اثنين من المزارعين قررا التعاون معًا من أجل زيادة إنتاج المحصول لكل منهما ورفع جودته، لكن هذا التعاون فشل بسبب فقدان الثقة بينهما ، فقرر كلًا منهما العمل بمفرده ، مما يؤول في النهاية إلى خسارة كل منهما لمحصوله.
“” وهو أحد علماء السياسة الأمريكيين، عرض هذه القصة كمدخل لإيضاح مفهوم ومعني “رأس المال الإجتماعي” ، وليؤكد في الوقت ذاته أن انهيار الحياة المدنية والاجتماعية والترابطية منذ ستينيات القرن الماضي، تعود أسبابه في الأساس لتراجع رأس المال الاجتماعي ، مشيرًا إلي أن مأزق الفشل في التعاون الجماعي هو مأزق مألوف ومستمر تعاني منه مختلف الأمم والمجتمعات.
وأكد “بوتنام” أن الفشل فى التعاون من أجل تحقيق منفعة مشتركة لا يشير بالضرورة إلى الجهل أو اللاعقلانية أو الحقد – كما أشار منذ هوبز- فلم يكن المزارعين في القصة السابقة أغبياء أو مختلين عقليا أو أشرار بل كانوا “عالقين” في فكرة عدم الثقة.
ولمن لايعرف، فمفهوم يشير إلى “سمات التنظيم الاجتماعي، مثل الشبكات والأعراف والثقة، التي تؤدي إلي تسهيل التنسيق والتعاون لتحقيق المنفعة المتبادلة” ، و هو مصطلح اجتماعي يدل على قيمة وفعالية العلاقات الاجتماعية ودور التعاون والثقة في تحقيق الأهداف الاقتصادية.
ا، ككيان تنظيمي يمثل شركات التأمين العاملة في السوق المصرية، وهي جميعها مؤسسات تجارية هادفة للربح، فطن لنظرية “بوتنام”، مقتنعًا أن دوره ليس فقط حماية صناعة التامين، والسعي لتعظيم الأصفار التي علي يمين معادلة الربح، لكن هناك دورًا أخر ذا أهمية كبري، ربما هي الأكبر، أقصد إستفادة المجتمع نفسه من شركات التأمين، بعيدًا عن دورها في ترويض المخاطر عبر وثائق التأمين لسداد المطالبات والتعويضات وقتما تحقق الخطر.
التوعية بمخاطر الحروق ترجمة للمسؤولية الإجتماعية ورفع للوعي التأمين بصورة غير مباشرة
ولأن البدايات دائمًا ما تشير للنهايات، فدور – وفقًا لنظامه الأساسي- زيادة الوعي، لكن كيف يمكن الوصول لهذا الهدف، هل بعقد الندوات وورش العمل والمؤتمرات؟ أم بالإعلام والإعلان عن خدماته؟.
في الحقيقة هذه الوسائل مهمة، لكن الأهم منها كيف نُقنع الشرائح المحرومة إجتماعيًا أو التي تعاني من ظروفًا إجتماعية بهذا الدور، معسول الكلام قد يدغدغ مشاعرها حينا لكن لن يبقي طويلًا، إذًا باتت الحاجة لأن تكون هناك إجراءات علي الأرض، كيف هذا؟.
، بكافة تشكيلاته ، وعلي رأسهم مجلس إدارته برئاسة علاء الزهيري، أعد العُدة وعقد العزم، علي إبرام برتوكولات مع منظمات المجتمع المدني، ومنها ذًكرًا وليس حصرًا ” مؤسسة أهل مصر”برئاسة هبة السويدي، في خطوة تستهدف أمرين، الأول التوعية ضد مخاطر الحروق، والثاني ترجمة المسؤولية المجتمعية للشركات والكيانات الاقتصادية، لاسيما القطاع الخاص والذي يمثل مكونًا رئيسيًا من مكونات النظام الإقتصادي.
السؤال الذي قد يتبادر للأذهان من الوهلة الأولي، لماذا مؤسسة أهل مصر؟ ولماذا التوعية بمخاطر الحروق؟.
، أجاب عن هذا التساؤل المنطقي، بالإحالة لبعض الإحصاءات التي أشارت إلي أن حوادث الحروق تعد سادس متسبب لوفيات الفئة العمرية ما بين 5 إلي 14 عام، وهي السبب الرئيسي وربما الأول للوفاة لمن تتراوح أعمارهم ما بين 15 إلي 29 عام، وذلك فى الدول ذات الدخل المتوسط.
لم يكتفي المصري للتأمين بذلك، بل أحالنا مجددًا لبعض الإحصاءات الصادرة من منظمة الصحة العالمية، والتي أكدت أن ما يقرب من 17% من الأطفال الذي تعرضوا للحروق تعاني من إعاقة مؤقتة، بخلاف 18% أخري منهم تعاني من إعاقة دائمة.
السؤال الأخر في سلسلة التساؤلات الإستفسارية، ما مضمون برتوكول التعاون الذي أبرمه الإتحاد المصري للتأمين مع مؤسسة أهل مصر؟ والإجابة كما ساقها الإتحاد في نشرته الأسبوعية الصادرة أمس السبت والمعنونة بـ ” دور الاتحاد المصري للتأمين فى دعم المسؤولية الاجتماعية ” ، هي زيادة أو رفع الوعى الوقائي للمجتمعات المستهدفة ضد مخاطر الحروق وذلك باستخدام طرق فعالة وجاذبة .
الركائز الثلاث لبرتوكول التعاون بين المصري للتأمين وأهل مصر
السؤال الثالث، ما ركائز هذا البرتوكول؟
تلخيصًا، هذا البرتوكول يعتمد علي ركائز ثلاث، أولها له علاقة بالتعاون بينللحد من حوادث الحروق عن طريق رفع الوعى الوقائي للمجتمعات المستهدفة من أصحاب الورش ، ليكون لديهم الوعى الكافى لمواجهة حوادث الحروق فى أماكن العمل ونقل الثقافة التوعوية لمنازلهم وأسرهم.
أما الركيزة الثانية، فتنطوي علي إقامة بعض الأنشطة فى مناطق تجمّع الورش داخل المناطق السكنية والأكثر عرضه للحروق ، وأخيرًا ، نشر الوعى بين الأطفال عن طريق أدوات تفاعلية ، وسهلة تتناسب مع مستويات تفكيرهم ، حتي يكون لديهم القدرة والوعى الكافي لتجنب مخاطرالحروق ومسبباته.
الشرائح المستهدفة من البرتوكول
واستهدف البرتوكول أو المشروع إجمالًا الذي جري توقيع البرتوكول بشأنه ، شريحتين، الأولي شريحة مباشرة والأخري غير مباشرة، أما الأولي فتضم 200 صاحب ورشة ، و1200 عامل من عمال الورش بالمناطق المستهدفة، بخلاف ثلاثة ألاف فرد من سكان المناطق المجاورة للورش، و1500 طفل من أطفال المدارس بالمناطق المستهدفة، علاوة علي 50 متطوع من داخل المجتمعات المستهدفة.
وفيما يخص شريحة المستهدفون بصورة غير مباشرة، فتضم 800 من أسر أصحاب الورش المستفيدين من المشروع ، و4800 من أسر العاملين المستفيدين من حملات التوعية، علاوة علي 12 ألف منسر المستفيدين من حملات التوعية ، و4500 من الأطفال المتفاعلين مع الأطفال المستفيدين من المشروع بشكل مباشر.
وإتفق الإتحاد المصري للتأمين ، مع مؤسسة “أهل مصر” على ثلاث مناطق كمرحلة أولى لبدء تفعيل البروتوكول وهى ( المعصرة و السبتية و المناصرة )، والسبب في إختيار البدء بهذه المناطق يرجع إلي أنها ذات دخل محدود، وهو مايستهدفه البروتوكول ، بالإضافة الي أن إجمالى عدد الورش بالثلاث مناطق ، يصل الي ألف ورشة تقريبًا.
تلخيصًا ، يمكن إثبات صحة رؤية بوتنام التي أراد فيها تأكيد أن رأس المال الاجتماعي، ليس مفهوما نظريا وإنما مفهوم مادي يمكن قياسه من خلال قياس العضويات الموجودة في المجتمع المدني. ولكي يثبت صحة رؤيته هذه استخدم مفهوم المجتمع المدني. وهو في استخدامه للمجتمع المدني لم يكن يصف نوعا خاصا من التركيب المجتمعي ولا نموذجا لتركيب مجتمعي معين، إنما ما قام به كان عبارة عن عملية “معيارية”، أي يضع في ذهنه مقياسا أو معيارا محددا حول ما ينبغي أن يكون عليه المجتمع المدني وما هي مكوناته، وقرر على أساسها ما هي المكونات أو العضويات التي ينبغي أو لا ينبغي أن يشتمل عليها المجتمع المدني.