الإمبريالية التاريخية لإيران

الإمبريالية التاريخية لإيران
شريف عطية

شريف عطية

7:59 ص, الخميس, 2 سبتمبر 21

تمثل إيران، برغباتها التوسعية داخل الإقليم- منذ ثمانينيات القرن الماضى تحديدًا، أحد عوامل اللااستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، ما يتيح لقوى أجنبية وإقليمية التدخل الغاشم فى شئونها على النحو المشهود فى العقود الأربعة الأخيرة، وحيث ينقسم الرأى العام العربى إزاءها، ما بين مؤيد ومعارض لإيران الثورة، ربما من باب الاعتراض على سابق الغطرسة “الشاهنشاهية”، كشرطى لحساب القوى الغربية فى المنطقة، أو لما يعود عن الإيحاء بتبنّيها القضية الفلسطينية.. أو لمعارضتها أنظمة ديكتاتورية دون أخرى من دول الجوار، ذلك فيما يتجه المعارضون للثورة (الإسلامية) خشية تصديرها إلى خارج الحدود، وإلى التشكيك من جانب آخر فى النوايا البعيدة لاستخدام إيران أوراقها الجيوبوليتيكية المستحدثة ثوريًّا.. لتحقيق سابق أهدافها الإمبريالية القديمة منذ الحقبة الفارسية، والتى لم تُلجم منذ ذلك العهد إلا اضطرارًا، على النحو الموثّق لها تاريخيًّا، من دون استثناء كل من تركيا وإسرائيل- من بعدها- باعتبارهما ليسا إلا قوتين طفيليتين رُحّلًا، وتوسعيتين، ذلك من قبل مزاحمة إيران لمصر (العربية) فى الهيمنة »على محيطها المنظور آنذاك، قبل احتلال الفرس لها 500 ق.م، ومن ثم إلى إنهاء ألفيْ عام من الحضارة الفرعونية، ذلك بالتوازى مع تدميرهم حضارة (بابل وآشور)، إذ بسقوط مصر أصبحت ليبيا وتونس (من أملاكها) تابعتين لإيران، إلا من فشل حملتها على السودان، إلى أن دانت لها جّل المنطقة بما فيها سوريا، وفلسطين التى أعاد “قورش” إليها اليهود بعد تحريرهم من الأَسر البابلي، ليصبحوا منذئذ ورغم التنافر العقائدى بين “اليهودية”، و”الزرادشتيَّة”، أعوان المحتلّ فى إجهاض ثورات المصريين (وغيرهم) ضد الفرس (“برستيد”)، وذلك فى إطار نموذج حضارى لإيران امتد لقرنين، قبل أن يغزوها “الإسكندر” نحو 300 ق.م، ويمزق مخطوطاتهم الزرادشتيَّة، ومن ثم إلى اقتسام المملكة الفارسية العريضة- من بعد وفاته- بين قادته المقدونيين، إلى أن تمكَّن بعض قادتها المحليين فى السعى بقدر الإمكان إلى إنقاذ إيران من السقوط نهائيًّا، إذ إن هويتها أوشكت على الذبول من هول ضربة “الإسكندر” القاسية، ولخلفائه من بعده، ولتتجه إيران إلى عبادة الشمس.. بعد (المجوسية)، قبل أن تدخل تاليًا فى حروب مع الرومان والتوران (الأتراك)، إلى أن هزمها العرب فى القرن السابع الميلادي، وأدخل إليها الإسلام، ربما والغُصّة فى حلوقهم، إلى أن قاموا من “خراسان” بدعم “العباسيين” فى إقامة مملكتهم على أنقاض الدولة الأموية، ولتصبح بغداد منذئذ رمزًا لعاصمتهم الحضارية، يتباهون بها على سائر الإقليم التى تتوسطه، ولا يزال الشبَق لاستعادتها قائمًا إلى اليوم، عبر نزاعات دامت قرونًا بين البلدين إلى أن جرَت تسويتها- بمساعدة بريطانية- فى العام 1929، لكن ليس إلى ما لا نهاية، إذ توسطت الجزائر من بعد فى اتفاق آخر 1975، لم يحُل عقب قيام الثورة الإيرانية 1979 عن نشوب الحرب بينهما طوال الثمانينيات إلى أن اضطر “الخميني” إلى تجرع كأس سم الهزيمة، حسب تعبيره، إلا أن إيران عادت إلى حصر العراق (مع قوى غربية وإقليمية) طوال التسعينيات بعد المغامرة الصادمة باحتلاله الكويت 1990، وحيث تمكنت طهران من خلال وكالاتها المحلية من التأثير فى صنع القرار العراقى فى ظل الاحتلال الأميركى لأراضيه، ما ساعدها للمزيد من التدخل فى سياسات ما يزيد على أربع عواصم عربية (..)، بالتزامن مع التقدم الذى أحرزه برنامجها النووى، ما جعلها أقرب إلى التصادم السياسى العسكرى مع إسرائيل، رغم علاقتهما التاريخية محل الغزل أحيانًا حال استرجاعها لتخفيف التوتر بين قادة البلدين، إلا أن إسرائيل تبدو »على تصميمها الاحتفاظ باحتكارها النووى الإقليمى، فيما الولايات المتحدة حائرة بين حليفتيها القديمتين الراغبتين أن تكونا بالنسبة لها “الدولة الأَوْلى بالرعاية”، فى الإقليم، لولا ذلك التسابق بينهما على الاحتكار النووى؛ موضع خلافهما، عمن سيكون له قصب السبق فى الهيمنة الإمبريالية الإقليمية، وحيث تركيا ليست غير مستبعدة تمامًا عن تنافسهما، ذلك فيما سبق لواشنطن أن وقّعت والمجموعة الدولية 5+ 1 مع إيران اتفاقًا بشأن برنامجها النووى منتصف يوليو 2015، أعقبه الرئيس الأميركى “أوباما” فى 2016.. بمطالبة العرب “اقتسام النفوذ مع إيران”، ما أطاش صواب كل من العرب وإسرائيل.. سرعان أن مارستا ضغوطهما على خليفته “ترامب” لتجميد العمل بالاتفاق النووى مع إيران فى 2018.. مع تشديد العقوبات عليها، الأمر الذى بات محل إعادة نظر الإدارة الأميركية التالية “بايدن 2021” بالتوازى مع التقارب بشأنه مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة “بينيت”، إذ تعهدتا، نهاية أغسطس الماضى، بالامتناع عن التصرف منفردًا ضد إيران، ولتبدى إسرائيل استعدادها- لأول مرة- بعدم عرقلة التوصل إلى اتفاق نووى بين الدول الكبرى وطهران.. التى تتضارب تصريحات مسئوليها ما بين التشدد أو تقديم تنازلات غير مسبوقة، فيما ليس من غير المستبعد آنئذ أن تتوافق الإمبرياليتان غير العربيتين، إيران وإسرائيل، وبرعاية رئاسية أميركية، لفريق عمل متحمس إجراء حوار “أكثر ودية” بين طهران وتل أبيب، ربما على اقتسامهما النفوذ فى المنطقة، على غرار سابق تصريحات “أوباما” 2016، ذلك فيما المطلوب من العرب أن يتفرجوا، ربما باستثناء مصر “العربية”، وبانتظار ما سيئول عليه مستقبل قضيتهم الفلسطينية “المركزية”، إذ إن تسويتها النهائية لا تزال محل المزايدة الإمبريالية بين كل من طهران وتل أبيب، (كذا أنقرة)، ذلك إلى حين أن يسقط تبنّى القناع (الثوري) لقضايا العرب آجلًا أم لاحقًا، عن الوجه الإمبريالى التاريخى لإيران.