«الاتحاد الأفروآسيوى للتأمين» يبدأ إعداد قاعدة بيانات عن 52 سوقا

تراجع أسعار صرف العملات فى بعض الدول يقلل شهية معيدى التأمين

«الاتحاد الأفروآسيوى للتأمين» يبدأ إعداد قاعدة بيانات عن 52 سوقا
الشاذلي جمعة

الشاذلي جمعة

10:08 ص, الأحد, 11 سبتمبر 22

بدأ الاتحاد الأفروآسيوى للتأمين وإعادة التأمين فى بناء قاعدة بيانات إلكترونية عن 52 سوقا تمثل بلدان أعضائه الحاليين وتشمل إحصائيات وتشريعات رقابية وقرارات تنظيمية بهدف الاستفادة منها والحث على التعاون المشترك بين الشركات الأعضاء.

وكشف مؤمن مختار الأمين العام للاتحاد أنه يتم الآن دراسة خبرات الأسواق فى نشاط التأمين الزراعى فى العديد من الدول نظرا لأهميته بالنسبة للأعضاء والاستفادة من التجارب الإقليمية الراشدة فى هذا النشاط.

وتطرق مختار إلى عدة ملفات مهمة منها تأثير التطور التكنولوجى وما تولد عنه من مخاطر مثل زيادة الهجمات السيبرانية وانكشاف وتسرب البيانات، وذلك بعد لجوء الشركات للعمل عن بعد خلال اجتياج فيروس كورونا المستجد “كوفيد – 19” العالم.

واستعرض أبرز التحديات التى تواجه الصناعة وآثارها على الأسواق الناشئة وسبل مواجهتها بجانب فرص النمو التى تولدت من رحم تلك الأزمات.

وأشار إلى أن ملف الاستدامة أصبح حتميا على صناعة التأمين التوافق معه، وقريبا سوف يمثل تحديا أمام توفير مظلة حماية تأمينية للمشروعات الملوثة للبيئة، وهو الأمر الذى سيدفع بالمستثمرين فى تلك الأنشطة إلى العمل على الحد من الانبعاثات الكربونية ومعالجة المخلفات الصناعية مما سيضيف عليهم عبئا ماليا إضافيا فى المدى القصير، إلا أن آثاره الإيجابية على المدى المتوسط والبعيدة كثيرة جدا، خاصة فيما يتعلق بملفات مهمة مثل الصحة والمناخ الاستثمارى العام للدولة، وإلى نص الحوار:

● «المال»: متى تأسس الاتحاد الأفروآسيوى للتأمين وإعادة التأمين وما هو دوره؟

مختار: تأسس الاتحاد الأفرو آسيوى للتأمين وإعادة التأمين عام 1964 بمبادرة من رؤساء 4 دول وهى مصر والهند وإندونيسيا والصين فى باندونج الإندونيسية، حيث دعا المؤتمر لزيادة التعاون بين بلدان قارتى أفريقيا وآسيا فى المجال الاقتصادى وزيادة الاعتماد على إمكاناتها، خاصة فى تلك الفترة التى شهدت تحرر الكثير من الدول من الاستعمار.

وتوصل المجتمعون فى المؤتمر إلى آلية لتوطيد التعاون بين بلدان القارتين الأفريقية والآسيوية من خلال اجتماع تنسيقى فى مصر وتم البدء بقطاع التأمين، ثم تم تأسيس الاتحاد الأفروآسيوى للتأمين وإعادة التأمين والذى يضم حالياً أكثر من 200 عضو من 52 دولة يمثلون فى غالبيتهم شركات تأمين وإعادة تأمين وأخرى تعمل فى نشاط الوساطة وجهات اعتبارية مثل الرقابة على التأمين والمعاهد التعليمية المتخصصة فى نشاط التأمين، وتمثل شركات التأمين المصرية العدد الأكبر من الأعضاء بالاتحاد وهو ما يعبر عن أهميتها كدولة مؤسسة تستضيف المقر الدائم للاتحاد منذ إنشائه.

ويلعب الاتحاد دورا محوريا فى دعم أعضائه عبر التعاون بين الأسواق الأفريقية والآسيوية من خلال المؤتمرات والندوات وورش العمل والزيارات المتبادلة والتقارير والإحصائيات عن مختلف الأسواق.

● «المال»: ما هى محاور تطوير الأداء خلال الفترة المقبلة؟

مختار: وضع الاتحاد خطة لبناء مكتبة إلكترونية تضم قواعد بيانات عن أسواق التأمين فى مختلف البلدان الأعضاء، وسيتم قريبا رفعها على موقعه الإلكترونى ليتسنى للأعضاء متابعة تطور نشاط التأمين فى جميع البلدان الأعضاء، وستضم المكتبة الإلكترونية أيضا التشريعات والقرارات والكتب الدورية الصادرة عن الجهات الرقابية المنظمة لنشاط التأمين، وبدأ بالفعل رفع الروابط الإلكترونية الموصلة مباشرة للقرارات والكتب الدورية الصادرة عن الجهات الرقابية فى حوالى 30 دولة.

كما يدرس الاتحاد ملف تطوير المنتجات التأمينية، ومنها التأمين الزراعى نظرا لتعلقه الوثيق بقضية الأمن الغذائى العالمى وتنامى الجهود الرامية لسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، مما حدا بكثير من البلدان إلى التوسع فى أنشطة مثل المزارع السمكية وهى مشروعات تحتاج إلى تغطية تأمينية ضد المخاطر التى تتعرض لها مثل المخاطر التغيرات المناخية والآفات وغيرها مما قد يعرض المحصول أو القطيع لهلاك كلى.

ومن أهم عوامل نجاح التأمين الزراعى ضرورة توعية المزارعين بأهمية التأمين على محاصيلهم وتعريفهم بشروط وثيقة التأمين واستثناءاتها بلغة بسيطة مفهومة وكيفية الحصول على التأمين بطريقة ميسرة وطريقة سداد الأقساط وآلية تقدير التعويضات (عن طريق الصور التى توفرها الأقمار الصناعية مثلاً) وكذلك صرف التعويضات بسرعة وبطرق مبتكرة، خاصة مع تدنى أقساط التأمين الزراعى.

وبدأ الاتحاد فى دراسة التجارب المتقدمة فى التأمين الزراعى بغرض توفير تلك الخبرات للشركات الأعضاء وتشمل الدراسة التعرف على التغطيات المختلفة والدورة التأمينية الكاملة بدءا من طلب التأمين وطرق المعاينة قبل وبعد وقوع الحدث مرورا بالاكتتاب والتسعير والتحكم بالمخاطر وحتى سداد المطالبات، ومن الدول السباقة بالتجارب الناجحة فى هذا المجال المغرب والجزائر والهند والصين وغيرها من الدول الأعضاء بالاتحاد.

وعلى جانب آخر، بدأ الاتحاد بإعداد قاعدة بيانات خاصة بالمعاينين ومقدرى الخسائر على مستوى الدول الأعضاء، بهدف توفير البيانات التى تحتاج الشركات للوصول إليها لطلب المعاينات وتقدير الخسائر، خاصة فى الأخطار الخاصة والمعقدة وفى الحوادث الكبيرة والحد من تفاقم الخسارة مع سرعة صرف التعويضات.

● «المال»: ما هى التحديات التى تواجه التأمينات الزراعية فى بلداننا؟

مختار: أنا لست متخصصا فى التأمينات الزراعية، إلا أننى أرى أن أهم التحديات حاليا هى التغير المناخى وانتشار الآفات، فالتغير المناخى وما استتبعه من عنف الظواهر الطبيعية والذى نشهد صوره على مستوى العالم سواء من جفاف ممتد أو أمطار غزيرة وسيول وفياضانات ورياح عاتية وحرائق الغابات كلها عوامل تؤثر بشكل كبير ومهم على ملف وثيق بحياة البشر ألا وهو ملف وفرة الغذاء.

● «المال»: كيف ساهمت التكنولوجيا فى تغيير قواعد لعبة الصناعة؟

مختار: واكب التطور التكنولوجى السريع خلال العقود القليلة الماضية تطور هائل فى كثير من الأنشطة الصناعية والمالية فى مختلف المجالات مما كانت ثمرته ظهور منتجات عالية التقنية والتعقيد، وتبع ذلك ظهور منتجات تأمينية جديدة لتغطية تلك الأخطار المستحدثة، فى ظل ارتفاع معدلات الوعى لدى العملاء بجانب الجهد الكبير المبذول من قبل جهات الرقابة على النشاط وكذلك الاتحادات التنظيمية فى تطوير الأسواق.

● «المال»: كيف أدت الأزمات إلى بروز دور النشاط؟

مختار: أثبت نشاط التأمين دوره المهم فى دعم الاقتصاد الوطنى على مستوى العالم، ويظهر ذلك بوضوح فى أوقات الأزمات والكوارث، فقد قدرت “سويس ري” وهى ثانى أكبر شركات الإعادة فى العالم أن الكوارث الطبيعية عام 2021 قد تكلف شركات التأمين والإعادة ما يقرب من 105 مليارات دولار، إلا أن من أكبر الكوارث الطبيعية فى التاريخ من حيث الخسائر فى الأرواح تسبب فيها الزلزال العنيف الذى ضرب المحيط الهندى فى ديسمبر عام 2004 ونتج عنه موجات مد عاتية (تسونامى) وصل ارتفاعها إلى حوالى 30 مترا وحصدت من الأرواح ما يقرب من 280 ألفا فى 14 دولة، إضافة إلى الخسائر الفادحة بالممتلكات وتوقف الحياة بشكل شبة كامل فى المناطق الأكثر تضررا كمنطقة آتشيه فى إندنيسيا ومنطقة تأميل نادو بالهند.

● «المال»: ما أبرز التحديات التى تواجه أسواق التأمين حاليا؟

مختار: هناك عدة تحديات تواجه الصناعة، ومن أهمها زيادة عدد الكوارث الطبيعية الناشئة عن ظاهرة التغير المناخى، وارتفاع أسعار الطاقة والتضخم العالمى وعدم استقرار سلاسل الإمداد والصراعات الإقليمية المسلحة وشبح الركود الاقتصادى على مستوى العالم، لذا فإنه من المقبول الزعم بأن العالم يمر بأوقات عصيبة سوف تلقى بظلالها على جميع مناحى الحياة ومنها قطاع التأمين.

وكان لبعض الأسباب السابق ذكرها أثر كبير على أسعار السلع نظرا لارتفاع تكلفة إنتاجها وشحنها وتلكفة التأمين عليها بما ينعكس إيجابا على أقساط التأمين وسلبا على حجم التعويضات المسددة، خاصة المنتجات المستوردة من الخارج والتى يتم نقلها عبر الممرات المائية المحاذية لمناطق الصراعات المسلحة، هذه المصروفات سيكون حتميا تحميلها على تكلفة تصنيع وبيع المنتجات وسينتقل عبئها بالتبعية على المستهلك النهائى.

من ناحية أخرى، فإنه من الطبيعى أن يكون للتضخم أثر سلبى على القوة الشرائية، وبالتالى على حجم الطلب على التأمين نظرا لارتباط الكثير من أنواع التأمين فى كثير من الدول النامية على الوعى التأمينى والفائض فى ميزانية الفرد والأسرة، كما ستشهد الفترة المقبلة زيادة فى فاتورة التعويضات بسبب القفزة الكبيرة فى أسعار جميع السلع والخدمات ومنها قطع غيار السيارات والأدوية والمستلزمات الطبية والماكينات والآلات والمعدات ومواد البناء وكذلك الأجور المرتبطة بعمليات الإصلاح.

● «المال»: كيف تأثرت الأسواق الخارجية بتلك الأزمات؟

مختار: ما زال العالم يمر بأزمات الواحدة تلو الأخرى، فلم يكد يلتقط العالم أنفاسه بعد انحسار جائحة فيروس كورونا المستجد حتى بدأت الحرب الروسية الأوكرانية ثم ارتفاع معدلات التضخم ونقص إمدادات الغذاء وظهور شبح الركود.

وتأثرت ميزانيات الدول والأسر خلال تلك الأزمة بارتفاع تكاليف العلاج الطبى وفقد الكثير من الأشخاص وظائفهم إبان موجة الإغلاقات وتوقف حركة الطيران والتنقل والتى عمت العالم فى عام 2020، لكن من إيجابيات تلك الفترة كان الانحسار التدريجى للانباعاث الكربونية وإعادة ترتيب الأولويات وتنامى الاعتماد على العمل عن بعد. إلا أن العمل عند بعد فتح الباب على مصراعيه للهجمات السيبرانية لأن أجهزة الحاسب الآلى الشخصية للموظفين والتى ارتبطت إلكترونيا بالنظام الآلى لشركاتها لم تكن محصنة بالقدر الكافى مما سمح للقراصنة باستغلالها واختراق كثير من النظم وتكبيد هذه المؤسسات خسائر كبيرة.

ولكى ندرك حجم التحدى، فقد أفادت تقارير صادرة عن شركة تريند مايكرو الرائدة فى مجال الأمن السيبرانى أن الحلول التقنية التى توفرها تصدت خلال عام 2021 لأكثر من 94 مليار تهديد على مستوى العالم، بزيادة قدرها %42 مقارنة مع عام 2020.

كما دخل العالم مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية فى مرحلة من التضخم إذ تعد الدولتين من أهم سلال الغذاء فى العالم للعديد من السلع منها القمح، مما تسبب فى شح الإمدادات من تلك السلع وارتفاع أسعارها بشكل كبير، ومع ارتفاع أسعار الطاقة والغاز الطبيعى على وجه الخصوص، انعكس ذلك على تكاليف الإنتاج، وهو الأمر الذى فاقم من أزمات الدول المستوردة للبترول والغاز، والتى كانت تعتمد بشكل كبير على الإمدادات من روسيا بشكل خاص، وهو ما تسبب فى إرهاق ميزانيات تلك الدول ولجوئها وغيرها من الدول للبحث عن مصادر بديلة.

ويسعى قطاع التأمين لمواكبة تلك المتغيرات بتوفير المنتجات التى تغطى المخاطر السيبرانية، وتعطل الإنتاج وفقد الإيراد وفقد الأرباح وإلغاء الفعاليات، ومع ذلك فإن من أكثر ما يقلق هو ارتباط تعطل سلاسل الإمداد بطول المدة الزمنية التى تستغرقها رحلة وصول الماكينات وقطع الغيار وغيرها من مستلزمات ضرورية لإتمام عمليات إصلاح الأشياء المؤمن عليها والتى أصابها الضرر وأثر ذلك على وفرة المنتجات فى الأسواق وعلى فواتير التغطية التأمينية المرتبطة بتغطيات توقف الإنتاج

● «المال»: كيف تؤثر هذه التحديات على السوق المحلية؟

مختار: يتفاوت أثر تلك التحديات من سوق لآخر، لكن بشكل عام إذا وقع حادث لمصنع فى دولة من الدول النامية نتج عنه تعطل بعض الآلات وخروجها من الخدمة وبالتالى توقف إنتاج المصنع لفترة من الزمن قد يكون نتيجتها شح المعروض من تلك السلعة التى من الممكن أن يكون بعضها من السلع الاستراتيجية أو الحيوية كالأدوية مثلاً.

وإذا كانت هناك حاجة لاستيراد بديل لتلك الآلات أو قطع الغيار المهمة لإتمام عملية الإصلاح، فمن ناحية سيكون ثمن شراء تلك الآلات وقطع الغيار أعلى بكثير مما هو متوقع كما أن فترة التوقف عن العمل والإنتاج قد تطول بشكل مبالغ فيه، فإن كانت التغطية التأمينية تشمل توقف الإنتاج أو فقد الأرباح، فكلما طالت فترة توقف العمل كلما فاقم ذلك من فاتورة التعويض التى تتحملها شركة التأمين.

فما بالنا إذ كانت المصانع التى تنتج تلك الآلات وقطع الغيار متوقفة بدورها عن الإنتاج بسبب الإغلاقات المتكررة أو بسبب شح مصادر الطاقة مما يؤخر فترة الاستيراد إلى شهور طويلة، لكن الأهم من ذلك هو تأثر المعروض من المنتج الذى تأثر إنتاجه بالحادث وربما خسارة العميل لحصته السوقية بالكامل نتيجة انصراف عملائه لمنتجين آخرين وتوجههم لبدائل أخرى.

وقد بدأت شركات التأمين فى مخاطبة عملائها ليقوموا بإعادة تقييم أصولهم وممتلكاتهم وفقا لسعر السوق حتى لا يتم تطبيق شرط النسبية عليهم فى حال وقوع حادث، وهو ما يعنى تحمل العميل الفارق بين القيمة السوقية للأصل وبين مبلغ التأمين فى وثيقة التأمين وكأن العميل مؤمن لدى نفسه بفارق القيمة.

وساهمت تلك الأزمة فى زيادة وعى العملاء بأهمية الحفاظ على أصولهم وممتلكاتهم والاهتمام بوسائل الحماية والأمان مثل معدات مكافحة النيران حتى لا تتعرض أعمالهم للتوقف وخروجهم من السوق ومن ثم اضطرارهم للتخلى عن العمالة، واهتمام العملاء بممتلكاتهم أمر إيجابى من ناحية خفض التعويضات التأمينية وبالتالى اعتدال قسط التأمين.

● «المال»: ما هى توقعاتك لتغيرات خارطة إعادة التأمين خلال الفترة المقبلة؟

مختار: أتوقع أن تكون تجديدات اتفاقيات إعادة التأمين خلال يناير المقبل غير سهلة من خلال مواجهتها شروطا قاسية لها علاقة بحرية الاكتتاب والطاقة الاستيعابية والعمولات والاستثناءات، خاصة بالنسبة لشركات التأمين التى حققت اتفاقياتها معدلات خسائر مرتفعة أو تكون محفظتها من الأخطار غير متوازنة ومنحازة بشكل كبير للأنشطة عالية الخطورة، أو تكون الأخطار فى المحفظة متركزة فى أماكن معرضة بشكل أكبر للأخطار الطبيعية (كالأخطار المقامة على أماكن منخفضة، والتى من الممكن أن تتجمع بها كميات كبيرة من مياه الأمطار وتتلف المخازن والبضائع الموجودة بها).

وسوف يؤدى انخفاض أسعار صرف العملات المحلية فى بعض الدول إلى انخفاض الأقساط المحولة لمعيدى التأمين وفقا لحصصهم فى الاتفاقيات، وبالتالى تقل الأهمية النسبية لتلك الأسواق بالنسبة لكبار معيدى التأمين فينسحب بعضهم لعدم جدوى الاستمرار فى التعامل مع تلك الأسواق.

وعلى الجانب الآخر، ستصبح الاتفاقيات غير النسبية أكثر كلفة، وستعانى الكثير من الشركات لتغطية تلك التكلفة من الأقساط المحصلة من عملائها، ويأتى ذلك الضغط على الشركات فى ظل حاجتها لطاقة استيعابية أكبر من شركات الإعادة لاستيعاب الزيادات فى مبالغ التأمين بالوثائق الصادرة لعملائها بعد قيام العملاء بإعادة تقييم أصولهم وممتلكاتهم لامتصاص تأثير التضخم، وبالتالى قد تجد بعض شركات التأمين صعوبة فى استجابة المعيدين لطلباتهم.

وعلى الجانب الآخر، ستواجه شركات التأمين مقاومة كبيرة من عملائها لمحاولات زيادة الأقساط بعد عملية إعادة تقييم الأصول فى ظل ما يواجهه العملاء من ارتفاع فى تكاليف الإنتاج وعزوف عملائهم عن شراء منتجاتهم بسبب غلاء أسعارها.

كما أن الملاءة المالية لشركات التأمين قد تتأثر سلبا نتيجة اكتتابها فى وثائق تأمين بمبالغ كبيرة بعد إعادة تقييم الأصول، وبالتالى تحتاج إلى ضخ المزيد من الأموال فى رؤوس أموالها أو تدعيم احتياطياتها أو مخصصاتها الحرة بالكم الذى يجعلها قادرة على الوفاء بالتزاماتها فى حالة وقوع الخطر المؤمن منه وتكبدهم تعويضات ضخمة، وهو ما سينعكس على ربحية الشركة ووضع تصنيفها الائتمانى تحت ضغط كبير من قبل جهات التصنيف العالمية.

ومن المتوقع أن تراجع شركات التأمين مستويات احتفاظها من الأخطار بالعملات المحلية مع مراعاة التأكد من عدم تراكمها وتركزها بشكل خطير يهدد سلامة المركزالمالى للشركة فى ظل ضخامة مبالغ التأمين والتعويضات التى من المتوقع أن تواجهها، لذلك ربما يكون من المفيد جداً تدعيم رأس مال الشركة والتريث فى توزيع الأرباح لسنوات لاحقة.

وكما سبق وذكرنا فإن شركات التأمين ستواجه تحديا كبيرا فى تعاملها مع معيدى التأمين فيما يخص تأمين الأخطار الملوثة للبيئة، وذلك فى ظل الاهتمام العالمى بملف الاستدامة والحفاظ على البيئة ومواجهة التغير المناخى، إذ بدأت شركات إعادة التأمين فى الحد من قدرتها على قبول تلك الأخطار، وبالتالى قد لا توفر تغطية إعادة التامين للشركات المحلية التى تقوم بالتأمين على المشروعات المضرة بالبيئة.

وهذا الوضع سوف يفرض على المستثمرين ضخ أموال إضافية للتقليل من مستوى الانبعاثات الكربونية ولمعالجة النفايات والمخلفات الملوثة للبيئة، وبالتالى تنجح فى إقناع شركات التأمين لتوفير التغطية التأمينية بأسعار مناسبة على تلك المشروعات، هو ما يمثل عبئا إضافيا على تكلفة المنتجات فى الأمد القريب.

وفى حال لجوء شركات التأمين المحلية لمعيدى تأمين ذوى قدرة مالية ضعيفة لقبول تلك الأخطار، فإن ذلك يمثل مخاطرة كبيرة من قبل شركات التأمين، خاصة فى حالة عدم قدرة معيدى التأمين على الوفاء بالتزاماتهم وسداد حصصهم من التعويضات الكبيرة.

● «المال»: ما هى فرص النمو فى ظل كل هذه التحديات؟

مختار: ساعدت هذه الأزمات فى زيادة اهتمام الدول الناشئة بملفات التصنيع المحلى والاكتفاء الذاتى بغرض ترشيد فاتورة الواردات وتخفيف الضغط على ميزانيات تلك الدول، وسوف يساهم هذا التوجه إلى التوسع فى الاستثمارات المحلية وتوليد المزيد من فرص العمل، وبالتالى توفير المزيد من الدخول لشريحة كبيرة من القوى العاملة ووصولها لحد الاستغناء عن المساعدات التى تقدمها لهم الدولة.

وسينعكس الاستثمار فى تلك المشروعات المحلية إلى الحاجة للتأمين عليها ضد الأخطار المختلفة مما يساهم فى زيادة حجم المحفظة السوقية من الأخطار التى تتنافس عليها الشركات العاملة فى السوق سواء فى نشاطى تأمينات الحياة أو تأمينات الممتلكات.