Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

الإسلام والحضارة الإنسانية ( 8 )

الإنسانية من ماضيها إلى مصيرها إلى جوار التساؤلات عن معنى الحياة الإنسانية، والحكمة المستخلصة من المسافة الشاسعة لماضى الإنسانية، يستفتح الأستاذ العقاد هذا المقال الذى نُشر فى 16/7/1955 بمجلة الإذاعة والمصرية، بالإشارة إلى أكبر علماء التاريخ فى زماننا، الأستاذ « أرنولد توينبى »، وإلى عم

الإسلام والحضارة الإنسانية ( 8 )
رجائى عطية

رجائى عطية

12:02 م, الأربعاء, 1 فبراير 17

الإنسانية من ماضيها إلى مصيرها

إلى جوار التساؤلات عن معنى الحياة الإنسانية، والحكمة المستخلصة من المسافة الشاسعة لماضى الإنسانية، يستفتح الأستاذ العقاد هذا المقال الذى نُشر فى 16/7/1955 بمجلة الإذاعة والمصرية، بالإشارة إلى أكبر علماء التاريخ فى زماننا، الأستاذ « أرنولد توينبى »، وإلى عمله الكبير : « دراسة التاريخ » الذى أنجزه فى ثلث قرن، فى عشرة مجلدات ضخمة، صدرت فى ختام سنة 1954، فى نحو سبعة آلاف صفحة، إلاَّ أنه بدا للمؤرخ الكبير قبل صدورها أن يعيد النظر فى بعض الآراء التى ظهـرت فى الأجزاء الأولى.

بيد أنه لمشقة المهمة، وضخامة تكاليفها، تبرعت بعض المعاهد العلمية بالنفقة اللازمة للسياحة فى مواطن الحضارات والإقامة حيث تلزم الإقامة زمنًا فى بعضها كآثار المكسيك والشرقين الأقصى والأدنى، ولتنتهى هذه السياحات التاريخية قبل سنتين من ظهور آخر مجلدات هذه الموسوعة التاريخية.

مجهود من مجهودات الجبابرة، وعلم واسع وعريض يؤهل صاحبة فيما يقول الأستاذ العقاد للحكم على دلالة التاريخ الإنسانى. فماذا كان حكمه ؟!

أفرغه « توينبى » فى سطر واحد يقول « إن التاريخ هو طريق الإنسانية إلى الله » هذا هو الإجمال الذى شرحه المؤرخ الكبير فى سبعة آلاف صفحة، وقرر فى شرحه أنه لا معنى لتواريخ الأمم والحضارات والعقائد والأخلاق إلاَّ أن تكون هداية للنفس الإنسانية إلى حرية الضمير برعاية الله.

وكل أمة، وكل حضارة إنما ترفع فى الطريق مصباحًا صغيرًا أو كبيرًا لإنارة الطريق وساحة الكون كله للعلم بحقائق الوجود، أو للعلم بحقيقة الحقائق وهى مصدر الخلق والتدبير فى الوجود.

ومن تقريراته فيما يقول الأستاذ العقاد أن الإنسان قد يصطنع الأعمال والحرف ويبتكر العلوم ولكنه لا يخلق عقيدته الدينية، بل تأتيه العقيدة مفروضة فى سريرته وشعوره.
وضرب توينبى مثلاً بعقيدة الإسلام.

أراد الفرس الذين دخلوا الإسلام أن يستخدموا عقيدته فى إحياء القومية الفارسية، فاستخدمتهم العقيدة فى دراسة معارفها وتوطيدها.

وجاء المغول إلى بلاد الإسلام من أقصى الشرق ليقيموا « سلطتهم » على أركانها فأصبحوا هم حراسًا لتلك الأركان.

فليس أقوى من الإيمان على تسيير الإنسان والارتقاء به على معارج الحضارة فى طريقه إلى الله.

وعند العلامة « توينبى » أن هذه « المهمة » الأبدية مهمة « تعاون » بين الحضارات والعقائد، يؤدى كل منها بعض الواجب لتحقيق الواجب كله فى النهاية.

وستأتى القرون بعد القرون وبعد القرن العشرين، ولن يذكر أحدٌ لهذا القرن شيئًا من إنجازاته العلمية والذرية ومخترعاته إلاَّ الدعوة إلى « الأخوّة الإنسانية ».

مرت بالشرق وبالغرب حادثات كبرى، من البراكين المادية، وبراكين الحرب العالمية، والقذائف الذرية، وقنبلتى هيروشيما وناجازاكى، واشرأبت أخطار القنبلة الهيدروجينية الجهنمية، وتبعتها وستتبعها ما هو أخطر منها.

فما مصير الإنسانية بعد هذه النذر والبراكين ؟

لا فائدة من منع السلاح، بل الفائدة المعلقة على « منع الحرب » بكل أنواعها!

قد يميل بالدول الحذر من الحرب لما تخسره فيها، وأولى أن يتجه الحذر إلى ما تخسره الإنسانية كلها من هذه الحروب، بل ويخسره المنتصرون فيها!

إن سوابق الحروب لا تبشر بخير، ولكن سابقة واحدة يرجى أن تبعث التفاؤل فى نفوس طلاب الخير، وهى الاتجاه المتنامى رغم سطوة الشر لتحريم الغازات السامة والإجماع على اجتنابها وما يشابهها.

إن المادة الصماء لم تخلق الإنسان فيما يقول الأستاذ العقاد، فالشىء لا يخلق ما هو أحسن منه وأكمل.

فلنعد إذن إلى خلاصة التاريخ الإنسانى متفائلين، أنه كما قال العارفون طريق الإنسانية إلى الله.

وفى هذا الطريق يستطيع العقل أن يصنع اختراعات من جنس القذيفة الذرية وأمضى منها، ليقاومها ويكبح شرورها ويؤمّن الإنسانية منها، ويستبقى للذرة فوائدها ومنافعها وهى أوسع كثيرًا من دوائر دمارها، وبمقدور العقل ومستطاعه، أن يأخذ بزمام المادة وعناصرها، لا ليدمر بها الإنسان والإنسانية، وإنما ليقترب بها إلى الله .

رجائى عطية
Email: [email protected]
www.ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

12:02 م, الأربعاء, 1 فبراير 17