مع مطلع النصف الثانى من القرن العشرين، لاحت فى أفق السياسة المصرية ثلاث قوى رئيسية قدر لها- ولا تزال- أن تمارس أدواراً أساسية فى تطور الأحداث فى مصر.. والمنطقة، الولايات المتحدة الأمريكية التى خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية- 1945 – تتوجها أكاليل الغار، لتصعد كقوة عظمى إلى عنان السياسة الدولية، والمؤسسة العسكرية المصرية التى تدرج أبناؤها ممن التحقوا بفيلق الضباط بعد معاهدة 1936إلى مصاف الرتب الوسطى، وهالهم إفلاس النظام السياسى القائم، متمثلاً فى حريق عاصمة البلاد، ليقتحموا من ثم غمار العمل السياسى يوليو 1952، أما القوة الثالثة فهى جماعة الإخوان المسلمين التى بدأت «دعوية» نهاية العشرينيات قبل أن تقوى شوكتها لتتعاطى السياسة كمنافس للأحزاب القائمة، برغم ملاحقات أمنية تطاردها من حين لآخر.
إلى ذلك، لم يسبق لهذه الترويكا (..) أن تزاحمت معاً فى محاولة رسم خارطة طريق لمصر، مثلما الحال بمفرداتها خلال العقود الستة المنصرمة، ابتداءً من حركة الجيش 1952 التى مثلت جماعة الإخوان جناحها المدنى فى أول الأمر قبل أن يحظى «الانقلاب» بتأييد جماهيرى واسع، عجل بالكشف عن الصراع المتكتم بين «الضباط».. و«الإخوان» حول كعكة الحكم، ذلك فيما انحازت واشنطن إلى جانب الحكم العسكرى الناشئ، بغية الحلول- بمساعدته- محل الوجود البريطانى ورجالاته فى مصر، فى الوقت الذى اتجهت فيه جماعة الإخوان إلى استئناف اتصالاتها برموز حزبية من رجالات العهد السابق، وربما مع الإنجليز، ذلك قبل أن يحسم «عبدالناصر» الصراع لصالحه 1954 بعد أسابيع من توقيع اتفاقية الجلاء مع بريطانيا، إلا أن «الثورة» اصطدمت من بعد اعتباراً من فبراير 1965 (الاعتداء الإسرائيلى على غزة) مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة، لأسبابهما، وذلك على النحو المعروف خلال عقدى الخمسينيات والستينيات، وإلى حين وضعت حرب أكتوبر 1973 أوزارها، لتستعيد القاهرة وواشنطن زخم علاقتيهما فيما سمى وقتئذ «الشراكة الكاملة»، ذلك بينما تصاعدت حدة السجال بين النظام والإخوان، ومن فى معيتهم من جماعات خرجت من السجون أكثر ميلاً إلى استخدام العنف (..)، وصولاً إلى اغتيالهم «السادات» أكتوبر 1981، ولتتراوح العلاقة بين «مبارك» من بعد.. والمعارضة الإسلامية بين شد وجذب خلال العقود الثلاثة التالية، إلى قيام الثورة يناير 2011، ليختطفها الإخوان «كتنظيم محكم» من جماهيرها، ومن ثم إلى الاستيلاء على السلطة، بمساندة أمريكية واضحة.
إلى هنا، قد يبدو الأمر غير مستهجن، بإطلاقه، ويمكن ابتلاعه فى إطار الممارسة السياسية للعبة الأمم «الكبرى» التى ابتليت بها أوطاننا فى القرنين الأخيرين، ذلك لولا أن كشفت تصريحات وممارسات متسارعة (..) لكل من الولايات المتحدة وجماعة الإخوان، عن نوايا دفعهما إليها، نفاد صبرهما طوال العام المنصرم، وإلى صوب خطوات (..) تشير إلى صفقة جيوسياسية بينهما، ذلك تحت مظلة ما يسمى بحثيا «مشروع الإسلام السياسى الأمريكى».. لإقامة شرق أوسط جديد و«موسع»، وحيث أثار تعجلهما قلق المتابعين للشأن المصرى.. والمنطقة، من مغبة تحالفهما «غير المقدس» لتطويع مصر، مفتاح الحرب والسلام فى الشرق الأوسط.
وهكذا، تتقاطع للمرة الثانية خلال نحو نصف قرن، وعلى نحو مخالف، خيوط الأهداف السياسية لأعضاء «الترويكا» (..)، ما بات يهدد الروح والهوية الوطنية على الصعيدين المحلى والإقليمى، لتنتفض لمواجهتها.. معارضة مدنية/عسكرية جارفة، انتزعت الفريسة من بين أنياب الإخوان، كما طاشت بصواب الاستراتيجية الأمريكية الدفاعية الجديدة، الراغبة فى تأمين مصالحها- وإسرائيل- فى منطقة الشرق الأوسط.. قبل أن تتحول عنها للتركيز على المحور الآسيوى ASIA PIVOT ، كما حققت- المعارضة المدنية/ العسكرية من ناحية ثالثة.. نصرا فى اتجاه استقلالية القرار داخل الجيش، ولصالح جموع الشعب المتطلعة إلى تحقيق أهداف ثورتيها الأخيرتين، الأمر الذى قد يمثل من ناحية رابعة انتكاسة أمريكية للجهود الأمريكية الداعمة للفوضى «الخلاقة»، فى دول الربيع العربى.. وفى العالم، ما يثير التساؤل عن كنة ومدى رد الفعل الأمريكى المرتقب بالنسبة للعلاقة المتشابكة منذ ستة عقود بين الإخوان والجيش وأميركا، كقصة لم تنته بعد.