الأعياد الدينية وحكمتها الخالدة
اختارت دار الهلال، ضمن مجموعة كتاب «الإسلام دعوة عالمية»، الذى نشرته بعد ست سنوات من رحيل العقاد، عدة مقالات له عن الأعياد الدينية وحكمتها الخالدة، وقد كتبت منذ أكثر من عشر سنوات للأهرام، مقالاً عن تأملاتى فى الأعياد، وفلسفتها وحكمتها، وقلت فيما كتبته فى هذا المقال إن الأعياد فى حياة الأمم والشعوب عادة جارية متبعه، تبدو كواحات وسط هجير الحياة ورتابة الأيام وربما لهيب الأحداث.. لا تخلو أمة من الأمم من أعياد دينية، وأخرى قومية، ووطنية، واجتماعية، وموسمية، ومناخية.. فتحتل هذه الأعياد مساحة عمرنا كأفراد وجماعات، وحفاوتنا نحن المصريين بالأعياد، حفاوة ملحوظة.. تتخلل كأحواض الزهور أيام عمرنا المتراوحة بين الرتابة والسخونه أو العواصف، الحافلة بالكدح والمفاجآت وأحيانًا بالأهوال.. تختلف أشواقنا إليها تبعًا لمناسبة العيد ونوعيته، مثلما قد تختلف طقوس أو أساليب وصور وأشكال احتفالنا بها.. تأتى هذه الأعياد على اختلافها كواحات وسط هذا الخليط الذى تمتلئ بها أيام العمر.. تأتى متناثرة خلال العام، ننتظرها ونترقبها فى مواعيدها.. ما بين أعياد رءوس التقاويم الميلادية أو الهجرية أو القبطية، والموالد النبوية، وأعياد الديانات الإسلامية والقبطية : الفطر والأضحى، وعاشوراء، وأول رجب، والنصف من شعبان، وليلة القدر، ويوم عرفة، والإسراء والمعراج وغيرها للمسلمين.. وأعياد القيامة والغطاس وأحد السعف وخميس العهد والجمعة الحزينة وعيد صعود السيدة العذراء وغيرها للمسيحين.
ومن الأعياد ما يرتد إلى مناسبات قومية كعيد الجلاء، وعيد النصر، وعيد الجهاد، وعيد سيناء، وعيد السويس، وعيد العمال، والأم، ومنها ما يرتد إلى التعبير عن قيمة ظواهر طبيعة أو هبات للوطن كاحتفال المصريين بوفاء النيل الذى انقطع لفترة ثم عاد تعبيرًا عن عمق الإحساس بأن مصر هبة النيل، ومن هذه الأعياد ما يرتد إلى ظواهر موسمية أو مناخية، كعيد شم النسيم الذى يرجع إلى أيام الدولة الفاطمية وهو يجاوز مصر للمصريين إلى أمم أخرى درجت على الأحتفال به منذ مئات السنين كرمز للربيع.. ومن هذه الأعياد ما ينشأ غير دينى ثم تحتوية الأديان ومنها أعياد دينية مشتركة بين أكثر من ديانة كعيد عاشوراء الذى يحتفل به المسلمون واليهود.
على أن الملاحظ مع تتابع الأعياد، وتراكمات السنين، يخفت رجوع الناس إلى أصل هذه الأعياد أو اهتمامهم بالتفتيش عن مناسباتها الأولى أو ظروف نشاتها أو تقريرها، وربما عرفوها ونسوها بتراكم السنين.. تشغلهم الحفاوة بها وما يغمرهم من طقوسها ومراسمها وألق وفرحة الاحتفال بها عن محاولة التنطس والتعمق لمعرفة «أصول» أو«حكمة» هذه الأعياد وما صاحب نشأتها أو تقريرها!
هذه الأعياد مجددات لنشاط ونفسيات الأفراد والجماعات، لا تستغنى عنها جماعة من الجماعات، بما يصاحب أيامها وساعاتها من بهجة ورخاوة، ومن انطلاق واسترخاء يحتوى الجماعة كلها ويخفف من بعض قيود الحياة اليومية المعتادة.. تعلن هذه الأعياد عن نفسها بما يغمرها من تقاليد وزيارات وهدايا ومأكل ومشارب وملاعب وملاه.. يراعيها معظم الناس، ولا يتجاهلها إلاّ المتصنع المتكلف، أو المريض المعتل بعله معوقة، أو الأجنبى الغريب المتغرب عن الجماعة الذى يأنف أو يستحيى من الاشتراك معها فى أعيادها!
الأعياد من لوازم وجود الجماعة المطردة الدائمة.. لا تنقطع وقلّما تتغير مواعيدها وأماكنها، وقد تتغير أسماؤها وبعض سماتها مع تغير عقائد الجماعة أو تغير أفكارها أو حضارتها.. ذلك لأن الأعياد تواجه أليا تغيرات الجماعة بما يتناسب مع حالها وظروف المكان والزمان، فتزدهر الأعياد فى أوقات الرخاء والأمن والسلام، وتنكمش فى زمن الفقر والأزمات والاضطراب والحرب!
وكثير من الأعياد دخل مع الزمن فى رحاب الأديان، حتى وإن كان أصله غير دينى.. ساعدعلى ذلك مكانة وانتشار الأديان، وتفرغ كثيرين من رجالها وتمسكهم بالمواعيد والمناسبات الدينية، فضلاً عن مكانة كلمة الدين المسموعة بعامة وفى هذا الجانب الرخى المبهج، ولا شك أن رجال الدين يعطون للعيد مصداقية تزيد فى حماسة الناس له واحتفالهم به، بينما يعطى الاهتمام بالعيد مزيدًا من الالتفات للدين.
الأستاذ العقاد
والحكمة الخالدة للأعياد الدينية
لا يكتب الأستاذ العقاد إلاَّ ليضيف، وهو يتحدث فى المقالات التى اختارتها دار الهلال لتضمينها الكتاب تحت عنوان الحكمة الخالدة للأديان، مقالات له عن عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعن الضحية فى المقارنة بين الأديان، وعن العلوم الطبيعية ومسائل العقيدة، وعن خواطر العيد بين ألفاظه و معانيه، وعن خواطره رحمه الله فى رأس السنة الهجرية، ثم فى «الحرم» الذى تيمن بزيارته فى رحلة قام بها إلى الأرضى الحجازية، وهى الرحلة الوحيدة التى خرج فيها من مصر غير رحلته إلى السودان إبان الحرب العالمية الثانية توجسًا من النازيين الذين أشرفت قواتهم على العلمين، وقدَّر ما تحمله النازية من ضغن وموجدة ضده قد تحملها على الانتقام منه من جراء ما كتبه للإذاعة ضد النازية، وما كتبه ضد هتلر والحرب مشتعلة فى كتابه «هتلر فى الميزان» والذى حمل فيه عليه حملة شعواء، وعرَّى فيه جذوره، وخلل تكوينه النفسى، وميوله المَرضية للعنف، وما أنذرت به مواقفه وجعلت تجره على العالم من ويلات.
ولندع هتلر والنازية، ونعود إلى ما كتبه الأستاذ العقاد عن الأعياد الدينية وحكمتها الخالدة.
(يتبع)
Email: [email protected]
www.ragai2009.com