرصة للتحاور مع جميع فصائل المجتمع لتصحيح الآثار السلبية للإعلان الدستورى الذى أعطى للرئيس جميع الصلاحيات.
وقال: «إذا تحدثت باعتبارى مصرياً فأنا أرفض تلك الصلاحيات وإذا تحدثت باعتبارى مسئولاً عن الملف الاقتصادى لدولة أجنبية فلن تقوم الشركات الأجنبية بتنفيذ استثمارات جديدة بالسوق المحلية فى ظل اشتداد حالة الاحتقان داخل المجتمع الذى يعتبر حكراً على فصيل واحد فقط ما يعطى الفرصة لاندلاع المزيد من الاضطرابات».
وعن الزيارة التى كان من المقرر أن يقوم بها أعضاء فى الحكومة الفنلندية لمصر خلال أيام لبحث فرص المشروعات المشتركة بين الجانبين، قال الملحق التجارى الفنلندى إن الزيارة تأجلت لشهر مارس 2013 نتيجة ظروف صحية لوزيرة الاتصالات الفنلندية التى كان من المقرر أن ترأس الوفد إلا أنه أكد أن التأجيل جاء فى صالح الطرفين نتيجة توتر الشارع المصرى بعد الإعلان الدستورى.
وأوضح الملحق التجارى الفنلندى أن الزيارة كانت ستناقش فرص الاستثمار المتاحة فى عدد من القطاعات، يأتى على رأسها قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فضلاً عن مجال تأمين قواعد البيانات الخاصة بالمنشآت الحكومية سواء كانت البنوك أو الشركات منعاً لاختراقها من الخارج.
وأكد أن قطاع الاتصالات يستحوذ على الاهتمام الأكبر من هذه الزيارة خاصة أنه تم إجراء مباحثات بين الجانبين المصرى والفنلندى خلال حكومة الدكتور كمال الجنزورى أثناء زيارة وفد برئاسة الدكتور محمد سالم وزير الاتصالات لفنلندا.
وقال الملحق التجارى الفنلندى إن الزيارة كانت تستهدف بحث فرص التعاون فى مجال الطاقة الجديدة والمتجددة خاصة أن مصر تمتلك مقومات تجعلها فى مصاف الدول المنتجة لهذه النوعية من الطاقة فى جميع أنحاء العالم.
الشركات الفنلندية لديها اهتمام كبير باقامة مشروعات خدمية داخل منطقة قناة السويس
وأوضح أن الشركات الفنلندية لديها اهتمام كبير باقامة مشروعات خدمية ولوجيستية داخل منطقة قناة السويس وشرق التفريعة، خاصة فى الأراضى التى انتهت الحكومة من ترفيقها بالمنطقة والبالغة 33 كيلو متراً مربعاً، مشيراً إلى أن وزارة الاستثمار خاطبت عدداً من الشركات الأجنبية بما فيها الحصول على أراض بأسعار تصل إلى 6 جنيهات للمتر الواحد.
وأكد أن هذه الأسعار تعد من ارخص الأسعار التى تطرحها أى دولة فى العالم داخل منطقة استثمارية متميزة إلا أن الشركات فضلت عدم المخاطرة وإجراء تعاقدات لاقامة مشروعات جديدة لحين استقرار الأوضاع الأمنية داخل منطقة سيناء من ناحية، فضلاً عن استقرار الأوضاع السياسية فى جميع أنحاء الجمهورية من ناحية أخرى.
وقال الملحق التجارى الفنلندى إن إحدى الشركات الفنلندية لديها خطة لإقامة مشروعات استثمارية بتكلفة مبدئية تقدر بحوالى 100 مليون يورو فى مشروعات خدمية ولوجيستية داخل قناة السويس منها مشروعات لتموين السفن والشحن والتفريغ، مضيفاً أن شركات أخرى لديها الرغبة فى اقامة موانئ بديلة يمكن استغلالها أثناء صيانة المراكب المارة بقناة السويس فى حال حدوث أى أعطال بما يساعد على عدم توقف المجرى الملاحى وتيسير حركة المرور فيه.
وقال إن هذه النوعية من المشروعات تتسم بارتفاع ربحيتها بسبب أعداد السفن الكبيرة المارة بقناة السويس حيث تتراوح بين 12 و14 ألف سفينة سنوياً، مرحباً بالخطة التى وضعتها الحكومة لتنمية تلك المنطقة والتى من شأنها جذب استثمارات تتجاوز الـ 100 مليار جنيه، فضلاً عن زيادة إيرادات القناة بحيث تصل إلى 33 مليار دولار سنوياً بدلاً من 5 مليارات دولار ايرادات محققة حالياً.
وقال شوقى إن إحدى الشركات أبدت استعدادها لاقامة مشروعات صغيرة ومتوسطة داخل منطقة قناة السويس وعلى رأسها مشروعات تبريد وتصنيع المنتجات الغذائية بالقرب من ميناء سفاجا، لافتاً إلى أن قيمة التكلفة الاستثمارية الخاصة بالمشروع قد لا تتجاوز 2 مليون يورو إلا أنها تتميز بارتفاع عوائدها نظراً للقيمة المضافة العالية التى تقدمها.
بعض الشركات لديها دراسات خاصة لتقليل استهلاك الطاقة داخل مصانع الأسمنت العاملة بالسوق المحلية
وأشار الملحق التجارى الفنلندى إلى أن بعض الشركات لديها دراسات خاصة لتقليل استهلاك الطاقة داخل مصانع الأسمنت العاملة بالسوق المحلية عبر استخدام «أقراص صلبة» صغيرة يتم تصنيعها من مخلفات القمامة ثم يتم تسخينها لدرجة الانصهار بما يساعد على توليد طاقة عالية للغاية، لافتاً إلى أن الشركة عرضت هذه الدراسات على وزارة الكهرباء والطاقة وجار التفاوض مع عدد من مؤسسات التمويل الدولية لتدبير التمويل اللازم للمشروع.
وأكد ياسر أنه من شأن دخول هذا المشروع حيز النفاذ حل جانب كبير من الأزمة التى تواجهها الصناعات المصرية خاصة المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة.
وقال إن هناك مفاوضات مع وزارة الاتصالات لتنفيذ مشروع إطفاء الحرائق بنظام البخار مشيراً إلى أن التكلفة الاستثمارية للمشروع ستصل إلى 39 مليون يورو، موضحاً أن هذه التكنولوجيا تتم عبر تحويل الماء إلى جزيئات صغيرة جداً بما يحافظ على المستندات والأوراق المكتبية خاصة فى المنشآت المهمة مثل الوزارات والبنوك والمتاحف ودور الوثائق التاريخية.
وتابع: إن الحكومة الفنلندية عرضت على مصر توفير 4 كراكات زراعية لتطهير البحيرات الملاحية خاصة فى البرلس والمنزلة، إلا أن المشروع متوقف نتيجة ارتفاع تكلفة شراء الكراكة والتى تصل إلى 4 ملايين يورو إلا أنها مجهزة بأحدث المعدات والماكينات الخاصة بأعمال التطهير، مشيراً إلى أن الكراكات لديها القدرة على تطهير جميع المجارى المائية فى مصر التى تمتلك مسطحات مائية لا توجد فى الكثير من دول العالم إلا أن حجم مساهمتها فى الاستخراج السمكى لا يتجاوز الـ1% نتيجة تفوق الأسماك فى أعداد كبيرة من البحيرات مما جعل مصر من الدول المستوردة للأسماك.
وقال الملحق التجارى الفنلندى إن إحدى الشركات قامت بإعداد دراسات لتطهير بحيرة المنزلة التى تحتوى على مسافات كبيرة ضحلة تحتاج للتعميق والتطهير ثم استغلالها بعد ذلك كمزارع ضخمة للأسماك.
فنلندا تسحب عرض بـ40 مليون يورو بسبب تعقد الإجراءات خلال النظام السابق
وأوضح أن الحكومة الفنلندية عرضت على وزارة الرى خلال حكومات النظام السابق توفير نحو 40 مليون يورو لأعمال تطهير المجارى البحرية إلا أن تعقد الإجراءات وتباطؤ الجهات المسئولة أديا إلى سحب العرض المقدم.
وعن رأيه فى تأثير الأوضاع الحالية على المساعدات المالية التى أعلنت الحكومة عن سعيها للحصول عليها خلال الـ 18 شهراً المقبلة بنحو 14.5 مليار دولار للحفاظ على معدلات عجز لا تتجاوز الـ 8.5% بنهاية العام المالى المقبل 2013-2014، قال الملحق التجارى الفنلندى إن هذه المساعدات مهددة حالياً نتيجة حالة الاحتقان السياسى الذى يمر به الشارع المصرى حالياً، مشيراً إلى أن الاتفاق المبدئى مع صندوق النقد الدولى لا يعنى بأى حال الحصول على التوقيع النهائى كما أن الاتحاد الأوروبى دائماً حريص على تحقيق التحول الديمقراطى فى جميع دول العالم ويربط مساعداته بذلك.
وأوضح الملحق التجارى الفنلندى أن الوضع الاقتصادى المصرى من المتوقع أن يشهد انهياراً شديداً مع نهاية العام المالى الحالى نتيجة عجز الحكومة عن التحرك تجاه حسم الملفات الرئيسية كما لم يتم الإعلان حتى الآن عن برنامج اصلاحى متكامل وتم الاقتصار على مبادئ عامة.
وقال شوقى إنه حضر المؤتمر الذى نظمته مؤسسة اليورومنى مطلع أكتوبر الماضى، طامعاً فى الحصول على أى معلومات جديدة تتناول الإجراءات التى ستتخذها الحكومة للخروج من الأزمة الحالية لكنه لم يجد أى رد على خلاف ما كان يتم فى المؤتمرات السابقة للثورة والتى حقق فيها الاقتصاد المحلى معدلات نمو تتجاوز الـ 7.5%.
وتابع الملحق التجارى الفنلندى: إن مصر لديها فرص استثمارية لا تتوافر فى أى دولة فى العالم إلا أنها فى حاجة إلى استقرار يحفز المستثمر على إقامة مشروعات جديدة.
وعن قيمة المساعدات التى قدمتها فنلندا لمصر خلال السنوات الماضية، قال شوقى إنها بلغت حتى عام 2006 نحو 400 مليون يورو فى شكل منح مباشرة وتوقفت بعد ذلك نتيجة تغير سياسة المساعدات والمنح الفنلندية بحيث تتم فى شكل مشروعات تنموية تساعد على تحقيق نهضة المجتمع خاصة مشروعات التعليم الفنى.
السياسة الجديدة لفنلندا تقضى بمنح مصر نحو 40 مليون يورو سنوياً
وأوضح الملحق التجارى الفنلندى أن السياسة الجديدة لفنلندا تقضى بمنح مصر نحو 40 مليون يورو سنوياً فى صورة مشروعات يتفق عليها الجانبان، بناء على طلب تتقدم به الحكومة المصرية ممثلة فى وزارة التخطيط والتعاون الدولى إلا أنه أشار إلى أنه لم يتم الحصول على أى طلب مصرى بهذا الشأن حتى الآن بما أضاع على مصر نحو 240 مليون يورو كان من الممكن أن تحصل عليها.
وقال إن هناك مباحثات لتوفير التمويل اللازم لوضع برامج لتعليم العمالة الفنية اللغات الأجنبية بحيث تكون قادرة على التعامل مع المعدات الحديثة وإرشادات الاستخدام الخاصة بها والتى عادة ما تكون باللغة الإنجليزية.
وعن قيمة التبادل التجارى بين مصر وفنلندا خلال العام الحالى، قال الملحق التجارى الفنلندى إن قيمة الصادارت المصرية بلغت خلال الفترة من يناير حتى أغسطس الماضى نحو 19.5 مليون يورو فيما بلغت قيمة الواردات المصرية من فنلندا خلال الفترة نفسها نحو 334 مليون يورو.
وتوقع شوقى أن ترتفع قيمة واردات مصر من فنلندا بنهاية العام الحالى إلى 400 مليون يورو، مرجحاً ارتفاع حجم الصادرات المصرية لفنلندا خلال العام المقبل فى حال نجاح المفاوضات مع وزارة الصناعة بشأن السماح للشركات الفنلندية بالدخول فى تحالفات مع الشركات المحلية فى مجال الملاحات، خاصة أن فنلندا تحتاج للملح المصرى لتكسير الثلوج داخل الطرق والمنشآت الحكومية مثل المطارات وغيره.