الأموال العربية المهاجرة.. طريق اللاعودة

الأموال العربية المهاجرة.. طريق اللاعودة
جريدة المال

المال - خاص

2:56 م, الخميس, 22 أغسطس 13

نضال أبوزكى :


منذ ظهور النفط فى العالم العربى بحلول أواخر النصف الأول من القرن الماضى، والدول العربية تنتهج سياسة استثمار أموال النفط فى الدول الغربية. آلاف المليارات من الدولارات الأمريكية مودعة فى البنوك الأجنبية دون استثمار، وفى أحسن الأحوال تستثمر فى مشروعات تنموية واستثمارية ضخمة تعود بإيرادات هائلة على الاقتصادات الغربية على حساب الاقتصادات المحلية التى تعتبر الخاسر الوحيد جراء هجرة الأموال العربية إلى الخارج. وهنا تبرز قضية «هجرة الأموال» كأحد العناوين الرئيسية التى تتصدّر المشهد الاقتصادى العربى فى الوقت الراهن.

وبالرغم من تراجع أو انعدام جدوى استثمارات الأموال النفطية العربية فى الخارج على مدى السنوات الماضية، لكن رؤوس الأموال العربية لا تزال تستثمر فى الأسواق الأمريكية والأوروبية بقيمة تتجاوز800 مليار دولار أمريكى، فى الوقت الذى يعانى فيه العالم العربى من نقص الأموال اللازمة لتمويل المشروعات الوطنية وتلبية الاحتياجات المحلية ومواجهة التحديات المعاصرة وفى مقدمتها نمو معدلات البطالة بين الشباب العربى، والتى تعتبر ضمن النسب الأعلى عالمياً بـ%14، وتزايد الفجوة الغذائية وارتفاع حجم المديونية التى تمثل تهديداً حقيقياً للأمن الاقتصادى والاجتماعى.

ويمكن لأى محلل أن يجد أنّ تحدى المستقبل هو تحدٍ اقتصادى بامتياز، لا سيّما أن الاقتصادات العربية بحاجة إلى استثمارات إضافية تعادل 350 مليار دولار خلال السنوات القليلة المقبلة لمواجهة تحديات العولمة ومواكبة المتغيرات المتسارعة، لا سيّما النمو السكانى المطّرد الذى يفرض انعكاسات اجتماعية واقتصادية وسياسية لا يمكن تجاهلها. لذا، يحتّم الواقع العربى الاقتصادى الراهن العمل على إعادة الأموال العربية المهاجرة لتمويل المشروعات التنموية التى من شأنها سد جزء من العجز الغذائى وتخفيف أعباء المديونية المحلية والحد من معدلات البطالة المتنامية.

ولكن إعادة رؤوس الأموال العربية المهاجرة ليست بالأمر السهل، لا سيّما فى ظل عدم الاستقرار السياسى والأمنى والاجتماعى السائد حالياً فى العديد من دول المنطقة والذى يفرض ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية فى الاقتصادات العربية تمشياً مع المتغيرات الاقليمية والدولية. ولعلّ معوقات الاستثمار فى الدول العربية واضحة ومحددة ومحصورة بين معوقات تشريعية وجمركية وبيروقراطية، إلا أنّ أبرز التحدّيات الناشئة تتمثل فى انتهاج الشفافية وإيجاد فرص استثمارية واعدة بعيداً عن القطاع العقارى الذى بات الملاذ الوحيد لغالبية رؤوس الأموال العربية.

وعلى الرغم من الخطوات الإيجابية التى قطعتها بعض الدول العربية على صعيد تطوير القطاع المصرفى وأسواق المال وتحسين التشريعات الاستثمارية، فإن الطريق لا يزال طويلاً للوصول إلى بيئة استثمارية جاذبة للاستثمارات العربية والأجنبية على السواء، والتى تحتّم بدورها العمل على تعزيز التعددية الاقتصادية وتحديث البنى التحتية والتكنولوجية وانتهاج الشفافية والوضوح وإقرار الإعفاءات الضريبية وإجراء تعديلات جذرية على صيغ الاستثمار وتوسيع نطاق حركة التجارة البينية وتشجيع التجارة الإلكترونية.

وهكذا بينما يعانى العالم العربى من تحديات متنامية على صعيد الأمن الغذائى والاستقرار السياسى والأمنى والاجتماعى، نجد بأنّ التحديات الاقتصادية ليست أقل وطأة، لا سيّما أن العديد من الدول العربية لا تزال تحتل موقعاً متأخراً فى سلم التنمية الاقتصادية، وهو ما يجعل من إعادة الأموال العربية المهاجرة ضرورة حتمية وحاجة وطنية وقومية ملحّة لوضع أسس متينة لمواجهة تحديات المستقبل وتوظيف النفط العربى فى خدمة الخطط التنموية العربية.

جريدة المال

المال - خاص

2:56 م, الخميس, 22 أغسطس 13