لم ينتظر ترامب اليوم الذى ينتخبه المجمع الانتخابى رئيسا للولايات المتحدة رسميا فى 19 ديسمبر الحالى، لكى يبدأ اختيار إدارته الجديدة؛ فقد بدأ منذ أسابيع قليلة تجميع الأسماء التى ستشاركه إدارة البلاد داخليا وخارجيا، والمحصلة الأولى تشير إلى أن إدارة ترامب تشبهه هو إلى حد كبير: فهى مثله مستقلة فى معظمها لم تربطها مهام أو مناصب سياسية أو انتخابية سابقة، وهى مثله تسير عكس التيار وعكس كل التوقعات بالنسبة للمشاهد على الأقل، وهى مثله حاسمة فى قراراتها لا تميل إلى الدبلوماسية، بل إن معظمها من رجال الأعمال أصحاب الملايين.
ومن الشخصيات التى اختارها ترامب فى إدارته حتى الآن يمكن للمرء أن يتوقع أن الرئيس الأمريكى سوف يعيد كل الحسابات السابقة وسوف يعمل على تغيير معظم القرارات التى اتخذها الرئيس أوباما خلال السنوات الثمانية الماضية؛ فهو اختار جيمس ماتيس الجنرال فى المارينز الأمريكية المعروف بخطه المتشدد من إيران بشكل خاص، حيث قال فى محاضرة بالمركز الدولى للدراسات الإستراتيجية إن إيران هى التهديد الوحيد المستمر للسلام فى الشرق الأوسط، وبالتالى فمن المتوقع أن يضع حدا للاتفاق النووى الذى أبرمه أوباما مع إيران فى العام الماضى.
ومن كبار رجال الأعمال اختار ترامب ركس تيلرسون، رئيس مجلس إدارة إكسون موبيل، ليقود السياسة الخارجية الأمريكية، رجل بدون أى خبرة سياسية أو دبلوماسية؛ ولكن لديه علاقات عمل فى البترول قوية مع روسيا والرئيس الروسى فلاديمير بوتين منذ عام 2013، وهو ما يجعل الخبراء السياسيين ينظرون بعين الشك إلى سياسة ترامب المقبلة إزاء روسيا التى بدأت الولايات المتحدة معها حربا باردة ثانية.
ومن بين اختيارات ترامب الأخيرة السفير الأمريكى فى إسرائيل، فقد وقع اختياره على ديفيد فريدمان، محامى ارتبط بأقصى اليمين الإسرائيلى، وأعرب دائما عن شكوكه فى جدوى حل الدولتين، فى الوقت الذى كان فيه يربط اليهود الأمريكيين اليساريين مع اليهود الذين تعاونوا مع النازية فى ألمانيا، ولم يتورع مؤخرا لأن يؤكد تأييده لاختيار القدس لتكون العاصمة الإسرائيلية ونقل السفارة الأمريكية فيها، وتأييد سياسة إسرائيل الاستيطانية، وهو ما سوف يكسر السياسة الأمريكية السابقة التى استمرت لحقب عديدة والتى احتفظت دائما بسفارتها فى تل أبيب، وأن وضع القدس يجب أن يتحدد فقط من خلال المفاوضات.
مازال من المنتظر موافقة الكونجرس على الشكل النهائى للإدارة الأمريكية؛ ولكن ترامب لا يعرف التراجع ولا الاستسلام ولا الحلول الدبلوماسية.