يرى البنك الأوروبي لإعادة الإعمار في أولى توقعاته الاقتصادية التي أصدرها منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، أن هناك تأثيرا إيجابيا للحرب يتجلى في الفرص الجديدة لمصدري الغاز بمنطقة جنوب وشرق المتوسط، ولكن أيضًا هناك تأثير سلبي على قطاع السياحة وسلاسل التوريد في البلدان ذات التركيز القطاعي.
وعلى الجانب الإيجابي، قد تخلق التغييرات في أسواق الغاز العالمية فرصًا (طويلة الأجل) لمصدري الغاز المحتملين في منطقة شمال إفريقيا، وتحديدا الجزائر ومصر وليبيا، إذا شاركت أوروبا بنشاط أكبر في تسهيل الوصول إلى خطوط أنابيب الغاز، بحسب البنك.
تأثيرات متنوعة
وأكد البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أن الشعور بتأثير الأزمة الروسية الأوكرانية يتزايد على بلدان منطقة جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط ، خاصةً في ضوء ارتفاع أسعار النفط والسلع الغذائية للمستهلكين، والآثار الثانوية المترتبة على ميزانية الحكومات والأمن الغذائي ومحركات النمو على المدى المتوسط.
وبحسب البنك، يمكن أن يؤثر انخفاض حركة السياحة لدى البلدان، وكذلك الاختناقات العامة في سلسلة التوريد والتقلبات على محركات النمو المهمة لدى تلك الدول، مشيرا إلى أن السياح الأوكرانيون والروس شكلوا حوالي 20% من الوافدين إلى مصر في السنوات الأخيرة، واستحوذ السياح الروس على حوالي 7% في تونس.
ويتوقع البنك الأوروبي أنه يمكن أن يؤثر الصراع الممتد أيضًا على صناعة السياحة العامة من أوروبا ، مما يعرض للخطر التعافي المستمر للقطاع لدى المنطقة.
وقال البنك الأوروبي لإعادة الإعماروالتنمية في تقرير حديث نشره لتقييم نتائج الحرب الروسية الأوكرانية على مناطق عمله ، إنه في جميع بلدان منطقة جنوب وشرق المتوسط تعتبر المنتجات البترولية من أبرز السلع المستودة، ويعتمد العديد من الدول بالمنطقة أيضًا على منتجات غذائية مستوردة (مثل مصر وتونس والأردن).
التضخم المستورد سيكون عبئًا على نمو البلدان بالمنطقة
وأضاف البنك أن التضخم المستورد سيكون عبئًا على نمو البلدان بالمنطقة ، وسيرهق التعافي الذي حدث بعد وباء كورونا ، مشيرًأ إلى أنه في مصر وتونس قد يؤدي دعم الغذاء والوقود (أوتحديد سقف الأسعار) إلى الحد من التضخم للأسر، ولكنه يشكل عبئًا على المالية العامة.
وأشار أن مصر أعلنت بالفعل عن حزمة دعم اقتصادي ، في حين أن الحيز المالي في تونس ربما يكون مقيدًا للغاية لتنفيذ تدابير الدعم.
و إلى جانب تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية على الاقتصاد الكلي لبلدان المنطقة، سيؤدي ارتفاع الأسعار إلى مخاطر على الأمن الغذائي لدى تلك الدول، لا سيما بالنسبة لأفقر شرائح السكان التي تضررت بالفعل بشدة من الوباء.
وأكد التقرير أن جميع الاقتصادات في جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط مستوردة صافية للمنتجات البترولية وتعتمد على الواردات الغذائية (لا سيما القمح ولكن أيضًا الذرة ومنتجات أخرى) ومن المرجح أن تواجه بعض التضخم المستورد.
وقال إن أوكرانيا وروسيا تساهمان معًا بأكثر من 25 % في صادرات القمح العالمية ، مضيفا ان مصر تعتبر أكبر مستورد للقمح في العالم ، ولكن دولًا أخرى (بما في ذلك تونس حيث يحتل القمح المرتبة السادسة في قائمة المنتجات المستوردة مع غياب الإنتاج المحلي ) فضلا عن لبنان التي تستورد أيضًا السلع الغذائية (بما في ذلك القمح والذرة) من كييف وموسكو.
ووفقاً لرؤية البنك أنه مما زاد من تعقيد ذلك الأمر لدى بلدان المنطقة أن العديد منها لديها تاريخ طويل في دعم المنتجات الأساسية (الغذاء والوقود)، على الرغم من التقدم المحرز في السنوات الأخيرة في تقليص الدعم في بعض البلدان.
وتواجه حكومات منطقة جنوب وشرق المتوط تحديات مختلفة وهي أن السكان واجهوا ارتفاعًا في معدلات التضخم خلال الأشهر الأخيرة، ومن المرجح أن تزداد مع شهر رمضان (الذي بدأ في أبريل الجاري) وكذلك زيادة الطلب على المنتجات الغذائية ، وبالتالي فإن الأسعار المرتفعة لأجزاء كبيرة من السكان تنطوي على تأثيرات اجتماعية واقتصادية .
ضغوط بميزانيات الحكومات جراء الأزمة الروسية الأوكرانية
وفي الوقت نفسه ، تخضع الحكومات بالفعل لضغط كبير في الميزانية (كتونس ولبنان على وجه الخصوص) ، وقد التزمت بتوحيد الإنفاق بعد الوباء للحفاظ على القدرة على تحمل الديون ، مما يعني أنه سيتعين عليها إيجاد توازن دقيق بين دعم السكان والحيز المالي.
ويرى البنك أنه يمكن أن تؤثر الاضطرابات والتقلبات في سلسلة التوريد في الأسواق العالمية الأخرى سلبًا على ميزان الحساب الجاري لمعظم البلدان (من خلال الواردات الأكثر تكلفة) وكذلك أداء الصادرات لتلك الاقتصادات التي تم دمجها بقوة أكبر في سلاسل قمة التصنيع العالمية ، مثل المغرب وتونس.
و بشكل عام ، تخلق هذه التطورات درجات متفاوتة من الضغط على الاحتياطيات الدولية للمنطقة .
وقال إن الحاجة إلى تسريع المحادثات مع صندوق النقد الدولي أكبر الآن بالنسبة لتونس ولبنان حيث يفتقر كلاهما إلى الوصول إلى الأسواق الدولية لتمويل فواتير الاستيراد الأكبر.
ويبدو أن الأردن في وضع أفضل قليلاً مع 15 شهرًا من احتياطيات القمح واحتياطيات مريحة من العملات الأجنبية ، لكن مخاوف مماثلة ستكون ذات صلة بشكل متزايد بأزمة ممتدة، وتخضع التوقعات الخاصة بلبنان لدرجة عالية من عدم اليقين.
وفي سياق متصل، خفض البنك توقعاته لمعدل النمو في مصر إلى 3.1% في العام المالي الجاري 2021/ 2022 مقابل 5% توقعها نوفمبر الماضي بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية ، لكنه رفع معدل النمو المتوقع للاقتصاد المصري العام المالي المقبل إلى 6% .
وكان وزير المالية، الدكتور محمد معيط، قد قال في تصريحات صحفية مؤخراً إن موازنة العام المقبل 2022/ 2023 تستهدف تحقيق نمو اقتصادي بحدود 5.5% ، وعجزًا يتراوح ما بين 6.1% و6.2%، مع ضبط تكاليف عدد من البنود.
وفقًا لتقرير البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD) ، سيكون للحرب على أوكرانيا تأثير شديد على الاقتصادات بعيدًا عن المنطقة المباشرة للصراع.
تخفيض توقعات نمو البلدان
وخفض البنك الأوروبي لإعادة الإعمار توقعاته لمعدلات النمو لعام 2022 للمناطق التي يعمل فيها بأكثر من النصف إلى 1.7 % ، بانخفاض 2.5 % عن توقعاته السابقة، ويرجح نموًا أقوى عبر مناطقه بنسبة 5 % في العام المقبل 2023.
ووصف تأثيرات الحرب بأنها “أكبر صدمة في جانب العرض منذ أوائل السبعينيات على الأقل” ، و تنبأ بأن التكلفة المتزايدة للسلع مثل الغذاء والنفط والغاز والمعادن سيكون لها تأثير عميق على الاقتصادات ، ولا سيما في البلدان المنخفضة الدخل في ضوء توفير روسيا وأوكرانيا حصة عالية من السلع ، بما في ذلك القمح والذرة والأسمدة والتيتانيوم والنيكل.
ويعمل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في العديد من الاقتصادات الناشئة ، ويمتد عبر شرق ووسط وجنوب شرق أوروبا وآسيا الوسطى وتركيا وجنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط..
درجة عالية من اليقين
تستند التوقعات الجديدة إلى سلسلة من الافتراضات حول الأحداث في الأشهر المقبلة ، ولكن هناك درجة عالية من عدم اليقين.
وتضررت الاقتصادات في آسيا الوسطى بشدة من انخفاض قيمة الروبل والقيود المفروضة على قابليته للتحويل ، لأنها تعتمد بشكل كبير على التحويلات الواردة من روسيا.
وتعرضت اقتصادات شمال إفريقيا ولبنان بشكل كبير لانخفاض المعروض العالمي من القمح ، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار، و أعادت الضغوط على العملات في القوقاز وآسيا الوسطى تقييم المخاطر الجيوسياسية، ومن المتوقع أن تتعرض السياحة لضربة في العديد من البلدان بما في ذلك أرمينيا وإستونيا وجورجيا والجبل الأسود.