الإطار القانونى لرقابة جهاز حماية المنافسة على المرحلة السابقة على الاستحواذات

المال - خاص

7:47 ص, الأثنين, 8 يوليو 19

المال - خاص

المال - خاص

7:47 ص, الأثنين, 8 يوليو 19

بقلم د. أسامة حسنين عبيد

مقدمة:

يرى المستثمرون فى استقرار وشفافية المنظومة القانونية أحد الجوانب بالغة الأهمية فى جذب الاستثمار الأجنبى. وعن حق، تسجل منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية أن “عدم الاطمئنان للسياسات يشمل كلاً من القدرة على التوقع والشفافية وهو من أكبر عقبات الاستثمار. تحتاج المؤسسات إلى معرفة ماهية قواعد المنظومة وتتطلب قدر من اليقين فى أن هذه القواعد لن تتغير بمجرد ضخ استثماراتها” (1)

تعد شركة أوبر أحد أشهر المستثمرين فى مصر على مدار السنوات الخمس الماضية ومن أكثرهم إبداعًا. وقد اكدت مجددًا التزامها تجاه مصر والمنطقة من خلال إطلاق منتجات جديدة، وكذلك من خلال استثمارها 3.1 مليار دولار فى الاستحواذ على شركة Careem (“الاستحواذ”).

كما هو المعتاد مع عمليات الاستحواذ من هذا الحجم، يتعين على الأطراف الامتثال لشروط مختلفة بما فى ذلك الحصول على الموافقات التنظيمية اللازمة فى اطار مراقبة الاندماج من قبل أجهزة المنافسة فى المنطقة. وقد نص إعلان الأطراف عن الاستحواذ على ذلك فعلا، اذ جاء به “يخضع الاستحواذ على Careem للموافقات التنظيمية المعمول بها” (3)

بدأت عملية الاستحواذ فى تلقى الضوء الأخضر من قبل الجهات التنظيمية بالإضافة إلى الموافقة عليه رسميا من قبل وزارة الاقتصاد الإماراتية مؤخرًا

كذلك، فقد تم إخطار جهاز حماية المنافسة المصرى ومنع الممارسات الاحتكارية بعملية الاستحواذ وطلب موافقته عليها فى أبريل بناءً على طلبه، وما زال الامر قيد الدراسة. هذا هو ما يعيدنى إلى أهمية الثقة فى استقرار وشفافية المنظومة القانونية. اذ لأول مرة، وبلا سابقة، طلب جهاز حماية المنافسة إخطاره بالعملية والحصول على موافقته عليها قبل اتمامها، فى حين أن قانون حماية المنافسة المصرى فى غاية الوضوح فى أن الجهاز لا يمتلك هذه السلطة، بما يجعل تصرفه خارج حدود اختصاصه وسلطته. وهو أمر قد يقلق المستثمرين الدوليين اذ يضعف الثقة فى سيادة القانون فى مصر. وكما أشار المعلقون: “إلى أن تصدر مصر قانونًا ينيط بجهاز حماية المنافس مراقبة واعتماد عمليات الاندماج على النحو السائد دوليا، فإن نهج التدخل الحماسى وتطويع اللوائح لاستخدامها فى غير غرضها المقصود لن يسفر الا عن نتائج عكسية وسوف يخلق بلا داع بيئة من الشك وعدم القدرة على التوقع فضلا عن الارتباك ومناهضة المستثمرين الوطنيين والأجانب”. (4)

مدى اختصاص جهاز حماية المنافسة المصرى بشأن عمليات الاستحواذ

لا تعرف مصر فى الوقت الحالى نظام الرقابة السابقة على عمليات الاندماج الذى يُلزم الأطراف بالإخطار عن نيتهم للقيام باستحواذ للحصول على موافقة مسبقة من جهاز حماية المنافسة، فنص المادة 19 من قانون حماية المنافسة المصرى يقتصر على نظام الإخطار اللاحق. وهو يتطلب من الشركات أن تبلغ جهاز حماية المنافسة بالصفقات التى تتجاوز حدودا بذاتها عينها القانون. ولا يتم الإخطار الا بعد تنفيذ الصفقة وبغرض الإحاطة فقط. كما لا يملك جهاز حماية المنافسة أى سلطة قانونية لإجازة أو منع صفقات الاندماج والاستحواذ: بل كل ما فى الامر انه يتم إعلامه بتلك الصفقات بعد إتمامها. وبالتالى، فإن القانون لا يمنح الجهاز صلاحية منع الاستحواذ أو فسخه أو فرض أى قيود عليه. بل ولا يمنحه العلم بعملية الاستحواذ ومراقبتها مسبقا قبل تنفيذها.

والحقيقة أنه لا يزال هناك مشروع قانون معروض على البرلمان المصرى لتعديل قانون حماية المنافسة المصرى ويمنح هذا المشروع جهاز حماية المنافسة صلاحيات الرقابة السابقة على الاندماجات. وقد قام البرلمان بتعديل قانون حماية المنافسة المصرى عدة مرات، وفى كل مرة تم اقتراح الرقابة السابقة على الاندماجات والاستحواذات، وفى كل مرة تم رفضها ً، وبالتالى فهى ليست ضمن اختصاصات الجهاز بموجب القانون الحالى فى مصر.

ولذلك فمن المقلق بشكل كبير أن يطلب جهاز حماية المنافسة بموجب أمر وقتى صادر فى 22 أكتوبر 2018، منUber وCareem إخطاره بالاستحواذ وانتظار موافقته عليه قبل تنفيذه. وقد طلب جهاز حماية المنافسة ذلك كما لو كان يتمتع بسلطة الرقابة السابقة على الاندماجات وكأن عملية الاستحواذ تدخل فى نطاق اختصاصه، والواضح أنه لا يملك ذلك بموجب القانون الحالى.

جهاز حماية المنافسة يتجاوز سلطته بمراجعته للاستحواذ

بمنح نفسه صلاحيات لم يكفلها له المشرع المصرى، فان جهاز حماية المنافسة يتجاوز نطاق سلطاته القانونية، وذلك على النحو التالى:

فمن حيث المبدأ، من المهم التمييز بين “الاتفاق” أو “التعاقد” فى سياق المادة 6 من قانون حماية المنافسة المصرى وعمليات “الاستحواذ” وفقا للمادة 19، فقانون حماية المنافسة المصرى يستبعد أى عملية استحواذ من نطاق تطبيقه باستثناء الالتزام بإخطار الجهاز بعد استكمال الاستحواذ إذا استوفى حدودا معينة. ولا يمكن اعتبار الاستحواذ على النحو الذى تناولته المادة 19 من الاتفاقات التى تحظرها المادة 6، أذ أن المادة 19 تتناول “[اكتساب] أصول او حقوق ملكية أو انتفاع أو أسهم أو إقامة اتحادات أو اندماجات أو دمج أو استحواذ أو الجمع بين إدارة شخصين أو أكثر”، فلا يمكن أن يندرج أى استحواذ يقع تحت المادة 19 بحكم تعريفه فى نطاق المادة 6.

يرى جهاز حماية المنافسة أن المادة 6 من قانون حماية المنافسة المصرى، والتى تتعلق باتفاقات يعقدها منافسون بغرض تحديد الأسعار، أو اقتسام الأسواق، أى هى فى جوهرها cartels، توفر الأساس القانونى لاتخاذ التدابير المؤقتة.

ولكن، ينطبق هذا الحكم على الاتفاقيات التى تشمل ممارسات احتكارية بين أطراف ما زالت مستقلة عن بعضها – ولا ينطبق على عمليات الاستحواذ حيث تكون النتيجة الواضحة للصفقة هى وجود كيان مدمج واحد فى السوق. وعادة ما تخضع مثل هذه الصفقات لقوانين رقابة الاندماجات وليس القوانين التى تحكم الاتفاقيات المضادة للمنافسة. وينص القانون المصرى صراحة على الإخطار فقط بعد التنفيذ عمليات الاستحواذ، وكما ذكر أعلاه، لم يقرر البرلمان بعد تعديل القانون ومنح جهاز حماية المنافسة صلاحيات الرقابة السابقة. وإلى أن يتم سن قانون من هذا القبيل، فلا يوجد أى أساس قانونى لتدخل جهاز حماية المنافسة لرقابة عمليات الاستحواذ.

بل إن هذا السلوك من جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية ينطوى بهذه المثابة على خروج صارخ على مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذى يحظى بقيمة دستورية كبيرة، إذ يتوسع الجهاز الموقر بغير مسوغ قانونى فى مفهوم “الممارسات الاحتكارية” كسلوك محدد يجرمه المشرع لا يجوز بحال من الأحوال التوسع فى تفسيره أو القياس عليه ليشمل المرحلة السابقة على عمليات الاستحواذ.

وبتجاوزه لسلطاته، يضع الجهاز نفسه فى تناقض حاد مع القواعد والممارسات المعمول بها لدى سلطات المنافسة الدولية. على سبيل المثال، قبل اعتماد لائحة الاندماج القديمة للاتحاد الأوروبى فى عام 1989، كانت لجنة الاتحاد الأوروبى فى وضع مماثل لحالة جهاز حماية المنافسة: حيث كانت تفتقر إلى سلطات الرقابة السابقة على الاندماجات والاستحواذات. وعلى الرغم من أنها حاولت تطبيق قواعد إساءة استخدام السيطرة على عمليات الاستحواذ، إلا أنها لم تتمكن من تطبيق قواعد الممارسات الاحتكارية إلا فى الحالات التى اكتسبت فيها حصة أقلية غير مسيطرة فقط وبالتالى ظل المتنافسون مستقلون (وذلك فى قضية Philip Morris التاريخية). وقد سعت لجنة الاتحاد الأوروبى إلى الحصول على الموافقة لمنحها سلطات الرقابة السابقة وحصلت عليها عام 1989 من خلال لائحة الاندماج للاتحاد الأوروبى (“EUMR”)، والتى أصبحت بعد تعديلها على مر السنين، لائحة 139/2004. ومن الجدير بالذكر أن EUMR تحدد بوضوح أنه سيتم تطبيقها فقط على عمليات التركز، وأن القواعد الخاصة بالاتفاقيات المضادة للمنافسة لا تنطبق على عمليات التركز (المادة 21 EUMR). ومن الجدير بالذكر أيضًا أن لجنة الاتحاد الأوروبى قد أطلقت مؤخرًا نقاشًا لتعديل EUMR لتتمكن من ضبط صفقات صغيرة يقوم فيها منافس كبير بشراء منافسًا صغيرًا. وتخرج هذه الصفقات حاليًا من نطاق اختصاص الاتحاد الأوروبى نظرًا لأن الهدف الصغير له رقم أعمال منخفض أو لا يوجد أى رقم أعمال له أساسا، وبالتالى يقع خارج نطاق المعايير المحددة فى EUMR وبالتالى، فالاقتراح المطروح حاليا هو تعديل القواعد القانونية الحالية لتشمل، على سبيل المثال، قيمة الحد الأدنى للصفقات. وما يهمنا الاشارة إليه فى الاقتراح الحالى هو أن لجنة الاتحاد الأوروبى تواجه حاليا مشكلة لا تتمتع إزائها بسلطة قانونية وفقا للقواعد القانونية السارية، ومن ثم فهى فقط تقترح تعديل القواعد، ولكن الى حين ان يتم ذلك فهى تحترم القواعد القائمة، ولا تتجاوزها، كما لا تسعى لتجاوز ما تضعه تلك القواعد من حدود لسلطاتها من خلال تطبيق قواعد أخرى (تخص الممارسات الاحتكارية) على مثل هذه الاستحواذات والاندماجات.

خاتمة

تجاوز جهاز حماية المنافسة حدود سلطاته، يخلق سابقة خطيرة تهدد سيادة القانون وترسل إشارات خاطئة تمامًا للمستثمرين الدوليين (والوطنيين) بشأن جاذبية مصر كموطن للاستثمار الآمن. وذلك لأن المستثمرين بحاجة إلى يقين قانونى بشأن استثماراتهم إلى الاعتماد على قواعد قانونية واضحة تحكم مثل هذه الاستثمارات. وبالقطع تزعزع تصرفات جهاز حماية المنافسة ثقة المستثمرين، وتهدد إمكانيات قيامهم بالاستثمار أو التوسع فيه، أو الخروج تماما لتفادى عدم الاستقرار القانونى الذى يخلقه هذا التجاوز.

كذلك، تقوض تصرفات جهاز حماية المنافسة الثقة فى القانون ومن ثم تحد من جاذبية مصر للمستثمرين الدوليين والوطنيين بما يضر بالاقتصاد المصرى فى نهاية المطاف.

[1] انظر https://www.oecd.org/daf/inv/investment-policy/16793978.pdf.

[2] انظر https://www.uber.com/en-EG/newsroom/built-for-egypt-uber-ceo-dara-khosrowshahi-launches-first-ever-uber-bus-from-cairo/.

[3] انظر https://www.uber.com/newsroom/uber-careem/.

[4] انظر https://enterprise.press/2019/04/08/use-spoon-cut-steak-egyptian-competition-authoritys-guide-use-anti-cartel-legislative-provisions-control-review-mergers/

* شريك رئيسى عبيد للمحاماة والاستشارات القانونية

* أستاذ القانون الجنائئ *وكيل كلية الحقوق-جامعة القاهرة * محام بالنقض

المال - خاص

المال - خاص

7:47 ص, الأثنين, 8 يوليو 19