منذ سنوات ونحن نتحدث عن ضرورة الإصلاح، بدأنا بالتثبيت وهو السهل نسبيا، ثم عجزنا عن فك شفرة النمو،
وهكذا مرت السنوات الأخيرة من حقبة التسعينيات والأولى من الألفية الثالثة، ونحن ننتظر نموا لا يأتى أبدا، وكلما مر الوقت زادت الأمور صعوبة، بل ولسوء الحظ تستجد متغيرات – فى بعض الأحيان – لم تكن فى الحسبان، كحادثة الأقصر الشهيرة فى نوفمبر 97، وأحداث 11 سبتمبر الشهيرة فى عام 2001، كما نعقدها نحن أحيانا على أنفسنا، بالعديد من التشريعات المتشابكة أو المؤجلة والإجراءات البيروقراطية المزمنة والقرارات غير المدروسة جيدا وبصفة خاصة فى درجة تداخلها وتعارضها مع غيرها من القرارات الأخرى العشوائية.
خطوات الإصلاح معروفة حتى صار القاصى والدانى ورجالات الحكومة والأعمال ورجال الشارع العادى بل وربات البيوت يرددونها، من كثرة ما ألقيت عليهم عبر وسائل الإعلام المختلفة.
ما المشكلة إذن؟!
المشكلة فيما لا يردده أحد، ولا يدركه الكثيرون، ويعيه جيدا من هم فى دوائر الحزب الوطنى وحكومته.. وهو تكلفة هذا الإصلاح.
وفى تقديرنا أن أصعب المهام التى سيواجهها ممثلو الحزب والحكومة أثناء حواراتهم مع المستثمرين على مائدة الإيكونوميست الثانية، هى ليست الإجابة على الأسئلة المتعلقة بخطوات الإصلاح وإنما بسرعته، وهى مهمة شاقة، شاءت الأقدار أن يقع العبء الأكبر فيها على الدكتور محمود محيى الدين، رئيس اللجنة الاقتصادية بالحزب الوطنى، الذى سيحاوره الحاضرون بمفرده فى جلسة اختير لها اسم «توقعات الإصلاح المقبلة»، وسيتم خلالها طرح سؤال محدد عن السرعة، التى سيتم بها تنفيذ خطط الإصلاح.
ولأنه يعلم – كما يعلم بأقى أعضاء الحزب والحكومة – أن تباطؤ عملية الإصلاح خلال السنوات الماضية، يعود بصفة أساسية إلى ما يمكن تشبيهه بالإرادة الجمعية، لدى متخذى القرار فى السلطة التنفيذية، بعدم اتخاذ القرار من الأساس.
قد يكون من السهل على مسئول تنفيذي، أن يفخر بأنه قد حرر سعر الصرف، ولكنه من الصعب عليه – وربما من المستحيل – أن يعترف بأنه من البديهى أن يترتب على ذلك ارتفاع الأسعار، وبالتالى فإن كل ما فى الأمر هو جشع التجار!
فما بالك لو تم فتح باب الخصخصة على مصراعيه، أو تمت إدارة المنشآت الحكومية كهيئات اقتصادية – بحق – فيما يتعلق بتخفيض التكلفة والعمالة، وبجلب كوادر شابة كفئة جديدة فى المناصب الوسطى والقيادية، لتطيح بنفوذ قيادات، ترهلت فى أماكنها منذ سنوات بعيدة.
صحيح أن بعض المسئولين سواء بالحزب أو الحكومة، سبق لها أن أشارت على استحياء إلى ما أطلقت عليه دفع ثمن الإصلاح – ومن بينهم محيى الدين ذاته – إلا أننا ننتظر منهم، أن يشرحوا لنا بالتفصيل طبيعة ومقدار وحجم هذا الثمن، ومن سيتحمله حتى نستطيع أن نرفض – ونعتقد أننا لا نملك رفاهية الرفض المطلق – أو نقبل وفق سيناريوهات محددة لآجال محددة بضمانات اجتماعية محددة.
صيغوا عقدا اجتماعيا جديدا له بنيته الدستورية والتشريعية والتنظيمية والاقتصادية المختلفة.
كاشفوا الرأى العام.. ولا تتباطؤا.. فنحن لا نتحمل رفاهية الانتظار، وإلا فسيظل كل مسئول يتحدث عن الإصلاح، دون أن يصلح من أمره ولا من أمرنا شيئا، وسيظل خائفا من الحركة، متجمدا فى مكانه، متجملا فى كلامه حتى يدفع هو الثمن قبل أن ندفعه وراءه جميعا.
وحينها لن يكون ثمنا للإصلاح.
حازم شريف
8:12 م, الأحد, 25 يناير 04
End of current post